دام برس _ حوار- بلال سليطين :
في ظل هذه الحرب اللعينة التي تعيشها سورية، وحاولات تتار العصر لطمس الهوية الثقافية والفكرية لسورية ونشر الظلمة والتخلف، يضيء مبدعون سوريون كالنجوم في سماء هذا العالم ليعيدوا لوطنهم العظيم اشعاعه الفكري والحضاري.
"خلدون حميشة" متفوق سوري في هذا الزمان الصعب تغلب على ظروفه الصعبة ونال مؤخرا جائزة الهيئة الألمانية للتبادل العلمي للطالب الأجنبي المتفوق على مستوى كل جامعة في ألمانيا لعام 2014.
"حميشة" الذي ينحدر من قرية "وطا الخان" في ريف اللاذقية هذه القرية التي صمدت في وجه إرهابيي العصر، حل ضيفا على دام برس في الحوار التالي حول تفوقه:
* كيف استطعت التفوق، وللغربة ظروفها وصعوباتها؟
** التفوق ليس نتيجة يوم بل هو محصلة عمل دؤوب متواصل على مدى زمن طويل، والنجاح هو ثمرة هذا العمل المتواصل.
لقد تخرجت في عام 2005 من قسم الهندسة البحرية في جامعة تشرين وهو قسم افتتح حديثا في ذلك الوقت، حيث كنت الخريج الأول على أول دفعة خريجين في الهندسة البحرية، ونتيجة ذلك أوفدت كمعيد من قبل جامعة تشرين إلى ألمانيا للحصول على شهادة الدكتوراه باختصاص عمارة السفن ابتداءا من عام 2009.
في البداية كانت المهمة الأولى هي التغلب على حاجز اللغة الاجنبية، ومن المعروف أن اللغة الالمانية من اللغات الصعبة للتعلم ولكن ذلك لم يقف حائلا دون تعلمها و إتقانها، وبعد ذلك بدأت الدراسة في جامعة روستوك الألمانية وهي من أعرق الجامعات الألمانية وأقدمها، وبعد ذلك وكما هو معروف عن الطالب السوري الاجتهاد و العمل الجاد، وهذا ماعملت عليه بجد ونشاط لإنجاز عملي على أطروحة الدكتوراه.
من الصعوبات الأخرى الغربة والثقافة الجديدة والحنين للأهل والوطن.
أما الأمور التي سهلت علي ودعمتني فهي وجود عائلتي (زوجتي وابني 4 سنوات) معي هنا، فزوجتي طالبة دكتوراه بالهندسة المعمارية، ولقد كان لتشجيعها وتشجيع أهلي الأثر الكبير من أجل التفوق.
كما أن الأزمة الكبيرة التي يمر بها الوطن تركت اثرا سلبيا في حياتي، ولكن ذلك الامر دفعني لأبذل مزيدا من الجهد من أجل أن يبقى اسم الوطن مرفوعا دائما في المحافل الدولية ولكي أزرع البسمة على وجوه السوريين وأكون دافعا للكثيرين الذين يؤمنون ببناء الوطن بسواعد أبنائه بعد تجاوز هذه المحنة.
* تفوقت على الطلبة الموفدين، ماذا عن ترتيبك على صعيد الطلبة الألمان أيضاً؟
** هذه الجائزة التي نلتها كانت على مستوى جامعة روستوك وبالنسبة لجميع الطلاب الاجانب وتعرف بجائزة الهيئة الألمانية للتبادل العلمي للطلاب الأجانب المتفوقين لعام 2014، فلقد حققت نتائج جيدة جدا وبذلك استحقيت التفوق على قرابة 400 طالب أجنبي موجودين حاليا بجامعة روستوك من جميع الجنسيات ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها فإن هذه الجائزة لم تعطى من قبل لأي طالب سوري، ووفقا لخبرتي الشخصية التي كونتها نتيجة العمل لقرابة 5 سنوات و المشاركة في حقل التدريس بالجامعة فإن الدرجات التي حصلت عليها هي من النتائج التي يصعب حتى على الطالب الالماني الحصول عليها، ولكن لا يوجد أرقام رسمية بالموضوع.
* في ظل الظروف التي تمر بها سورية، ماذا يعني أن يكون هناك طلبة سوريون متفوقون في دولة كألمانيا؟
** أن يكون هناك تفوق في هذه الظروف الأليمة التي يمر بها الوطن لهو أمر يؤكد على أن الإنسان السوري قادر على أن يتغلب على الظروف المحيطة به ومهما كانت قاسية ويحول اليأس إلى تفاؤل والضعف إلى قوة، وأن البلد سيعاد بناؤه بمحبة وتفوق أبناؤه، وتثبت في جميع المحافل الدولية أن الطالب السوري رقم صعب لا يمكن تجاهله.
* هل ساهم تفوقك بإيصال رسالة ما للخارج عن سورية وشعبها؟
** هذا التفوق أدى بلا شك إلى إيصال رسالة مفادها أن الطالب السوري طالب ذو سمعة طيبة و مستوى علمي جيد جدا، وأتمنى أن أكون بتفوقي هذا قد ساهمت برفع اسم سورية عاليا.
* ماذا عن دورك في الجانب الإنساني في ظل الظروف التي يمر بها بلدك؟
** منحي هذه الجائزة ( من قبل الهيئة الألمانية والتي تعتبر أرفع هيئة ألمانية لدعم البحث العلمي ) تضمن شقين، الأول تفوق علمي كما شرحت سابقا، والشق الثاني هو شق انساني نتيجة مساعدتي لبعض الطلاب السوريين في الحصول على قبول لمتابعة الدراسة هنا بالجامعة من أجل المساهمة لاحقا في بناء الوطن، وكذلك لمساهمتي في الجانب التدريسي هنا بالجامعة للبرنامج الدراسي الاوربي EMShip المدعوم من قبل عدة جامعات على مستوى العالم.
وأحب أن أذكر أن التكريم كان من قبل السيد رئيس جامعة روستوك يوم 12/12/2014 .... والترشيحات كانت سرية...
* أي آثار لحقت بكم كطلبة نتيجة الظروف الحالية في سورية؟
** الظروف الحالية للأسف زادت من محنة الطالب المغترب بسبب التعلق الشديد بالوطن، والتهديد المستمر للوطن من قبل العدو الخارجي والداخلي لطمس الحضارة السورية العريقة و اغتيال الكفاءات وزع الجهل والتخلف فيه، وتطلب الأمر بذل جهود كبيرة لمحاولة تغيير وجهة النظر لدى المجتمع الألماني عن الازمة في سورية و المؤامرات التي تحاك لها من الخارج.
* من ترى أنه يستحق أن تهدي له تفوقك هذا؟
** أهدي تفوقي هذا لجميع أفراد عائلتي، ولقريتي الغالية وطا الخان ولكل من دعمني وساندني وفرح لنجاحي، وللوطن الحبيب سورية وللجيش السوري المغوار ولكل سوري شريف.
* تنتمي لقرية صمدت صموداً أسطورياً أمام هجوم الإرهابيين في 4/8/2014، مالذي تركته قريتك في نفسك وأنت في المغترب وخلال دراستك؟
** طبعا أريد أن أحيي قريتي وأبناء قريتي وطا الخان، تلك القرية المعجزة التي صمدت بتاريخ ٤ آب ٢٠١٣ إلى جانب العديد من القرى بوجه تلك الهجمة البربرية من قبل الإرهابيين أعداء الإنسانية، طبعا كان الحزن كبير على الشهداء الذين تم قتلهم بدم بارد وحقد أسود، ولكن ذلك الصمود الأسطوري أعطاني الكثير من الشجاعة عند رؤية أولئك الناس المتشبثين بالأرض والعرض، وأتمنى أن أكون قد ساهمت بتفوقي هذا برسم البسمة على وجوه أبناء القرية الطيبين المسالمين، و أفتخر جدا بكوني ابن تلك القرية الجميلة، وإنشاء الله تضمد الجراح على امتداد الوطن وتعود سورية دافئة وحضن كبير لجميع ابنائها.
* في الختام لابد من سؤالك عن الخطوة التالية بعد هذا التفوق؟
** الخطوة التالية هي السعي للحصول على شهادة الدكتوراه باختصاص عمارة السفن، والمساهمة في بناء الوطن الحبيب.