Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 28 آذار 2024   الساعة 21:30:19
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
جـريمـة الحمـل القســري .. بقلم : القانونية أمل عبد الهادي مسعود
دام برس : دام برس | جـريمـة الحمـل القســري .. بقلم : القانونية أمل عبد الهادي مسعود

دام برس:

يعد الاغتصاب انتهاكاً للسلامة الجسدية وشرف الضحية, وهومن الأفعال المعاقب عليها في جميع قوانين العالم, لما ينجم عنه من أذى جسدي ونفسي مستمرين، إضافة لأن ضحايا الاغتصاب غالباً ما يعاقبون اجتماعياً عن هذه الجريمة المرتكبة في حقهم. وبرزت خطورة هذه الجريمة في النزعات المسلحة بشكل خاص ـ في يوغسلافيا كوسيلة من وسائل التطهير العرقي، مما استوجب إيلاءها مزيداً من الاهتمام في إطار الجرائم ضد الإنسانية لما فيها من اتساع ومنهجية، وهي تختلف عن الاغتصاب أو العنف الجنسي العشوائي الذي يتم نتيجة أجواء الحرب، ويتميز بتدهور الأمن وتغلفه مشاعر الكره والضغط النفسي.

وإذا كنا لا نود الخوض في جرائم الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإكراه على البغاء، فإننا سوف نقصر الحديث على "جريمة الحمل القسري", لأن معظم ما يتم من حالات اغتصاب أو اعتداء جنسي في النزاعات المسلحة ترتكب ضد نساء مدنيات مما ينتج عنه حمل لا رضاء للضحية فيه، وهو ما يسمى الحمل القسري. وقد كانت تلك  الجريمة محل نقاش وجدل كبير في مؤتمر روما 1998، حيث أبدت وفودُ عددٍ من الدول المحافظة (وفود الدول العربية والإسلامية ووفود الدول الكاثوليكية وعلى رأسها الفاتيكان) تخوفها من أن يؤدي التفسير الخاطئ لهذه الجريمة إلى الاعتراف بحق حرية الإجهاض عالمياً كأحد حقوق الإنسان, مما يعني إلزام الدول السماح بإجهاض اللواتي يجبرن على الحمل، الأمر الذي يتعارض مع المبادئ الدينية والقانونية للعديد من الدول. كما أصر البعض على وجوب إعادة النظر في جريمة الحمل القسري نظراً لتجريم الاغتصاب، إذ أن الحمل القسري في رأيهم ما هو إلا نتيجة متفاقمة لهذا الاغتصاب. وعلى النقيض من ذلك، فقد أبدت وفود أخرى إصرارها على الإدراج الصريح لهذه الجريمة كجريمة مستقلة في قائمة الجرائم المستندة إلى الجنس، سواء بالنسبة لجرائم الحرب أو للجرائم ضد الإنسانية، تأكيداً على الأذى الجسيم الذي تتعرض له المرأة نتيجة هذا الحمل، ولأن الأذى الجسدي والنفسي الذي تحدثه هذه الجريمة يختلف كماً ونوعاً عن ذلك الذي يتسبب به العنف الجنسي لوحده، حيث يعتبر إجبار المرأة على أن تحمل طفلاً نتيجة لاغتصاب، تعذيباً في أشد صوره، وعلى هذا تستحق هذه الجريمة الخطيرة محاكمة وعقوبة منفصلة.

وتم في النهاية الاتفاق على إدراج هذه الجريمة ضمن قائمة الجرائم ضد الإنسانية الواردة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وجرى تعريفها في إطار تسوية قانونية حرصت الدول المحافظة التأكيد على عدم تقييد حكم هذه المادة لسلطة الدول في تنظيم مسألة الإجهاض، وذلك بالنص على عبارة (لا يجوز بأي حال من الأحوال تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل).

وجاءت أركان الجريمة مؤكدة وموضحة لهذ التعريف على النحو التالي:

(1ـ أن يحبس مرتكب الجريمة امرأة أو أكثر تم تحبيلها قسراً بنية التأثير في التكوين العرقي لأي جماعة من المجموعات السكانية أو ارتكاب انتهاكات جسيمة أخرى للقانون الدولي. 2ـ أن يصدر السلوك في سياق هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين. 3 ـ أن يعلم مرتكب الجريمة بأن سلوكه جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد سكان مدنيين أو ينوي أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم).

وبالتالي أركان الجريمة هي:

أولاً- الركن المادي ويشترط فيه: أولاً، (صفة الضحية) يراد بالركن الأول لجريمة الحمل القسري وجوب كون الضحية المحتجزة امرأة حملت قسراً، ولا بد أن يكون هذا الحمل حملاً قسرياً غير مشروع، وهو ما لم يذكره النص القانوني، وإن كانت الآراء لم تختلف ضمناً حول هذه النقطة المتعلقة بإجبار المرأة على أن تحمل طفلاً نتيجة الاغتصاب.

ثانياً، قيام مرتكب الجريمة باحتجاز امرأة حملت قسراً حملاً غير مشروع، بأي شكل من أشكال الاحتجاز مدة من الزمن يصعب عليها بعدها إجهاض نفسها، فتحمل بذلك طفل المغتصب. وتكمن أهمية اشتراط الاحتجاز لقيام هذه الجريمة في كونها تجعل من الاحتجاز جريمة منفصلة بحيث يمكن مساءلة أشخاص قد لا يكون لهم بداية علاقة بجريمة الاغتصاب المرتكبة، فيسأل عن جريمة الحمل القسري كل من ساهم في عملية الاحتجاز في مراحلها المختلفة، ويمكن في نفس الوقت أن يكون المحتجز هو ذاته من ارتكب جريمة الاغتصاب، فيكون عندها أمام مساءلة عن ارتكاب هاتين الجريمتين.

ثانياً- الركن المعنوي: إضافة لعنصري العلم والإرادة، فقد حرصت الوفود في مؤتمر روما وفي إطار تسوية قانونية حول هذه الجريمة على اشتراط قصد خاص هو ارتكابها بنيّة التأثير على التكوين العرقي للمجموعة التي تنتمي لها الضحية. ولأن إثبات وجود هذه النية صعب للغاية، أمكن بعد مناقشات طويلة إضافة قصد خاص بديل، هو نية ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي كالإشعار بالخزي والعار والتعذيب النفسي للضحية وعائلتها والتي تدخل في إطار الانتهاكات الخطيرة  للقانون الدولي الإنساني.

ولما كان قانون العقوبات السوري قد عاقب على الاغتصاب بالعنف أو بالإكراه بالأشغال الشاقة خمسة عشر سنة وشدد العقوبة إلى إحدى وعشرين سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره (م 489ق ع)، وشدد في المادة (498 ق ع) عقوبة الاغتصاب بمقتضى أحكام المادة (247) إذا اقترفها شخصان أو أكثر اشتركوا في التغلب على مقاومة المعتدى عليه، أو تعاقبوا على إجراء الفحش به، أو إذا أصيب المعتدى عليه بمرض زهري أو بأي مرض آخر، أو أذى تسبب عنهما تعطيل تزيد مدته عن عشرة أيام، أو كانت المعتدى عليها بكراً فأزيلت بكارتها. ولكنه لم يعتبر حدوثَ حملٍ جراء هذا الاغتصاب ظرفاً مشدداً أو جرماً مستقلاً يستوجب العقاب على الرغم من الألم والعذاب النفسي الذي تتحمله الضحية جراء ذلك.  كما أنه لم يتم التطرق في قانون مكافحة الإرهاب إلى هذه الجريمة وأمثالها.
وقد كشفت الممارسات الإرهابية التي قامت بها تلك التنظيمات المتطرفة والمسلحة في سورية والعراق عن العدد الهائل والمرعب لهذا النوع من الجرائم وارتباطه "بمنهجية فكرية وعقائدية" يقوم عليها الإرهاب، تتم على نطاق واسع. وكان حرياً بالمشرّع ـ المبادرة إلى تجريم هذا السلوك الإرهابي الذي يدخل ضمن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وأمثالها من جرائم الاغتصاب والاستعباد الجنسي والاكراه على البغاء والتعقيم القسري والاتجار بالأشخاص والاضطهاد، وأي شكل من أشكال انتهاك القانون الوطني والدولي ـ عند وضع قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وعدم إغفال النص عنها، خاصة أن هذه الجرائم غدت إحدى الممارسات الرئيسية المؤلمة المرافقة للإرهاب في بلدنا، تزيد من قسوته وهمجيته وخطورة آثاره، ولذلك يجب عدم تجاهلها أو تركها بدون عقاب رادع

الكاتب: القانونية أمل عبد الهادي مسعود

مصدر الخبر: SNS

الوسوم (Tags)

الإنسان   ,   الجريمة   ,   المحكمة   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz