دام برس :
من الواضح جداً أن الولايات الأمريكية والمملكة العربية السعودية وإسرائيل تضغط على إيران خلال هذه الفترة بعد فشل المحاولات السابقة لتغيير النظام في إيران، واتسمت هذه المحاولات بتقزيم حجم إيران في الخارج خاصة في الدول التي لها حضور قوي فيها، كالعراق ولبنان واليمن وسوريا وغيرها من البلدان، فهي تريد أن تنهي الوجود الإيراني في هذه المناطق وتحاول حصرها وخنقها وبالتالي إنهاء وجودها في هذه المناطق التي تشهد نشاطا شيعيا مكثفا، وبدا واضحا جدّا التدخل الأمريكي والسعودي والإسرائيلي من خلال تأجيج الاحتجاجات والتركيز عليها باعتبارها تعبيرا عن الرأي والحرية في اختيار من يحكمهم في البلاد بعد الإخفاق في خدمة مواطنيهم.
ولا أستبعد أن يكون هناك اتفاق مع سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية للتخلص من النفوذ الإيراني، علما وأنه كانت هناك اجتماعات مريبة بين السعوديين والإسرائيليين والأمريكيين في الرياض لم يعلن عنها رسميا لكن عندما ضُبطت طائرة إسرائيلية تجوب أجواء الرياض قيل إنها تحمل شخصية إسرائيلية كبيرة يعتقد أنها رئيس الوزراء الإسرائيلي أو رئيس الموساد زاد مت احتمال تدخل هذه الدول في الشؤون الداخلية للدول التي تشهد احتجاجات عنيفة، وبعد هذه الاجتماعات ازدادت الاحتجاجات في لبنان والعراق حِدّة وطالبت الحكومات بالاستقالة فورا وتغيير نظام الحكم والتنديد بالتدخل الإيراني في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن.
وهي لعبة ليست جديدة، لكن الجديد فيها أن المقاومة في لبنان وهي شيعية أثبتت على لسان أمينها العام أنها قوية أكثر مما هي عليه بالأمس، وأنها لا ترضخ للتهديدات الداخلية ولا الخارجية مهما بدت قوية، لأن لها جمهورها ولها نفوذها القوي، وتستطيع إسقاط أي حكومة لبنانية يمكن أن تُشكّل على حساب حزب الله أو تبعده أو تحاربه مباشرة، ولن تستطيع أي حكومة لبنانية إن شُكّلت أن تستمر دون حزب الله لأنها ستكون بمثابة حكومة منتحِرة أو حكومة مبتورة، وبالتالي فإن نجاح الحراك اللبناني مرهونٌ بتوافق الأطراف اللبنانية وليس بفرض أجندة خارجية كتغيير نظام الحكم دون إيجاد بديل حقيقي يرضي جميع الأطراف والطوائف التي تعيش في لبنان.
أما العراق، فيعيش مخاضا سياسيا محتدما، ولأمريكا والسعودية وإسرائيل اليد الطولى فيه، استغلت هذه الأطراف ما يعانيه الشعب العراقي من فقر وبطالة ومشاكل وفساد مالي كبير رغم أنه دولة نفطية كبيرة في المنطقة، لتبث فيه الحماس التحريري ويطالب الدولة بالتنحي عن السلطة، لكن تبقى مشكلة من سيبقى على كرسي الحكم قائمة، لأن البديل مفقود، ولأن حقيقة الشيعة في العراق لا يمكن طمسها وإن ظهرت شعارات قوية بخروج إيران من الحياة السياسية من العراق، لكن الملاحظ أن العراق لا يمكن أن يكون دون شيعة فهي أرضهم وقرارهم، ولا يمكن أن يُخرجوهم من أرضهم، وإذا أرادوا المطالبة بخروج إيران من الحياة السياسية العراقية عليهم أن يطالبوا بخروج أمريكا والسعودية وإسرائيل من حياتهم السياسية والاقتصادية.
وكل من يدعم التحرك في لبنان والعراق اليوم من الدول الكبرى لا سيما الأمريكية لا يهدف إلى تحرير الشعوب من الفساد والظلم والقهر بقدر ما يهدف إلى استعباد الشعوب ونهب ثرواتها وهذا ما حدث بالضبط بعد حرب العراق والقضاء على نظام صدام حسين، وما يحدث في لبنان من محاولة فاشلة للتضييق على حزب الله وإخراجه من الحياة السياسية أو محاربته من الداخل لتضييق الفجوة على إيران وخنقها لإنهاء نفوذها في هذه البلدان وهو أمر يكاد يكون مستحيلا، فالتجذر الشيعي في العراق ولبنان واليمن تاريخي وما صنعه التاريخ لا يمكن أن يمحوه الضغط أو الحرب، لذلك أعتقد أن محاولة أمريكا وإسرائيل والسعودية فاشلة من الأساس، وستخرج إيران قوية من هذه المحنة الجديدة، فلقد عبثوا من قبل وحاولوا بكل الطرق ولم تتزعزع إيران من الداخل ولا في الخارج، وبقيت متماسكة لأنها ترى العزة في القوة والتمكين لا في التبعية والتقليد، ومن ثم سيهدأ العراق وسيهدأ لبنان وغيره من الأماكن التي فيها وجود إيراني بقليل من الصبر وكثير من الحكمة في الرد، لأن الشعوب تفور وسرعان ما ترجع إلى صوابها وعلى السياسيين إيجاد مخرج للمشاكل التي تعاني منها البلدان العربية وهي نتيجة تراكمات خارجية وتدخلات أجنبية لها مصالح خاصة بدعاوى إنسانية بحتة عبر منظمات حقوقية عميلة لها تسعى لبث الفرقة والشتات.
abuadam-ajim4135@hotmail.com