دام برس :

ربما كان الكثيرون يعتقدون أن صدور حزمة الأوامر الملكية لعاصفة التغيير الأمريكي في مملكة " الحزم " مع بزوغ فجر الأربعاء 29/04/2015 عند الرابعة فجراً والناس نيام ، بأنها أوامر دبرت بليل ، ولكن تصريح أحد المقربين بصناعة القرار بالبيت الأبيض أكد أنهم كانوا يعلمون بها قبل عشر ساعات من صدورها ، مما يؤكد أن ساعة صدورها كانت تحمل كل ملامح الانقلاب داخل العائلة الحاكمة في ممكلة الرمال ، وصدرت والمقصيون نيام ، وبدهاء يحمل لمسات الأمريكي بشكل واضح .

ربما لم تكن مفاجأة لكثير من المتابعين عن كثب للداخل السعودي ، والمتابعين لرياح التغيير بالمنطقة ، والذين تابعوا تصريحات الإدارة الأمريكية الأخيرة حول السبب الرئيسي لمشاكل العائلات الحاكمة بالخليج ، حيث تم إبلاغهم بأن مشاكلهم ليس سببها إيران " النووية " وإنما هو سلوكهم الداخلي وتسلطهم ، وكذلك إحداث تغيير في سياستهم الخارجية ، وبالتالي فإنعليهم إحداث تغييرات في سلوكهم وفي رجالاتهم ، ونقل الحكم للجيل الثالث من أبناء عبد العزيز الذين تربوا على يد المخابرات الأمريكية والمقربين منها ، ومن أبرزهم محمد بن نايف ولي العهد الجديد الذي يعلم الجميع علاقته ووالده نايف بن عبد العزيز بالمخابرات الأمريكية ، كما تربطه علاقة صديقة قديمة ووثيقة مع " جون برينان " رئيس جهاز الـ " CIA  " ، وكل متابع يعلم تماماً كيف كان يتم تسويقه كشخص مؤهل للحكم في المملكة عن طريق الأمريكان منذ عام 2009 ، كما كان تسويق محمد بن سلمان ولي ولي العهد بإظهاره كقائد عسكري فذ بقيادته لعاصفة الحزم التي جمعت عشر دول فيها.

أرادت العائلة السديرية العودة للحكم بقوة بعد انقلاب الملك عبد الله بن عبد العزيز عليها ، فقامت بتنحية كل من أتى بهم للحكم ، وألغت كل المجالس التي أسسها ، وكان يتوجب لإتمام ذلك أيضاًتنحية مقرن بن عبد العزيز ولي العهد آخر الأشقاء من الجيل الثاني بعد سلمان الذين سيتولون الحكم ، وتم الاتفاق على إبقائه لمدة ستة أشهر بعد تولي سلمان ثم تتم تنحيته " بناءً على طلبه " ، ولكن تسارع الأحداث والغرق السعودي في المستنقع اليمني وقرب توقع الاتفاق النووي مع إيران بشكل نهائي في نهاية حزيران والوضع المتأزم على حدود الكيان الصهيوني ، والضربات القوية التي تدك الإرهابيين في سوريا والعراق ، استوجب التعجيل بإطلاق ربيع الخليج الأمريكي في السعودية ، و إبعاد كل الرؤوس الحامية التي تسيطر على الحكم فيها والتي بتعنّتها لم تلحِق بالمشروع الأمريكي في المنطقة إلا الهزائم ، والتي بغبائها تقود المملكة المنطقة ( الأكثر  أهمية بالنسبة للولايات المتحدة ) إلى الهلاك ، وإلى خروجها   بوقت لاحق من تحت النفوذ الأمريكي ، فكان لابد من إقصاء رأس الحربة الرئيسية لهزائم السعودية وأمريكا في المنطقة " سعود الفيصل " فتمت الإطاحة به ، و تكليف رجل مخابرات أمريكا " عادل بن أحمد الجبير " سفير مملكة أبناء سعود في الولايات المتحدة الأمريكية وزيراً للخارجية  ، وهي المرة الأولى التي تخرج بها وزارة الخارجية من العائلة الحاكمة بلا رجعة ، و هذا الرجل هو نفسه الذي أعلن بداية عمليات " عاصفة الحزم " من واشنطن.

وكذلك كان أحد مؤشرات هذا الانقلاب الذي لُعب بدهاء وأعلن ليلاً  هو إبعاد الحرس الوطني التابع لمتعب بن عبدالله قائد الحرس الوطني إلى الحدود الجنوبية للمشاركة بعاصفة الحزم ، وذلك لضمان إفقاده عنصر القوة ومنعه من القيام بأي ردة فعل ، ويعلم متعب بن عبد الله أنه التالي على قائمة الإقصاء انتقاماً من أبيه وإعادة تجميع كل مفاصل القوة العسكرية والأمنية بيد العائلة السديرية " الأمريكية " ، ولعل السبب الأهم في تجميد وحصار متعب بن عبد الله هو موقفه المعارضة للحرب على اليمن، وتلك المعلومات التي تحدثت عن ﺗﻬﺪﻳﺪﺍﺕ ﻣﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷ‌ﻣﻴﺮ ﻣﺘﻌﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺗﻮﻗﻴﻊ ﻭﺍﻟﺪﻩ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻤﺼﺎﺏ ﺑﺎﻟﺰﻫﺎﻳﻤﺮ ، ﻭﻓﻲ ﻳﺪ ﺍﺑﻨﻪ ﺍﻟﻤﺮﺍﻫﻖ ﻭﺍﻟﻤﺘﻬﻮﺭ -ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻭﺍﻟﺘﻮﻗﻴﻊ – ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻀﻊ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺁﻝ ﺳﻌﻮﺩ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﺧﻄﺎﺭ ﻣﺤﺪﻗﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺍﺗﺨﺬ ﻗﺮﺍﺭﺍﺕ ﺻﺒﻴﺎﻧﻴﺔ ، ﺍﻷ‌ﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻓﻊ ﺍﻷ‌ﻣﻴﺮ ﻣﺘﻌﺐ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ أﻥ ﻳﻬﺪﺩ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﺮﺱ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﺳﻮﻑ ﻳﺘﺨﺬ ﺍﻹ‌ﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻼ‌ﺯﻣﺔ ﻟﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﻐﺎﻣﺮﺓ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ.

كل هذه التغييرات التي حدثت في مملكة آل سعود ، تحتمل وجهين :

1-         إما أن تكون تغييرات لتسعير نار الحرب في المنطقة ، والمحاولة بالإطاحة بالاتفاق النووي الإيراني الأمريكي ، أو لممارسة ضغط على إيران قبل التوقيع النهائي ، و حسب القراءة السياسية التي نرجحها فإن هذا الخيار بعيد جداً ، لإن الاتفاق تم إنجازه بشكل نهائي ، ولإن أمركيا هي بحاجة هذا الاتفاق أكثر من إيران.

2-         أو أن تكون هذه التغييرات وهو الاحتمال الأكثر رجحاناً ، وهو إن تأجيل توقيع الاتفاق النووي لنهاية حزيران كان لسبب وحيد : وهو إعطاء العجول الخليجية وقتاً لترتيب أوراقها و الاستعداد للعصر الجديد ، بإيرانٍ نووية ومديرةلملفات المنطقة ، ولتنظيم خروجهم من الهزيمة في سوريا و العراق ولبنان واليمن.

ولعل ما يدعم الاحتمال الثاني وبشكل كبير والذي تم تثبيته بشكل قوي هو دعوة إيران لحضور مؤتمر جينيف " 3 " لحل الأزمة السورية وتسوية ملفات المنطقة بشكل كامل ، وهو وكما كنا نقول دائماً لمن كان يسأل عن موعد انتهاء الأزمة السورية " بأنكم عندما ترون إيران حاضرة على طاولة الحل في جينيف فهذا يعني حكماً اتخاذ محور الحرب على سوريا والمنطقة القرار النهائي بإنهاء هذا الملف ".

وكما كانت علامات قرب موعد انتهاء الحرب الإرهابية على المنطقة هي التصفيات المتتالية لرؤوس داعش والنصرة وبشكل متتالي وبعمليات استخاراتية نوعية مدعومة لوجستياً ، وكذلك كانت العلامات الأكبر مؤخراً : هي الزيارتان الكبيرتان لوزير الداخلية السوري لموسكو و إعلان إنجاز اتفاق أمني كبير لمحاربة الإرهاب في سوريا ، و تزويد سوريا بما يلزم لإنهاء هذه الحرب ، و الزيارة الأكثر أهمية هي زيارة وزير الدفاع السوري إلى طهران والإعلان بشكل صريح عن تزويد طهران لدمشق بكافة أنواع الإسلحة والدعم اللوجستي للقضاء على داعش والنصرة و تطهير الأرض السورية بشكل كامل من الإرهاب وإن إيران ثابتة بموقفها بمنع سقوط الدولة السورية وقيادتها تحت أي ظرف كان.

 أما العلامة الكبرى لانتصار محور المقاومة هو انجار صفقة تسليم منظومة " S300 " الروسية التي تعني الردع الكامل للكيان الصهيوني الذي أدرك تماماً أن عليه التعايش مع واقعٍ جديد لم يعد فيه هو الرأس الكبير في المنطقة يعربد فيها كيفما شاء ، وبأن المعادلات الجديدة أمست الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة عظمى وقوة كبرى ليس في المنطقة فحسب إنما شريكة رسمية ، وقوة فاعلة في صناعة القرار العالمي ، وأعتقد أن اسم اللجنة السداسية 5+1 هي تثبيت فعلي لإيران كدولة تمتلك حق الفيتو من خارج مجلس الأمن.

وأختم بكلمة للشعب السوري ، لا يهولنكم ما يجري من جنون العثماني في سوريا شمالاً ، وإنه دائماً ما تكون الربع الساعة الأخيرة الأشد ضراوة والأكثر دموية في كل الحروب التي شهدتها الكرة الأرضية ، وإن كل الحروب تنتهي بمفاوضات وكل فريق يحاول الحصول على أكثر عدد ممكن من المكاسب كأوراق تفاوضية قبل الجلوس إلى الطاولة ، ولكن القرار السوري و الحذاء العسكري السوري و قوة حلفائنا على الأرض من حزب الله ، أحرقت و ستحرق جميع تلك الأوراق ، وأن الانتصار هو ما يحدث في الميدان وليس ما يحدث على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.