دام برس:
أثبتت "مافيا المحروقات" المتجذرة في عدد كبير من مفاصل الجهات العامة المسؤولة عن استيراد وتوزيع المشتقات النفطية أنها اقوى من القوانين والأنظمة النافذة ، وأقوى من كل القرارات والتصريحات الصادرة عن الجهات الحكومية !
وتحدّت مافيا المحروقات الجميع خلال العاصفة الثلجية ، ووفرت مادة المازوت في محطات الوقود وفي الصهاريج ، بل ونشرت آلاف البيدونات على الطرقات الدولية لتسهيل وصولها للزبائن المقتدرين ماليا متحدية علنا أجهزة الرقابة الحكومية !
المذهل في الأمر أن هناك من لايجرؤ على التعرض لمافيا المحروقات ولو إعلاميا لأسباب مختلفة و"مريبة"مما يؤكد انها تحظى برعاية عدد لابأس به من كبار المتنفذين في الجهات المسؤولة عن استيراد وتوزيع المحروقات !
ليس صحيحا البتة أن أزمة المحروقات التي تعصف بالموطنين منذ اسابيع سببها سوء التوزيع !
هذه ليست سوى "شماعة" لتهرب الجهات المعنية من تحمل مسؤوليتها ومنع محاسبتها على ماتقترفه من فساد وإفساد لتحقيق لإثراء غير المشروع بأقصر وأبشع الطرق والأساليب من خلال افتعال الأزمات .
ليس مصادفة ابدا أن تنشب أزمة المحروقات مع حلول فصل الشتاء ، والعواصف الثلجية فهي الفرصة الذهبية لاستغلال احتياجات الناس إلى المازوت والغاز ، وخاصة مع أزمة كهرباء تفرض تقنينا طويلا جدا!
المسألة لاتحتاج إلى تحليلات لتحديد المسؤولين عن الأزمة ، ففي قضية المحروقات لايوجد يد للقطاع الخاص لاتهامها بافتعال الأزمات ، بل أن المنشآت الصناعية والخدمية الخاصة بالكاد تحصل على حاجتها من المحروقات بالأسعار الرسمية المعلنة !
نعم المسألة واضحة .. فالمستورد والموزع للمحروقات هي جهات حكومية ، وبالتالي فأي خلل يمنع وصول المادة إلى المواطن والصناعي والمزارع بسهولة وبالأسعار المعلنة على مدار العام سببه إجراءات وتعاميم وقرارات الجهات المسؤولة عن التوزيع المباشر !
لايهم هنا إن كانت الجهات العامة تقوم بالتوزيع عبر شركاتها ومحطاتها وصهاريجها ، أو عبر مستثمرين ومعتمدين من القطاع الخاص ، فهي تبقى المسؤول الوحيد عن الأزمات ، وليس ماتحاول أن تخدعنا به بأنه سمسرة وسوء توزيع !
ويُخطىء من يزعم أن أزمة المحروقات يمكن حلها من خلال القرارات المشددة للتقيد بالضوابط الناظمة لتوزيع المشتقات النفطية ، أو بتفعيل عمل لجان المحروقات في المحافظات ، ولا بمنع الإستثناءات مهما كان مصدرها ، ولا بإناطة مهمة التوزيع بالمحافطين حصرا .. الخ !
لايمكن حلها إلا باجتثاث "مافيا المحروقات"!
وعندما نتذكر أن أزمة المحروقات ليست جديدة بل هي تطل برأسها الخبيث على مدى أكثر من ثلاثة عقود فهذا دليل على أن المسؤول عنها هي "مافيا" متواجدة في الجهات المسؤولة عن استيراد وتوزيع المحروقات لاهم لها سوى شفط مئات الملايين خلال اسابيع من جيوب ومدخرات المواطنين والمنتجين !
لاحظوا أن حصة المواطن للتدفئة هذا العام لاتتجاوز 200 ليتر مازوت مقابل ألف ليتر كان يحصل عليها بسهولة حتى عام 2011 .. ومع ذلك لايستطيع أن يحصل على هذه الكمية التي بالكاد تكفيه لمدة شهر في فصل الشتاء !
ولاحظوا أن الصناعيين يشكون من الحصول على احتياجات منشآتهم من المحروقات ، ويضطرون لشرائها من السوق السوداء ..
حسنا .. من يزود السوق السوداء بالمحروقات سوى المافيات الممنوع المساس بها مهما اقترفت من جرائم بحق السوريين ؟