Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 28 آذار 2024   الساعة 21:37:24
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
جريمة الاضطهاد في المواثيق الدولية.. بقلم : الكاتب: القانونية أمل عبد الهادي مسعود
دام برس : دام برس | جريمة الاضطهاد في المواثيق الدولية.. بقلم : الكاتب: القانونية أمل عبد الهادي مسعود

دام برس:

تعد جريمة الاضطهاد من أكثر الجرائم ضد الإنسانية أهمية وأشدها خطورة، لما تنطوي عليه من تمييز شديد في المعاملة، مما دعا البعض لتسميتها بجرائم الكره. ولقد بقي المفهوم الدقيق لهذه الجريمة غامضاً على الرغم من ذكرها في جميع قوائم الجرائم ضد الإنسانية نتيجة لعدم الاهتمام بحسن صياغة تعريفها. كما ساهم عدم وجود جريمة تحت هذا الاسم في القوانين الوطنية وفي أنظمة العدالة الكبرى في التأخير في تحديد أهم معالم هذه الجريمة، وإن كان مصطلح الاضطهاد بشكل عام يشير إلى الممارسات التمييزية سواء تلك التي يرتكبها الأفراد في حق بعضهم، أو تلك التي ترتكبها الدول بحق الأجانب أو رعاياها. ومع ذلك ونتيجة لضغط الصهيونية العالمية اتجه الرأي العام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية لاستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى اضطهاد النازيين لليهود دون سواهم، رغم أنهم لم يكونوا وحدهم ضحايا تلك السياسة النازية.

واليوم فإن جرائم التنظيمات الإرهابية التي يندى لها الجبين في سورية والعراق من قتل وتهجير وسلب وسبي واغتصاب على أساس الهوية والمذهب والعرق، دفعت الأمم المتحدة إلى استنكار هذه البربرية وإدانتها في الإعلام دون القيام بأي إجراءات رادعة على الأرض بموجب المواثيق الدولية التي يفترض أن تعمل على تطبيقها ونشر مبادئها.

وإزاء هذا الصمت المريب على تلك الجريمة، وتجاهل العالم المتمدن لتلك الوقائع الخطيرة التي طالما عرضها مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة، سنحاول إيضاح الجوانب المختلفة لهذه الجريمة وأركانها مستعينين بالسوابق القضائية للمحاكم الجنائية الدولية وذلك لإثبات مدى تواطؤ الغرب في تلك الجريمة مع أدواته الداخلية خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية.

  تتألف هذه الجريمة من ثلاثة أركان هي:

أولاً-  الركن القانوني: ويمكن حصر الأساس القانوني للتجريم في هذه الجريمة في ثلاث مصادر هي:

1ـ الاضطهاد في مواثيق حقوق الإنسان:

منذ الحرب العالمية الأولى وضع نظام خاص بحماية الأقليات من التعرض للاضطهاد في معاهدة الصلح مع كل من النمسا والمجر وبلغاريا وتركيا. ولم ترد في أعقاب الحرب العالمية الثانية نصوص خاصة بالأقليات، بل وردت نصوص أخرى عامة تتضمن حماية حقوق الإنسان وحرياته خاصة وأن انتهاك الحقوق قد يمس الأقلية أو الأغلبية، وإن من هذه النصوص الإعلان العالمي للحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, والاتفاقات الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 واتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951 التي أشارت إلى الاضطهاد في تعريفها للاجئ. ولم تلق المحاولات المتعددة لصياغة تعريف للاضطهاد في سياق الاتفاقية السابقة النجاح نظراً لعدم وجود تعريف مقبول عالمياً لهذا المصطلح. وهذا ما أكدته المحكمة الجنائية الدولية في يوغسلافيا حيث لم تجد فيما يتعلق بقانون اللجوء أو قانون حقوق الإنسان عموماً، ما يقدم تعريفاً للاضطهاد. كما لاحظت فيما يتعلق باتفاقية عام 1951 أن ما يمنح الشخص وضع اللاجئ وفق أحكام هذه الاتفاقية تحدده الحالة الذهنية للشخص الذي يدعي الاضطهاد أكثر من الحقائق الفعلية لوجود الاضطهاد من عدمه.

2ـ الاضطهاد في القانون الدولي الإنساني:

لا نجد في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني ما يشير صراحة إلى الاضطهاد باستثناء نص المادة (45) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية السكان المدنيين زمن النزاع المسلح الدولي، والذي لا يجيز نقل أي شخص محمي إلى بلد يخشى فيه من التعرض للاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو عقائده الدينية، دون أن يشير النص بالمقصود من مفهوم الاضطهاد.

3ـ الاضطهاد في القانون الجنائي الدولي:

اهتمت عدة اتفاقيات من اتفاقيات القانون الجنائي الدولي بحظر التمييز ومنها اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، أما اتفاقية "قمع وعقاب الفصل العنصري" لعام 1973 فقد كانت أكثر الاتفاقيات تفصيلاً فيما يتعلق بسياسات التمييز والظلم العنصري.

وعلى صعيد القضاء الجنائي الدولي عاقبت جميع مواثيق المحاكم الجنائية الدولية على جريمة الاضطهاد لأسباب عرقية أو دينية أو سياسية ابتداءً من ميثاق نورمبوغ وصولاً إلى مؤتمر روما، الذي حدد في المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية الاضطهاد بقولها: "اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو أثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس أو لأسباب أخرى من المسلم عالمياً بأن القانون الدولي لا يجيزها, وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة".

ثانياً-  الركن المادي:   

إن تحديد الركن المادي لجريمة الاضطهاد ينطوي على شيء من الصعوبة وذلك بالنظر لمحاولة ربط هذه الأفعال اللإنسانية مع الأفعال المجرمة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ فالمواثيق الدولية التي عالجت الجريمة لم تحدد الأفعال التي من الممكن أن تدخل في نطاق مفهوم جريمة الاضطهاد وكذلك الحال بالنسبة لنظام المحكمة الجنائية الدولية، باستثناء إشارة الفقرة الأولى من هذا النظام إلى اشتراط أن يحرم مرتكب الجريمة شخصاً أو أكثر حرماناً شديداً من حقوقهم بما يتعارض مع القانون الدولي. وعلى هذا يعد تحديد الأفعال التي تدخل في تكوين الركن المادي للاضطهاد من أكثر المسائل صعوبة فيما يتعلق بهذه الجريمة، إضافة لما يرتبط به من صعوبة تحديد ماهية الحقوق الجوهرية التي يتم الحرمان منها، وتحديد متى يكون الحرمان من هذه الحقوق شديداً. وعلى هذا سيكون على المحكمة الجنائية الدولية في تحديدها للأفعال التي يمكن أن تشكل اضطهاداً، الاستعانة بالسوابق القضائية، وهذا ما فعلته محكمة يوغسلافيا السابقة حين رأت ضرورة تحديد هذه الأفعال في ضوء القانون الدولي العرفي، وقامت بذلك فعلاً بعد تحليل مفصل للقضايا التي نُظرت استناداً إلى ميثاق نورمبوغ. واستنتجت المحكمة في قضيةTadic  أن الأحكام المخلفة تؤكد أن الاضطهاد يمكن أن يشتمل على نوعين من الأفعال اللإنسانية هما:

1ـ الأفعال اللإنسانية بحد ذاتها والمذكورة في النظام الأساسي: 

تَعتبر السوابق القضائية أن جريمة الاضطهاد تتضمن أفعالاً تعتبر بحد ذاتها لا إنسانية وتشكل انتهاكا لأحكام القانون الجنائي الدولي، ومنها، وحسب محكمة يوغسلافيا جرائم القتل والاسترقاق والتعذيب. ولكن تشترط لقيام الركن المادي في جريمة الاضطهاد أن تترافق مع وجود دافع تمييزي يجعل منها أفعال لا إنسانية تدخل في نطاق التجريم كجريمة اضطهاد. لكن المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية لم تشترط وجود هذا الدافع التمييزي. فكما أن جريمة الإبادة الجماعية تتضمن جريمة القتل، ويتضمن التعذيب الاغتصاب، ويتضمن السجن الاستعباد، فإن جريمة الاضطهاد تعد أشملها جميعاً حيث يمكن أن تتضمنها كلها بخلاف محكمة يوغسلافيا التي كانت تشترط وجود الدافع التمييزي.    

2ـ الأفعال التي لا تشكل بحد ذاتها أفعالاً لاإنسانية:

تتعلق بأفعال تشكل اعتداء على مجموعة من الحقوق الأساسية، كالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والمالية. وأهم ما يميز هذه الأفعال هو ما يغلفها من طابع الشرعية؛ فعند استيلاء هتلر على السلطة في ألمانيا، مثلاً، سن العديد من القوانين التمييزية التي استعبدت البولنديين وغيرهم من الجماعات المستهدفة من مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ فمنعوا من مزاولة بعض المهن كالمهن القانونية والطبية والصحفية، أو الانتساب للقوات المسلحة، وفرضت عدة قيود على حياتهم الأسرية حيث تم حظر الزواج من غير أعضاء الجماعة، وحددت حريتهم في التنقل ومشاركتهم في التجمعات أو استخدام الأماكن العامة أو الحدائق. كما أجبروا على ارتداء اللون الأصفر وسمح بمصادرة أملاكهم وقد وجدت محكمة نورمبورغ أن أعضاء سلك القضاء الألماني متهمين بارتكاب جريمة الاضطهاد نتيجة تطبيقهم التمييزي للقانون الألماني في اضطهاد البولنديين وغيرهم، وذلك في قضيةJustice . وقد حاكمت وزير الأقاليم الشرقية ووزير الاقتصاد والمفوض العام ورئيس بنك الرايخ لارتكابهم عدة أفعال تمييزية، من بينها أفعال تشمل سلب الممتلكات. ولقد كان القيد الوحيد على اعتبار الاعتداء على حق الملكية جريمة اضطهاد، يتوقف على خطورة التدخل وعلى مدى ارتباط التمييز في المعاملة بالفرد وشخصيته الإنسانية. وكلنا يتذكر ما فعلته داعش في العراق وما كتبته على أملاك النصارى وغيرهم  وكيف تمت  مصادرتها وتهجير أصحابها منها. 

ثالثاً-  الركن المعنوي:

تتطلب جريمة الاضطهاد إضافة إلى القصد الجنائي العام المتمثل بالعلم والإرادة لكل مكونات الركن المادي، وجود دافع لارتكاب الجريمة. فلا يكفي في جريمة الاضطهاد استهداف مرتكب الجريمة للضحية لمجرد كونه فرداً عادياً من مجموع السكان المدنيين، بل يجب أن يكون استهدافه لانتمائه إلى جماعة معينة من إحدى الجماعات المحددة في المادة السابعة (1/ ح). ويعد التمييز ركناً جوهرياً في جريمة الاضطهاد، إلا أننا لا نجد في التعاريف المختلفة للجرائم ضد الإنسانية قائمة ثابتة تحدد الجماعات المستهدفة بالتمييز؛ فبينما شمل ميثاق نورمبورغ والقانون رقم (10) لمجلس الرقابة على ألمانيا ونظام كل من المحكمتين الجنائيتين ليوغسلافيا ورواندا الأسباب السياسية والعرقية والدينية، فقد كان نظام المحكمة الجنائية الدولية أوسعها في المادة السابعة منه.

وما يهمنا من هذه المجموعات الجماعة الأثنية التي استمر الخلاف حول مفهومها منذ صياغة اتفاقية الإبادة الجماعية. وبينما يعتبره الكثيرون مرادفاً لمفهوم العرق, يرى آخرون في الجماعة الأثنية فرعاً من الجماعة القومية (الأمة). ويستند أصحاب الرأي الأول إلى عدم ذكر كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (م2) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (م26) الاضطهاد كأحد أسباب التمييز. وقد عبر الفقيه Blafsky ببساطة عن الاتجاه الثاني حين  قال إنه لو قامت عدة قبائل نيجيرية بمهاجمة قبيلة Ibos النيجيرية لإفنائها، فإنها تكون بذلك ارتكبت جريمة إبادة، مع أن قبيلة  Ibosعضو في الأمة النيجيرية. وحديثاً اعتبرت المحكمة الدولية لرواندا في قضية  yesAkau ، الجماعة الأثنية هي تلك الجماعة التي يجمع بين أفرادها لغة أو ثقافة مشتركة تميز نفسها أو يميزها الآخرون (بمن فيهم مرتكب الجريمة) على هذا الأساس. واعتبرت المحكمة جماعتين اثتنيتن متمايزتين قياساً على استقرار الجماعة وثبات الانتماء إليها مدى الحياة.

في الحقيقة، إن الباعث الديني هو السبب الأهم لمعظم الممارسات الاضطهادية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق وبالتالي، وحسب تعريف لجنة حقوق الإنسان، فإن الاضطهاد الديني هو من الجرائم ضد الإنسانية التي يطالها نظام المحكمة الجنائية الدولية، وإن  تجاهل المفوضة السامية نافي بلاي لهذه الحقائق القانونية في تقاريرها أمام مجلس الأمن والتي يفترض أن تكون الحارس الأمين عليها، إلا من قبيل المشاركة في رعاية الإرهاب، والتآمر على هذه البلدان وشعوبها. ويصدق فيها القولُ: "الساكت عن الحق شيطان أخرس". وبمناسبة انتهاء أعمالها كمساعدة للأمين العام لأمم المتحدة لشؤون حقوق الانسان؛ نسألها هل كانت مواقفك المتجنية متوافقة مع قواعد القانون الدولي بشقيه الإنساني والجنائي؟!  سؤال برسم بقيّة ضمير.

القانونية: أمل عبد الهادي مسعود

الكاتب: القانونية أمل عبد الهادي مسعود
مصدر الخبر: SNS

الوسوم (Tags)

الحرب   ,   الإنسان   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz