دام برس - سهى سليمان :

لأن فترة الطفولة هي فترة البناء الأساسي والحقيقي والفعلي لشخصية الفرد، ولأن تربية الطفل هي أهم مرحلة في مراحل التربية، فهي مرحلة زرع البذور التي لا بد ستكبر وتنتج ما تم زرعه.

وتعد عملية تدريب الطفل على الانخراط في المجتمع من أهم أسس التربية، التي ستصقل مهاراته وتكوّن له شخصية مستقلة مميزة لها صفاتها الخاصة.

وانطلاقاً من ذلك يقوم المركز الثقافي في قرية برمانة المشايخ بالتركيز على الأنشطة الاجتماعية والثقافية المتعلقة بالطفل الذي يعد اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وتطويره، بهدف خلق حالة من الاعتياد على زيارة المركز وتكوين صداقة حقيقية وحميمية معه.

ونحن بدورنا وإيماناً من مؤسسة دام برس الإعلامية بأهمية تلك النشاطات كانت المؤسسة مع الأطفال في أيامهم الثقافية لتنقل بعضاً من تلك النشاطات من خلال تغطية ميدانية لتلك الفعاليات المتميزة التي قام بها المركز الثقافي في برمانة المشايخ خلال الفترة الماضية والتي ركّزت على الطفل وضرورة تنمية الإبداع والفن وتحفيز التفكير لديه:

العصف الذهني.. كيف أحلّ المشكلة؟

وبهدف تشجيع الأطفال على تحريض عقولهم والبحث عن حلول للمشكلات، قام رئيس المركز بطرح مشكلة على الأطفال ليقوموا باقتراح حلول لها، مستخدماً فيها استراتيجية العصف الذهني.

وتتجلى هذه الاستراتيجية باستثارة أفكار الأطفال وتفاعلهم انطلاقاً من معارفهم، حيث يكون كلّ طفل بمثابة عامل محفز لأفكار الآخرين ومنشط لهم لقراءة ومناقشة أو كتابة موضوع والبحث عن حلول لمشكلات قد تعترض حياتهم.

وكان رئيس المركز قدم مشكلة وقوع عصفور صغير داخل حفرة وعدم استطاعته الخروج منها، وتتمثل المشكلة بكيفية إخراجه، وقد بدأ الأطفال بتقديم الحلول المختلفة بعضها الصحيح وبعضها الخاطئ، وقد تركزت الحلول حول إحضار حبل أو سلّم، والبعض اقترح أن يرمي له بعض الطعام والشراب ليستطيع أن يعيش لفترة أطول.

ولا بد في هذه الاستراتيجية من تحديد الهدف والمشكلة المطلوب حلها، ومن ثم القيام بالتهيئة الذهنية المطلوبة، ليتم طرح كافة الأفكار المتعلقة بحل المشكلة وتقبل جميع الإجابات والآراء ليقوم بعدها المعلم بتصحيح مسار تفكير الأطفال وإلغاء بعض الأفكار المكررة أو الخاطئة ومساعدة الجميع على استخلاص الأفكار النهائية والحلول الناجحة للمشكلة.

وتعود أهمية هذه الاستراتيجية لقدرتها على تنمية الإبداع والابتكار لحلّ المشكلات وإثارة اهتمام وتفكير الأطفال في المواقف التعليمية وتنمية تأكيد الذات والثقة بالنفس مع توضيح نقاط واستخلاص الأفكار وتلخيصها، إضافة إلى اكتساب المعلومات والمفاهيم والمهارات والوصول إلى أهداف تعليمية ذات فائدة تنمي قدرات الطفل.

الطفل والطبيعة... اندماج بلا حدود

وفي تجربة فريدة من نوعها وللتأكيد على أهمية الطبيعة وعطاءاتها غير المحدودة كان هناك للأطفال جولة خلوية في الطبيعة، حيث اصطحبهم رئيس المركز في القرى المجاورة من خلال إقامة نشاطات أطلق عليها "النوادي الثقافية في الطبيعة" بهدف ترييف الثقافة والوصول إلى أكبر عدد من الأطفال لتعريفهم بالمركز الثقافي وماذا يقدم لهم.

ومن بين أهم الوسائل التي يستخدمها المركز للوصول لأهدافه هو تشويق الطفل من خلال إقامة الأنشطة في الهواء الطلق، ومن بين تلك الأنشطة ورشات الرسم وورشات لحلّ المشكلات وورشات أدبية لقراءة القصة والشعر، إضافة إلى مسابقات ثقافية ورياضية ونوادٍ للقراءة وجلسات استماع ومعارض فنية، اختتمت بتوزيع المكافآت التشجيعية والهدايا اليومية التي قدمت للأطفال المشاركين والمتميزين، وهذا ما خلق حالة من التنافس الشديد والممتع للأطفال وللمركز أدت لزيادة عدد الأطفال المشاركين.

كما هدفت تلك النشاطات إلى التعريف بالطبيعة وخيراتها وكيفية الحفاظ عليها والاستفادة منها بالشكل الأمثل دون الضرر بالممتلكات العامة.

الحوار فن راقٍ من فنون الاتصال

وعن فن الحوار استضاف المركز الثقافي في القرية الباحثة الاجتماعية مريم خير بك في محاضرة حول فن الحوار ومبادئه وأهميته بالنسبة للطفل واحترام عقله وتعليمه احترام الآخر، إضافة إلى تعليمه كيف يناقش ويتقبل أو يرفض، وتقبل الأهل لما يطرحه الطفل من أفكار، حتى ولو كانت بسيطة جداً وغير جيدة.

كما تمحورت المحاضرة على الموضوعات التي يناقش فيها الطفل أهله والتي تتعلق بمشكلاته في المدرسة أو في المنزل أو حتى المستوى الدراسي له والصعوبات التي يعانيها، إضافة إلى ضرورة تصحيح الأخطاء مع محاولة إعطائه الدليل والحجة على خطأه، والتشجيع على التفكير من جديد، وتعزيز مبدأ تكرار المحاولة مع إرشاده إلى الحلول المناسبة للحلول حتى يصل إلى نتائج إيجابية.

وفي ختام المحاضرة وزعت جوائز تشجيعية عبارة عن مجموعة من الكتب والقصص المفيدة على الأطفال الذين شاركوا بشكل متميز.

القراءة والاستماع... تركيز ووضوح

وتمثلت أيضاً تلك النشاطات التي أقامها المركز خلال الفترة الماضية بقراءة بعض القصص من قبل الأطفال وضرورة قراءتها بشكل جيد ومن ثم إعادة تلاوتها لأصدقائهم الأطفال بهدف التركيز على المعاني المقروءة وفهمها بشكل صحيح، إضافة إلى ضرورة معرفة مخارج الحروف بشكلها الصحيح.

كما أوضحت النشاطات مفهوم الاستماع الذي يعطي فيها الشخص المستمع المتحدث كل اهتمامه، ويركز انتباهه إلى حديثه ويحاول تفسير أصواته وإشاراته وكلّ حركاته وصمته.

ومن أهم مبادئ الاستماع الجيد النظر باهتمام إلى المتحدث، وإبداء الرغبة في مشاركته، والدقة في الاستماع والقدرة على التفسير والتمييز بين الأصوات المتعددة، إضافة إلى الاحتفاظ بالأفكار التي يتحدث بها الشخص المتحدث، وفهم المعاني والكلمات المتداولة في الحديث.

وقد هدفت هذه النشاطات بمجملها إلى تنمية قدرة الطفل على الحديث والاستماع، والتمييز بين الأصوات المختلفة وبين الأفكار الأساسية والثانوية، إضافة إلى الربط بين الحديث وطريقة العرض وتخيل المواقف التي تمر بهم، واحترام المتحدث والتفاعل معه.

أخيراً إن هدف كل عمل ثقافي هو المجتمع بشرائحه كافة، فلنبدأ الاستثمار في الأطفال، لأنهم بناة المستقبل، فلا بد من تدريب مهاراتهم واكتشاف إبداعهم والتركيز عليها، وتنمية مهاراتهم الحركية والإدراكية واللغوية من خلال الأنشطة والفعاليات المتنوعة في المنزل أو المدرسة أو في المراكز الثقافية.

ومن الضرورة بمكان التأكيد على أن تكون عملية التنمية من خلال الألعاب الترفيهية أو التعليمية التي يمارسها الطفل عادة، لأن هذه العملية ترسخ المعرفة والمعلومة وتعمل على تنمية قدرات الطفل على تحفيز التفكير وتقديم أفكار وحلول لمشكلاته.