Logo Dampress

آخر تحديث : الثلاثاء 16 نيسان 2024   الساعة 20:16:29
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
كلام في الثورة .. بقلم: عفيف دلا
دام برس : دام برس | كلام في الثورة .. بقلم: عفيف دلا

دام برس:
عندما تكتب يد واحدة .. فقد تؤلف قصة أو رواية أو تنظم شعراً وقد تؤرخ لحدث أو مجموعة أحداث .. وعندما تكتب أيادِ جماعة فقد تخط شعاراً وتضع قانوناً أو دستوراً .. لكن عندما تكتب أيادِ الشعب مجتمعة فإنها تكتب التاريخ .. وتسمي ما كتبت ثورة على ظلم أو قهر أو احتلال .. ولهذا السبب كانت الثورات مشروطة بالتعبير عن إرادة الشعب لا فئة فيه ولا جماعة داخله .. ولذلك كان من الطبيعي أن تكون الثورة حركة شعب يمتلك رؤية واحدة لواقع يريد تغييره .. فتكون بالتالي الثورة تغييراً جذرياً شاملاً في المجتمع بكل بناه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يرتبط بها من تغيير لمنظومة مفاهيمية قيمية صعوداً لا هبوطاً.
وعلى هذا الأساس لا نسمي حالة التغيير الجزئي ثورة .. فعندما أطلق مصطلح الثورة على نواحٍ غير سياسية كالثورة التكنولوجية والثورة الصناعية والثورة المعلوماتية لم يطلق هذا المصطلح للدلالة على تطور ما قد طرأ على هذه الميادين .. بل للدلالة على تغيير واسع جدا وشامل طرأ عليها وغيّر في شكلها ومضمونها تغييراً شبه كلي .. 
إذاً فالثورة أداة الشعوب لتغيير واقعها .. لكن السؤال الإشكالي الدائم هنا هو كيف للشعب أن يقوم بثورته فعلاً ؟؟ ما هي أداوته ؟؟ كيف له أن يمتلك رؤية واحدة لواقعه ؟؟ وفي الحقيقة أن إجابة هذا السؤال على الدوام كانت تختزل بوجود قيادة للثورة الشعبية تتمثل بحزب سياسي يمكن له أن يعبر عن تطلعات الجماهير ويتحدث عن واقعها ويكون بالتالي أداتها في التغيير أو أن يكون للشعب قيادة شعبية غير حزبية بالضرورة تعبر عن تطلعاته وتقوده باتجاه أهدافه .. لكن في التاريخ المعاصر كانت الأحزاب السياسية الملتصقة بقضايا شعوبها الكبرى المعبر الأفضل عن إرادة وتطلعات الجماهير كونها طليعة واعية قادرة على قراءة الواقع بموضوعية ورسم ملامح المستقبل وفق ما يريد الشعب ..
فحزب البعث العربي الاشتراكي عندما قام بثورة آذار المجيدة عام 1963 لم يكن يعكس تطلعات حزبية بل تطلعات جماهيرية شعبية ولم يكن يعبر عن ذاته بالمعنى الإيديولوجي فقط كحزب شعبي اشتراكي بل كان يعبر عن قراءة دقيقة لمرحلة تاريخية راهنة ويؤسس لملامح مستقبل أفضل من خلال الانقلاب على واقع تسلط النظام الإقطاعي والبرجوازي المتحكم بالجماهير والناهب لقوتها ومقدراتها .. فاستطاع الحزب أن يقود الجماهير باتجاه تحقيق أهدافها هي بالدرجة الأولى والتي أصبحت معه ممتلكة لقرارها .. لأراضيها ومعاملها .. تعبر عن ذاتها وتعمل لتكريس وجودها دون نظرة فئوية أو طبقية وبالتالي تلاحمت الجماهير تحت راية الوطن السوري بقيادة حزب البعث وأقصت كل دعوات الانفصال التي كانت سائدة في تلك المرحلة التاريخية وأثبتت فعلاً أن الشعوب حالة فعل لا انفعال عندما تمتلك إرادتها الحرة وترفض كل أشكال التبعية والارتهان ..
وما ميز ثورة آذار المجيدة هو وجود النظرية الثورية التي لم تنظر للثورة كحالة انقلاب محكومة بظرف المكان والزمان ، بل هي حركة مستمرة دافعة إلى الأمام تنطلق من قراءة الواقع وتستجيب لمتطلبات نهوضه .. فلا تكون بالتالي مجرد ردة فعل مؤقتة وإنما قاعدة يبنى عليها للمستقبل ؛ ومنهجاً حقيقياً في تحقيق التقدم والتطور .. فالثورة مفاهيم وقيم قبل كل شيء أي أنها منظومة مفاهيم وأفكار تنظم حركيتها وتمنحها الدينامية المطلوبة لهذه الحركة كي تكون أكثر فاعلية وتأثيراً ..
وهنا يكمن الفرق الجوهري بين ما جرى في منطقتنا مما سمي زوراً ثورات ربيع عربي وبين مفهوم الثورة من باب المقارنة مع ثورة آذار المجيدة .. فثورات الربيع العربي المزعومة لم يقودها حزب أو مجموعة أحزاب بعينها بل كانت حراكاً شعبياً غير منظم شاركت به الأحزاب والقوى السياسية لتوظف هذا الحراك الشعبي وتحاول الاستفادة منه وبالتالي كان الحراك هو الإطار الذي احتوى الأحزاب على عكس ما يجب أن يكون عليه الأمر فتكون الأحزاب هي المحرك والدافع والمؤطر لأي حراك شعبي .. كما أن ثورات الربيع العربي المزعومة لم تتبنى أي نظرية ثورية تحدد رؤيتها وقراءتها للواقع وتستشرف ملامح المستقبل وفق منظومة مفاهيم وقيم ومنهج عمل واضح .. فكان التخبط هو المرافق لكل ما جرى من حراكات شعبية في المنطقة .. ولذلك كانت تلك الحراكات تعبيراً عن ردة فعل مؤقتة ومحكومة في ظرفها المكاني والزماني غير قادرة على الاستمرار في التحرك نحو الأمام ورأينا كيف أثمرت نزاعاً على السلطة بين الأحزاب الراكبة لموجة الحراك لم ينته حتى الآن .. والسؤال هنا الذي يطرح على هذه الأحزاب نفسها .. كيف تشاركتم في ثورتكم التي يفترض أن تعبر عن أهدافكم الثورية ثم أمسيتم في نزاع على سلطة بينكم أيها الحلفاء .. ؟؟ فهل بالتالي كانت الثورة ليست الهدف الحقيقي لكم أم أن الهدف الرئيسي لكم كان هو رحيل السلطة بأي ثمن تحت عنوان الثورة كي تكونوا أكثر قرباً من كرسي السلطة الفارغ ؟؟ فلم نر أو نقرأ في التاريخ عن أحزاب قادت ثورة مجتمعة وما أن اقتربت من كرسي السلطة حتى بدأت النزاعات بينها إلا وكانت في واقعها ليست ثورة بل كانت كالحمل الكاذب الذي يتخذ شكلاً دون أي مضمون .
والثورة بمعزل عن العمق النظري الأيديولوجي لها يستدل عليها من مخرجاتها وثمرات تحققها في الواقع .. فنرى على سبيل المثال بناء لجامعات ومشافٍ وصروح علمية وخدمية ونشهد تطوراً في القوانين والتشريعات التي تمهد للتطور المنشود تشريعياً ونحقق تقدماً في عمل المؤسسات وارتفاعاً في مستوى الإنتاجية وازدهاراً في الاقتصاد الوطني وهذا بالضبط ما حققته ثورة آذار المجيدة والتي صبت كل مخرجات فعلها المستمرة حتى الآن في مصلحة المواطن الذي هو هدفها الأول والأخير ..
وبناء على ما سبق حري بكل ذي عقل أن يجد الفرق بين الثورة الحقيقية والثورة الوهمية التي تكون تقهقراً إلى الوراء ونسفاً للبنى العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولكل مكتسبات الشعب العامة .. ألا يكفي ما رأته شعوب المنطقة عموماً من ويلات وما شهدته من دمار وقتل وخراب وطمس للثقافة والحضارة بأن تدرك أن ما عاشته لم يكن ثورات وإن كان هناك من موجبات قيام الثورات الكثير الكثير داخل المجتمعات العربية .. وهنا على شعوبنا أن تعي الفرق بين الموجبات وحقيقة ما حدث فعلاً ، وأن تستطيع التصحيح والتصويب لما جرى وصولاً إلى ثورة حقيقية على أسباب الظلم والعدوان والاستعمار الجديد أياً كان مصدره .   

الوسوم (Tags)

الجامعات   ,   الثورة   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz