Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 14:36:32
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
لماذا لم يخسر أردوغان الانتخابات؟

دام برس :

لماذا حافظ أردوغان على شعبيته مرتفعة؛ إنه خسر في سورية، تورط بفضائح فساد مخجلة، خرجت ضده مظاهرات حاشدة، فشل في مباحثات الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، خسر أحد أهم شركائه وهو الداعية غولن، لم يحقق تقدماً في مباحثات المسألة القبرصية، لم يخطو أي خطوة لصالح الأقلية التركمانية في القرم، لم يستطع حماية الأقلية التركمانية في كركوك شمال العراق، كم الأفواه، قمع الخصوم، ملأ السجون، عاقب وسائل الإعلام، أغلق مواقع التواصل الاجتماعي، زج بأبرياء كثر في السجون.. ورغم ذلك كله استطاع الحفاظ على شعبيته.. إنه وضع جدير بالدراسة والتحليل.
يعتقد السوريون أنه كان على الأتراك إقصاء "أردوغان" وإسقاطه عن الحكم بسبب دوره في الحرب في بلادهم. والحقيقة هي أن الأتراك يعتقدون فعلاً أن رئيس وزرائهم أخطأ في سورية ولكنهم لا يعلمون مدى تورطه، ولا يعلمون أنه هو المسؤول الأول عن الحرب والخراب. والخطأ هنا يقع بشكل خاص على الآلة الإعلامية السورية التي لم تتجشم عناء مخاطبة الأتراك بلغتهم، واكتفت بموقع باللغة التركية لوكالة أنباء "سانا" الحكومية، وبنشرة أخبار باللغة التركية مدتها عشر دقائق مرتين أسبوعياً. وبالمقابل تقدر الآلة الإعلامية لحزب العدالة والتنمية، والتي أطلق عليها "أردوغان" في أحد التسجيلات المسربة له اسم "المسبح الإعلامي"، بمليارات الدولارات.

بالمحصلة يمكن القول أنه إن كان أكثر من ٦٥% من الإعلام التركي يهاجم السلطة السورية، بحسب التعبير الشائع، والباقي لا يعتبر بالضرورة أنه يتعين عليه الدفاع عن السلطة السورية، وإذا وضعنا بعين الاعتبار الجمود الإعلامي السوري اتجاه تركيا، فإن معارضة ٧٥% من الأتراك لسياسة بلدهم اتجاه سورية هو بحد ذاته نجاح باهر. والعامل الأهم في ذلك يعود للأداء الشخصي الباهر للرئيس السوري بشار الأسد. وهذا رأي شخصي لكاتب السطور الذي يعتبر نفسه خبيراً بالمجتمع التركي.

ليس السوريون وحدهم من فهم أو تصرف خطأً. ولكن تظهر الانتخابات أنه حتى أكثر من نصف الأتراك كانوا قاصرين في فهم الكثير من العوامل التي استطاع "أردوغان" بها الحفاظ على شعبيته.

من العوامل الهامة أن "أردوغان" تمكن من عسكرة كتلته الشعبية بكل ما في هذه الكلمة من معنى. فلديه دوماً عدو ما يخوف به أنصاره ويشد من عصبهم للبقاء ملتفين حوله. ولديه قاموس غني جداً جداً بالأعداء؛ فهناك العلمانيين الذين يصورهم وحوشاً يريدون القضاء على المحجبات، ويريدون إقامة حفلات الفجور والعربدة. وهناك ما يسميه بـ"لوبي الفوائد المصرفية"، إذ يزعم أن هناك بعض كبار الأغنياء يريدون خلق الاضطرابات وإثارة البلبلة لخفض سعر الليرة التركية ورفع مستوى الفوائد في المصارف بهدف خلق كتلة من التضخم النقدي تصب في جيوبهم. وهناك اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يصور نفسه خصماً له بسبب موقفه من القضية الفلسطينية، ويصور نفسه جنباً إلى جنب مع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" يناضلان كلاهما نضالاً شرساَ من أجل خير الإنسانية جمعاء ضد هذا اللوبي. ويقف إلى جانب هذا اللوبي، بحسب قاموس "أردوغان" للأعداء، تيار المحافظين الجدد. ومن الأعداء أيضاً إيران، حيث اتهم إعلام "أردوغان" إيران بالوقوف إلى جانب جماعة "غولن" بسبب "غيرة العجم من نجاحات الترك" على حد تعبير هذه الوسائل.

ومن الأعداء كذلك الضباط الذين اتهمهم بـ"الوقوف ضد الخيار القومي للأمة"، فقد توقف طويلاً عند نقطة أن الضباط غير منتخبين بينما هو منتخب، وهو ما يعتبره نقطة إيجابية له على حسابهم، ويعتبر بالتالي وقوفهم ضده وقوفاً ضد "الخيار القومي للأمة". ومن الأعداء ما يطلق عليه اسم "البارونات" (جمع بارون)، فهو يصور لأنصاره أن هناك مجمعات سرية لها طقوس باطنية تشبه الماسونية، مشكلة من كبار الأغنياء، تمارس الضغط عليه لتحقيق غاياتها الأثيمة فيما هو يناضل ضدها. ولعل مسلسل "وادي الذئاب" التركي الشهير يقدم إيضاحاً لهذه النقطة، ولنتذكر أن البطل الذي يحارب ضد البارونات في المسلسل هو في المسلسل والحقيقة معاً من أنصار "العدالة والتنمية". وكذلك هناك الشبيحة السوريون الذين تم اتهامهم بعدة اضطرابات وقلاقل في تركيا على رأسها تفجير الريحانية الشهير والمظاهرات والاحتجاجات التي عمت جهات واسعة من تركيا. وهناك أيضاً تنظيم "أرغنكون" المتهم بمحاولة الانقلاب على الحكومة، وهناك أيضاً وأيضاً الصحافيون الذين يتهمون بتدبير الأرضية الإعلامية للانقلاب على الحكومة. وهناك الأوربيون النزقون الذين يتحرقون غيرة من نجاحات تركيا العالمية. وانضمت مؤخراً إلى هذا القاموس "الدولة الرديفة" أو "الدولة الموازية"، وهو التعبير الذي يطلقه "أردوغان" على جماعة الداعية "غولن"، وينعتهم بالحشاشين.

لقد استطاع "أردوغان" بشكل بارع أن يقنع أنصاره بوجود كل هؤلاء الأعداء الذين يتربصون به. ولنعد قراءة أدائه في أثناء احتجاجات ميدان "تقسيم" الشهيرة. ففي تلك الاحتجاجات لم يعمد مثلما ينتظر من رئيس مسؤول إلى محاولة استيعاب المحتجين الشباب. بل وجه لهم تهماً شنيعة، واتهم "لوبي الفوائد" بتمويل تحركاتهم. وبنفس الوقت حاول شد عضد أنصاره لئلا ينساقوا إلى التعاطف مع المحتجين، فاخترع قصة أم شابة محجبة قال أن مجموعة من حوالي ستين إلى سبعين شاباً نصف عراة، يرتدون القفازات الجلدية، يحملون الهراوات، ويحتسون الخمرة، هاجموها مع طفلها الرضيع، فأشبعوها ضرباً وإهانات وطوحوا بعربة رضيعها في الهواء، وحتى أنهم تبولوا على المحجبة. وزعم أن الحشد هدد وتوعد بقتل كل المحجبات، وأنه ضرب أيضاً رجلاً مسناً وحفيده لأنهما حاولا مساعدة الضحية. كل ذلك يجري في حي "قباتاش" في وسط اسطنبول دون رقيب أو حسيب. وتبين لاحقاً أن القصة ملفقة. ولكنه استطاع وقتها حفظ أنصاره متشنجين دون أن يتعاطفوا مع المحتجين. ولنتوقف ونعيد قراءة كيفية وصفه الفانتازي للعلمانيين الخصوم.

ويبدو أن أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية، لم تتمكن من إقناع جمهور "العدالة والتنمية" بأنها لن تنتقم منه حالما تصل إلى السلطة. ولذا يبقى حذراً حيالها.

ومن العوامل الهامة التي حفظت لـ"أردوغان" شعبيته إقناعه حزب العمال الكردستاني بجدوى التفاوض معه. وبهذا قدم للشعب التركي والكردي على حد سواء فترة من الهدوء النسبي. أما حزب الشعب الجمهوري فإنه طرح قبل حزب العدالة والتنمية خطة من ثلاثة عشر بنداً لحل القضية الكردية، ولكن يبدو أنه لم يستطع إقناع الأكراد بها رغم أنها تتضمن الكثير من النقاط المتقدمة بالنسبة للنقاط المطروحة حالياً على جدول التفاوض. ويبدو إذن أن "العدالة والتنمية" كان أكثر حذقاً ودبلوماسية من "الشعب الجمهوري"، الذي بقي بالنسبة للكثير من القوميين الأكراد في موقع الخصم. وبالنسبة للشعب بقي أن "أردوغان" هو الذي حقق فترة الهدوء والسلام التي يخشى من أن تتخرب إذا استلمت أحزاب أخرى دفة الحكم.

وكذلك من العوامل الهامة أنه لا يوجد في تركيا حزب يمين وسط حقيقي. هناك حزب الحركة القومية اليميني المتشدد. وأما أصوات اليمين المعتدل فتذهب إلى حزب العدالة والتنمية. وليس صحيحاً أن حكمه يقوم على أصوات الإسلاميين، بل على أصوات اليمينيين بشكل تقليدي مثله في ذلك مثل حزب المستقبل اللبناني والحزب الوطني السابق في مصر. وكانت مناورات "أردوغان" ناجحة في منع قيام حزب يميني قوي، فهو قدم لأمين عام حزب الوطن الأم، الذي كان من شركاء السلطة يوماً ما، مقعد وزارة الثقافة في الحكومة السابقة وأمن بذلك عدم تشكيله خطراً عليه مستغلاً حرصه على المقعد. وبعد أن أحس نفسه في موقع قوي تخلى عنه وطرده من الحكومة. وذهب مقعد وزارة الثقافة إلى القطاع الليبرالي لمحاولة جذبه لطرفه. وكان وزير الثقافة الجديد "أرطغرل غوناي" ليبرالياً علمانياً من إزمير قلعة حزب الشعب الجمهوري وقلعة العلمانية والليبرالية. وعاد فطرد الأخير بسبب موقفه المتعاطف من احتجاجات "تقسيم". وكذلك استطاع إغراء حزب "صوت الشعب" الصغير بحل نفسه وانضمامه إليه مقابل مقاعد صغيرة لبعض قيادييه.

إن لـ"أردوغان" أسلوباً بارعاً في التغطية على كونه يقدم التنازلات. ويبدو أنه بارع في الذهاب يميناً بينما ينظر يساراً. فقد كشفت تسريبات ويكيليكس مثلاً أنه يصعد خطابياً ضد الولايات المتحدة الأمريكية ويقدم لها التطمينات والضماناة والرسائل الودية سراً. كما لنذكر أنه صعد من حدة خطاباته ضد "إسرائيل" وتبين أنه بنفس الوقت كان يمضي مباحثات إعادة تطبيع العلاقات مع نتنياهو ويقيم جسراً بحرياً مع الكيان الصهيوني.

ويبرع "أردوغان" بتقديم نفسه ضحية؛ فهو قدم نفسه ضحية لعملية إسقاط العسكر لحكومة "أربكان" السابقة؛ وعندما دخل السجن لأربعة أشهر استثمر ذلك لمصلحته مقدماً نفسه مناضلاً عنيداً سقط ضحية مبادئه فيما كان هو في الحقيقة قد دخل السجن بسبب شتمه القضاة وافتعاله مشكلة في القصر العدلي عندما لم يصدر حكم لصالحه؛ وعندما اندلع الخلاف الأخير بينه وبين "غولن" قام إعلامه بتصوير الموقف على أنه محاولة للنيل من نضال "أردوغان" لإعادة السلام إلى جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية.

وهناك بالتأكيد عوامل مساعدة مثل؛ انقسام المعارضة، وخاصة في الضفة اليسارية. حيث أن هناك سبعة أو ثمانية أحزاب يسارية صغيرة تأخذ الأصوات من طريق حزب الشعب الجمهوري؛ والذكريات السيئة للجمهور مع فترات الحكم العسكري بما يمنعهم من التعاطف مع العسكر ويجعلهم يتمسكون بـ"أردوغان" الذي يقدم نفسه ضمانة لعدم عودة الحكم العسكري.

وبالتأكيد تضاف إلى ما سبق التفاصيل الصغيرة لكن الهامة مثل الكاريزما الشخصية، والنشاط والحيوية، وفعالية الآلة الانتخابية وجدواها. وهناك عامل هام في بلدان المنطقة، وهو الأعطيات التي تقدم فترة الانتخابات، مثل المعكرونة والفحم والمعلبات وأدوات كهربائية وسواها. وهذه عملية تضليل انتخابية موصوفة. ولكن في بلد لا يؤاخذ فيها ابن رئيس الوزراء رغم ثبوت سرقته مبالغ تقدر بمليارات الدولارات فإن رشوة الناخب بقليل من المعكرونة والفحم ليس أكثر من تفصيل صغير.

أنباء آسيا

الوسوم (Tags)

سورية   ,   تركيا   ,   دام برس   ,   syria   ,   city   ,   الانتخابات   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   مارد
ان الاموال الهائله التي ضختها امارة موزه قطر هي التي انقذت هذا المسلمجي القواد اردوغان كما ان نفس هذه الاموال اوصلت محمد مرسي لكرسي الرئاسه في مصر حيث اشتروا اصوات الناخبين ببعض الدولارات لكني اتوقع ان فرحة اردوغان لن تكتمل فمصيره سيكون كمصير مرسي لان هؤلاء القوادين يستطيعون ان يخدعوا شعوبهم بعض الوقت لكنهم لا يستطيعوا ان يخدعوا شعوبهم كل الوقت و الايام حبلى بمفاجأت كثيره لصعلوك تركيا الذي اعتلى سدة الحكم بفضل السذج و الهبل من الشعب التركي اما المثقفين فهم يعرفون بأن اردوغان هو جحش ابن جحش و لا يستطيع ان يقود قطيع من الغنم فما باللك كدوله مثل تركيا
مارد  
  0000-00-00 00:00:00   الى حين
صحيح ان ادوغان فاز بالانتخاب لكن بنسبة اقل من السابق ومع الوقت ستنخفض هذه النسبة مع ظهور قضايا فساد جديدة لينتهي فيه المطاف مع مرسي العياط في السجن
سامر  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz