تزداد أهمية الوقت في عالمنا المتسارع يوماً بعد يوم بالنسبة للفرد والمجتمع في مختلف مجالات الحياة البشرية . فالمجتمعات المتقدمة تواجه حالياً أزمة بسبب الوقت وضغط العمل , وقد تفرز هذه الضغوطات أكبر تهديد على شخصية وإنتاج الأفراد وأصحاب العمل .

تحقق إدارة الوقت العديد من الفوائد للمنظمات بشكل واضح , وتتمثل في زيادة الفاعلية والكفاية الانتاجية بأعلى قدر ممكن , كما تساهم في زيادة وقت الراحة وتعزيز الرضى الوظيفي وتقليل الضغوط في العمل . كما تساعد إدارة الوقت الجيدة في وجود مزيد من الوقت المتاح للتخطيط المستقبلي والابداع العالي .

ويمكن أن نوضح أهمية الوقت في الارتقاء بالأداء البشري من خلال عرض خصائص الوقت :

·        الوقت لايمكن تعويضه أو ادخاره .

·        الوقت لايشترى بالمال .

·        الوقت الضائع لايقاس بتكلفتة .

يعتبر الوقت راسمال وليس دخلاً يمكن تجديدة أو تعويضه , بل هو راسمال نعتمد علية في كل لحظة من حياتنا ولكن هذا الوقت ( راس المال ) يتضاءل باستمرار .ولذلك قيل أن " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك " وقيل " أجمل هدية نقدمها للأخرين هي هدية الوقت " . فالإدارة الجيدة للوقت يتم تعلمها عن طريق وضع برنامج متكامل للإدارة الجيدة للوقت في جميع جوانب حياتنا المهنية , وهذا يتطلب الانطلاق باتجاه استثمار الوقت بدرجة من الالتزام والمثابرة لتحقيق الانتاجية العالية والانجاز المهني وتخفيف درجة الضغط والقلق من ضيق الوقت .

إن إدراكنا لأهمية الوقت يساعدنا على إدارة الوقت بطريقة فعالة تبدأ من نقطة مهمة هي أن الوقت عنصر ثمين يحتاج إلى تخطيط مستمر , ولذلك سنتحدث عن تخطيط الوقت بإيجاز .

تخطيط الوقت :

يتطلب تخطيط الوقت تحديد الأهداف بشكل واضح , وهذا التحديد يساعد على أن نتمكن من أن نحدد بدقة ووضوح ماالذي ينبغي عمله والكيفية التي سنقوم من خلالها هذا العمل . كما يساهم تحديد الأهداف على مراقبة مدى تقدمنا في الوقت الذي نؤدي فيه العمل , وأن نقيم مدى نجاحنا عندما ننتهي من أداء العمل . أيضاً نتعلم بطريقة أكثر فعالية من الخبرات التي تقدمها لنا الأهداف والغايات .

تحتاج عملية تخطيط الوقت مزيداً من العمل ليستطيع الفرد تنظيم نفسه وتخطيط البرامج وتطوير الأنظمة . فرؤساء الدول والملوك والوزراء والمديرين والقادة العسكريين يقومون بقيادة دولهم وأجهزتها ومؤسساتها بالاعتماد على إدارة الوقت بشكل فعال لتحقيق الأهداف لبلدانهم بفاعلية وكفاءة .

أشارت تقديرات سيوارت ( SEIWART 1991 ) أن نسبة واحد في المائة فقط من أي فترة لإنجاز عمل ما ينبغي أن تخصص في التخطيط للوقت من أجل توفير ما معدله ساعة في اليوم . فالوقت لايمكن مدة أو تخزينه والحل الوحيد هو تدبيره بانتباه متذكرين كلمات كيبلنغ " إن الدقيقة لاتسامح فاملأها , وقيمتها ستين ثانية " . يساعد استخدام الوقت بشكل أفضل على تحقيق النتائج المستهدفة , ويقاس الاستخدام الأفضل للوقت بالنتائج المحققة وليس بالجهد المبذول ومن هنا تأتي أهمية تخطيط الوقت في المؤسسات السورية بما يساعد على انجاز أعمالها بشكل فعال .

يذكر أن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية عندما اجتاحت المانيا أغلب دول أوربا ووقع عبء الحرب على بريطانيا , وهذا أدى إلى قلق وخوف الشعب البريطاني على صحة تشرشل , فصرح لأحد الصحفيين بأنه يعمل ست ساعات في اليوم فقط , وأن هذا الوقت كاف للقيام بكل المهام الملقاة عليه , لأنه يعرف ماذا يعمل خلاله وكيف يعمل . أما الوقت الباقي من النهار فيقضيه في الراحة وممارسة هواياته الخاصة , مما يمده بالنشاط اللازم لممارسة العمل عندما يحين وقته .

إن من بين الأسباب التي تجعلنا نفشل في إدارة الوقت بطريقة فعالة في المؤسسات السورية هي أننا لانقضي وقتاً كافياً للتخطيط لكيفية إدارة الوقت بصورة دقيقة . وهكذا فإن العناصر الأساسية التي يجب مراعاتها في تخطيط الوقت بالنسبة للمدير أو للقائد الاداري في المؤسسات السورية تشمل ما يلي :

1 – عدد ساعات العمل :

ازدادت ساعات العمل في العشرين سنة الماضية ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً ازدادت بمعدل شهر كل سنة , وازداد الوقت الذي صرف للتعديل بمعل يوم كل سنة بينما أيام العطلات نقصت بمعدل ثلاثة أيام ونصف .

يعتبر وقت العمل هو الوقت الذي يخصصة المدير أو القائد الإداري لأداء الوظائف والمهام التي يتطلبها موقعه في الهيكل التنظيمي حيث لاتحسب ساعات عدم الحضور والحضور إلى المكتب من ساعات العمل إلا إذا تعلقت بإنجاز العمل . فالوقت الذي يمضيه المدير في استقبال أصدقائه والطعام والشراب والاستماع إلى التلفاز والراديو لايحسب من ساعات العمل , ولكن يعتبر الوقت الذي يقضيه المدير خارج مكتبه لإنجاز العمل من عدد ساعات العمل .

2 – منحنى السعادة :

أشارت البحوث التي أجراها الاستاذ SHELDON  الباحث الانكليزي إلى وضع منحنى سماه منحنى السعادة كما هو مبين في الشكل التالي :

نلاحظ من الشكل أن الخط العمودي ( يمثل مقدار السعادة ) والخط الأفقي يمثل الوقت المستخدم في العمل .

3- نتائج الارهاق :

إن هم المدير الناجح ينصب على كيفية ملء الوقت الحر اللامحدود خاصة وأن المستقبل سيعتمد عل مكاتب بدون أوراق . يتعرض المدير لحالة الارهاق الناتج عن كثرة العمل والتعب لفترة طويلة , مما يتطلب منه مراجعة الطبيب , بعكس التعب العادي الذي يزول بالراحة ولايستدعي القلق . قد يجعل القلق المدير بعيداً عن النوم , وتنقص الفاعلية الفكرية لديه , وأحياناً إلى فقدان الثقة بالنفس والثقة بالآخرين , ولذلك يحتاج الارهاق إلى معالجة سريعة كي لايتفاقم . فالنجاح للمدير لايعتمد على المهارة في إدارة الوقت فقط وإنما على صحته العقلية والجسدية .

4 – الوظائف والمهام التي يقوم بها المدير خلال وقت العمل :

يعتبر وقت المدير أحد الموارد الأساسية المتاحة في المنظمة , ولذلك من الواجب استخدام الوقت بحساب دقيق وبأعلى انتاجية ممكنة ويتم ذلك :

& - بالقضاء على الوقت الضائع في مكتبة .

& - استخدام الوقت المتاح بفاعلية في تحقيق الأهداف المحددة بالاعتماد على تنمية العاملين وزيادة قدرتهم على الأداء عن طريق التدريب والحوافز , وممارسة تفويض السلطة بالأسلوب الفعال .

يحتاج المدير إلى استبعاد كل الأعمال التي لاتعادل قيمة الوقت المنفق من أجلها واسنادها إلى أحد العاملين المختصين لمعالجتها , على اعتبار أن وقت المدير ثمين من حيث التكلفة .

5 – تسجيل الوقت :

يحتاج المدير إلى إعادة النظر في كيفية استخدامه لوقته من خلال عملية التسجيل لمختلف الأعمال التي يمكن أن يؤديها بشكل يومي للوصول إلى التخطيط الأمثل .

كما يتطلب التخطيط من المدير أن يضع موازنة للوقت مع معاونيه المباشرين بتحديد الوقت المخصص لكل عمل يتم أداؤه وهذا يحتاج إلى تنظيم العمل .

6 – تنظيم العمل :

يتم استخدام الوقت المتاح للمدير من خلال قدرته على تنظيم العمل ويتمثل في النقاط التالية :

أ – وضع برنامج اسبوعي يأخذ بعين الاعتبار المفاجآت ويكون مطابقاً للواقع .

ب – الاقتصاد في استخدام الوقت من الضياع مثل ( تجنب المقابلات غير الضرورية – الابتعاد عن الأعمال الطارئة ....) .

ج – ترتيب العمل بالمحافظة على التوازن المطلوب بين الأعمال القيادية والأعمال التنفيذية , والابتعاد عن التفاصيل الكثيرة في الأنشطة والأعمال المختلفة .

د- الاهتمام بالمعلومات الداخلية عن سير العمل بالمعلومات الخارجية عن البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية باستخدام الحاسبات الإلكترونية .

هـ - استخدام الوسائل التي تخفف من عناء الذاكرة وإرهاقها بالاستعانة بالسكرتير والمفكرة والكمبيوتر .

و – التفويض في السلطة إلى بعض المعاونين حتى يخفف من الأعباء عنه ويتفرغ للمهام الرئيسة في العمل .

7 – تنمية الذات :

إن إدارة الوقت هي فن إدارة الذات , وإن المواقف العقلية السلبية تعيق تحقيق هذا بشكل رئيسي . فتنمية الذات من مهام المدير أو القائد الاداري إضافة إلى الخبرة والتجربة التي يكتسبها خلال العمل , بتنمية الذات وإغناء المعارف وزيادة المهارات العلمية لدية بالاعتماد على الدراسات والأبحاث المتعلقة بتنمية الإدارة وبالتكنولوجية المستخدمة في العالم .

لابد أن نشير أخيراً إلى بعض الإرشادات للمدير أو القائد الاداري في المؤسسات السورية من أجل التخطيط الشامل للوقت وتشمل :

·        ضرورة وضع إطار للوقت ضمن الخطة كلما كان ذلك ملائماً , وأن نحدد المواعيد النهائية اللازمة لإنجاز المهام ضمن الخطة .

·        العمل على تفويض الوقت المفقود على أن تشتمل الخطة على مكا فآت وأن تكون محددة قدر الامكان .

·        توزيع الوقت في مجموعات كلما أمكن ذلك , وتجميع المهام ثم العمل على التركيز على عدد محدد من المهام .

·        العمل على أن نخطط لعملية التفويض لبعض المهام وأن نخطط لما سيحدث في حال غياب المدير .

·        تفادي الاجتماعات غير الضرورية .

إعداد : الدكتور سامر حسين المصطفى

جامعة دمشق

كلية الاقتصاد