دام برس - خاص- بهاء نصار خير:
اقتربت سورية من اختتام سنتها الثانية من عمر أزمتها والحرب العالمية التي تُشن عليها. تسارعت الأحداث وازدادت شراسة المعارك. في ظل جولات مكوكية يقوم بها المبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي. ولكن ما إن تُطرح المبادرات السورية للحل وكان آخرها الرؤية التي وضعها السيد الرئيس بشار الأسد إلا وتُقابل بالرفض من قِبل المعارضة. ولتوضيح الأمور وبعض التطورات الحالية سرنا أن نستضيف سيادة العميد أمين حطيط الباحث والمحلل الإستراتيجي وكان لنا معه هذا الحوار
- بعد انتظار طويل ظهر الرئيس الأسد بخطاب رأته الفئة المعارضة لا يحمل أي جديد ما هي رؤيتك لهذا الخطاب ؟
يعتبر الخطاب حدث بذاته من حيث الشكل و المضمون وقد جاء في لحظة تاريخية و مفصلية تتعلق بالبحث دوليا و إقليمياً عن مخرج من الأزمة السورية .
فمن حيث الشكل ظهرت العلاقة الراسخة و الوطيدة بين القائد و بين الشعب و في حين نجد أن رؤوساء دول ما سُمي زوراً ربيع عربياً لا يستطيعون الظهور أمام الجمهور حتى في صلاة الجماعة إلا من خلف جدار بشري، نجد الرئيس الأسد قد اختلط بالجمهور و خاطبه مباشرة و هذا بحد ذاته رسالة بالغة .
أما في المضمون فإنه في الوقت الذي يُحكى فيه عن مبادرات و حلول تطبخ في الخارج لتفرض على سورية نجد الرئيس الأسد قد وضع السقف لكل ذلك و ربطه بالإرادة الشعبية مذكراً بأنه لا يمكن تنصيب حكام على الشعب السوري بغير رضاه ، و مؤكداً على السيادة الوطنية التي لا تعلوها سيادة ، فضلاً عن التمسك بالثوابت التقليدية في السياسية العربية القومية لسورية و المتعلقة بالموقع الاستراتيجي في المنطقة و الأمة و بفلسطين و المقاومة .
لقد قطع الرئيس الأسد في خطابه الأخير الطريق على من يتنطحون لفرض حل على سورية و قام بذلك في خطوة جريئة واثقة مستندة إلى قوة سورية و انجازات جيشها و شعبها و صدق حلفائها الحقيقيين . و إن رفض من رفض كان طبيعياً لأنه صوب عليه في نقطة المقتل و هي قرار الشعب و صندوق الاقتراع. وهو كان ينتظر ذلك، لذلك لم يخاطبه أصلاً .
- رأينا من خلال كلام السيد الرئيس رفضاً تاماً للحوار مع المعارضة التي رهنت نفسها للخارج. بناءً على هذا، هل قصد ائتلاف الدوحة ؟
جماعة الدوحة لا يمثلوا كل من يوصف بمعارضة سورية كما أنهم لا يمثلون جميع المرتهنين و لا كل المرتزقة و التابعين و هم جزء لا يتجاوز نسبة ال 30% من الذين يرتكبون الجرائم بحق سورية. لذلك لا يعتبر الخطاب فيما خص رفض الحوار محصوراً بهم بل إن الرفض يعني كل من حمل السلاح و كل من ارتبط بالخارج و كل من استند إلى الدعم الأجنبي في غياب التمثيل الشعبي الحقيقي. و نعتقد أن رفض هؤلاء لطاولة الحوار من شأنه أن يحمي الحوار من الفاسدين المفسدين و يقطع الطريق عليهم و لهذا رفض الرئيس مُحاورتهم، و طرح محاورة أسيادهم من أجل حملهم على التوقف عن دعم الإرهاب و دفعهم للعمل على تجفيف مصادره الخارجية.
- كيف ترى كلام الإبراهيمي الذي وصف كلام الرئيس الأسد بأنه اتجه نحو فئة واحدة. وحورته العربية والجزيرة كعادته على أنه موجه إلى طائفة واحدة؟
أولا يجب أن نذكر بأن الإبراهيمي عين من قبل بان كي مون، الخادم المخلص للسياسة الأميركية و بالتالي منذ اللحظة الأولى لم نكن نتوقع منه حيادا أو نزاهة ، ثانيا إن الإبراهيمي يجافي في كلامه الموضوعية و هو يعرف ذلك و لهذا لعب بشكل بهلواني أطلق الكذبة و الافتراء ثم عاد و تراجع عن كلامه و اعتذر و اعتبرها زلة لسان و لكن هذا لا ينفي مطلقا انه نطق بمكنون صدره و اظهر عدائيته لسورية المستقلة . و لنتذكر طبيعة الإبراهيمي ذاتها فهو مهندس الأنظمة الطائفية و التوزيع الطائفي للسلطة و لنتذكر ما فعل في لبنان و العراق و هو يريد أن يقسم سورية على أساس طائفي و يقيم فيها النظام الطائفي الواهن غير المستقر خدمة للعرب الرأسمالي الذي يدين هو بمذهبه السياسي. لذلك وصف خطاب الأسد بما يريده هو و ليس كما هو الخطاب حقيقة و لهذا قلت أنا في السؤال الأول إن الأسد قطع الطريق على مناورات و مبادرات الخصم و من هم في المنطقة الرمادية .على أي حال إن الإبراهيمي بهذا الكلام يكون كمن وضع العراقيل و قطع الطريق على استمراره في مهمته أو انه استقال عمليا من الوظيفة و أدى في نهاية مهمته خدمة للعدوان على سورية. و لكن موقفه لن يغير في مسار الأحداث و لن يحرم سورية من انتصارها على المؤامرة .
- منذ فترة ظهرت للعلن قضية تورط بعض العناصر اللبنانية في الأزمة السورية، وكان آخرها قضية عقاب صقر. ومنذ أيام قام الأمن اللبناني باعتقال شخص يحاول إدخال بعض أجهزة الاتصال لتمريرها إلى سورية. هل من الممكن بعد كل الأدلة الدامغة على تورط بعض العناصر أن نشهد تبدلاً في موقف الدولة اللبنانية وتتم المحاسبة الفعلية؟
للأسف لا يوجد في لبنان دولة متماسكة تعمل تحت سقف القانون و سيادة القانون و تحترم التزاماتها الدولية، و لو كان في لبنان مثل ذلك لكان كل من ساهم بأي سلوك عدائي ضد سورية انطلاقاً من الأرض اللبنانية لوحق وعوقب، سواءً كان لبنانياً أم غير لبناني . لكن للأسف القانون العشائري و الطائفي و المذهبي و الغرائزي هو الحاكم لذلك لا أعتقد أن الملاحقة ستتواصل إذا انطلقت و تبلغ منتهاها القانوني إلا إذا تغيرت الظروف السياسية في لبنان، و لا يبدو في الأفق تغيير في هذا الصدد. وإني أتوقع بأن حكومة النأي بالنفس وفقاً لتركيبتها الحاضرة و في الواقع السياسي القائم لن تُقدم على ذلك، والكل يذكر قصة الإرهابي المولوي الذي أطلق من مكان توقيفه و نُقل إلى منزله بسيارة وزير .
- ما هي رؤيتك لتوجه السفن الروسية الى البحر المتوسط بهذا العدد الكبير قبالة السواحل السورية. هل هو استعراض قوة، أم نحن أمام سيناريو حرب عالمية باتت أقرب مما يكون؟
روسيا استثمرت موقفها من الأزمة السورية و قد أُتيح لها عبر ذلك أن تحتل موقعها على الخريطة الاستراتيجية لنظام عالمي قيد التشكل مجدداً، و لأن الموقع الدولي لا يُبلغ وإن القوة الكبرى لا يمكن أن تلعب هذا الدور إلا إذا امتلكت القوة التي تحميه ، و لأن إحدى الوجوه الرئيسية للقوة الدولية هو قدرتها على توسيع فضائها الاستراتيجي و العملاني عبر البحار، ولأجل كل ذلك خططت روسيا لهذه المناورات أما ربط ذلك بحرب عالمية فإني أراه واهناً وضعيفاً فالعالم ليس جاهزاً لمثل هذه الحرب أو بالأحرى إن القوى الدولية الأساسية وفي طليعتها الأطلسي ليس جاهزاً و لا يريد أصلاً مثل هذه الحرب .
- قبل أيام كان هناك مؤتمر لوزير الخارجية السعودي مع نظيره المصري والذين شددا على رفضهما التدخل الخارجي في الشأن السوري. تلاه صدور كلام عن مفتى السعودية قوله بأنه يرفض دعوات الجهاد لسورية. هل يُعد هذا تراجعاً أم لعبة سعودية أخرى لتبييض صفحتها؟
هناك قاعدة تقول " من أراد النجاة فإنه يخرج من المركب الذي يشرع بالغرق "، و إن جبهة العدوان على سورية باتت في أعماقها – حتى و لو لم تعترف بذلك أو لو استمرت بالمكابرة فهي على يقين بأن العدوان فشل و إن العصف المرتد سيتجه في اتجاه من اعتدى . و إن سلوك مصر و السعودية يأتي تطبيقا لهذا الأمر ، و فضلا عن ذلك فهم حاولوا و لم يفلحوا فأكثر من مرة حاولوا جذب التدخل الأجنبي على الطريقة الليبية لكن الموازين الدولية حالت دون ذلك. و لهذا نحن لا نرى في ما قالوا موقفاً يستحق الشكر بل إنه موقف الخائبين والعاجزين. أما الفائدة الأساسية من موقفهم فإنها تكمن في تفسيره على أنه بمثابة إقرار ضمني بالهزيمة ما قد يثني آخرين عن الإجرام عبر التجند للقتال في سورية. و يساهم في تجفيف مصادر الإرهابيين و يقصر مهل معاناة الشعب السوري .
- بعد تمادي الدور القطري على حساب السعودي, هل من الممكن أن نشهد صراعاً قطرياً سعودياً والجميع يعلم عمق الخلافات والكراهية بين الطرفين؟
نعم و بدون شك سنشهد هذا الصراع بين أركان التيارين الذين يصولان في مسرح الربيع العربي المزيف و يحاربان سورية باسم الإسلام بعد التحريف و التلفيق و الافتراء على الشريعة. و كما تعلمون إن قطر ترعى التيار الإخواني، والسعودية ترعى التيار السلفي، و إننا نجد هذين التيارين في مواجهة الخارج يؤديان أدوار تكاملية، أما فيما بينهما وعندما تحل الخسارة فإنهما يعودان إلى الصراع، والكل يذكر مواقف قطر من السعودية و بالعكس في العقد الأخير، كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تنسق كل سياستها مع المملكة السعودية بدأت تتخذ المواقف الصارمة والقاسية في ملاحقة جماعة الإخوان .
- جرى البارحة صفقة تبادل جرى إثرها إطلاق سراح 48 إيرانيا اختطفوا في السابق مقابل إطلاق سراح أكثر من ألفي موقوف. كيف ترى هذه العملية التي أثارت الكثير من الجدال؟
لا شك بأن العملية تعتبر في ظاهرها أمراً جديداً على يوميات الأزمة في سورية من شأنه أن يثير الأسئلة حولها و لكن لو دققنا في الأمر لوجدنا أن المبادلة تقود و بشكل عملي إلى تحميل تركيا و قطر و بإقرار منهما المسؤولية التامة عما يجري في سورية و تؤكد أنهما المرجعية الميدانية للمسلحين و الإرهابيين فضلاً عن الإقرار التركي بوجود الطيارين الأربعة بعد إنكار و هو إقرار يكذب مواقف تركيا من الأزمة و في هذا مكسب هام للقضية السورية ثم إنها من جهة أخرى تخفف الأعباء عن إيران لجهة تحرير المخطوفين و يجعل إيران أكثر طلاقة و حرية في التحرك لدعم سورية ، و لهذا فإنني أرى في التبادل مصلحة سورية و هو بشكل عام يقع في الخانة الايجابية لصالح سورية.
- قيل منذ أيام بأن حظر توريد السلاح إلى الجماعات المسلحة في سورية من قبل الدول الأوروبية سينتهي بعد شهر تقريباً ما مدى تأثير ذلك ؟
إن المواقف المعلنة من قبل الغرب لجهة حظر أو رفع الحظر عن توريد الأسلحة إلى سورية لا قيمة عملية لها لأن الأسلحة تصل إلى الجماعات المسلحة و الإرهابية بحجم كبير و فوق ما يستطيع هؤلاء استيعابه أحياناً و لذلك إننا نرى في الإعلان الأوروبي نوعاً من الحرب النفسية و الضغوط الإعلامية في مرحلة ما قبل الدخول الجدي في مفاوضات الحل للازمة و من اجل حجز مقعد للاتحاد الأوروبي على طاولة المفاوضات و هو أمر لن يحصل كما يبدو الأمر الآن أي لن تعطى أوروبا هذا المقعد .
- كيف ترى المستقبل القادم على المنطقة ونحن على أبواب ختام سورية للسنة الثانية من عمر أزمتها؟
إننا أمام مستقبل يحكمه عنوانان : الأول هزيمة المشروع الأميركي في إنتاج النظام العالمي الأحادي القطبية و الذي ترجم بفشل أميركا في إقامة الشرق الأوسط الذي تريد. والثاني دخول المنطقة في حالة من عدم الاستقرار الطويلة الأمد إن لم يبرز فيها قيادات سياسية عاقلة متفاهمة تسعى إلى مصالح بلدانها. أما بقاء الإمعات و التابعين و المرتزقة و المستندون إلى فكر تكفيري متحجر، فإنه مبعث للقلق من حالة عدم الاستقرار، لكن هذه الحالة تنتهي مع تعاظم الوعي الشعبي و تشكل ما نسميه المناعة الاجتماعية حيث يشترك الشعب مباشرة مع السلطة و جيشها في مهمة استعادة الأمن و الاستقرار .