Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 00:45:44
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
"سوى ربينا"... ذاكرة الأرز والياسمين .. بقلم سهى سليمان

دام برس :

تداعبُ أغنية فيروز "سوى ربينا" أذاننا لتوقظنا من غفوةٍ طالَ بها الزمان، نرحلُ إلى ذاكرتنا المثقلة ِبأمكنة وأزمنة، نتكئ على محطاتِ الفرح والحزن لنتحررَ من خيانةِ البعض ونسعد لوفاء الآخرين.

لحظاتٌ جميلةٌ تعمدت بأمطارِ الخير والصفاء، تناولنا الخبزَ والملحَ سوية، رسمنا مستقبلنا منذ الصغر، وكانت مواعيدُنا عهداً ووفاء.

آه… ما أجملَ الوقتَ الذي أمضياهُ معاً منذ الأزل، في عدوان تموز 2006، وخلالَ الأزمة الحالية، كم من يدٍ بيضاء قدمت خبز الحياة للبؤساء، وكم من لمسةٍ على الجباه أسعدت قلوبَ التعساء، وكم من بيوتٍ شرَّعت للوافدينَ أبوابَ الحبِّ والعطاء، وكم من بسمةٍ رُسمت على شفاهِ الشهداء بتحريرِ القنيطرة والجنوب، وكم وكم؟

كثيرون من قرأوا التاريخَ قبلَ حدوثه، فها هو نزار قباني في قصيدته (سامحينا يا بيروت) يطلبُ السماحَ من بيروت لأننا تركناها وحيدة تموت، لكنهُ كتب أيضاً أن الياسمين الدمشقي له أظافر بيضاء، تثقب جدرانَ الذاكرة، وكتب: "لا أستطيعُ أن أكتب عن دمشق دون أن يعرش الياسمين على أصابعي".

ألم يكتبْ سعيد عقل قصيدة: "أحبُّ دمشقَ هواها الأرقا... أحبّ جوارَ بلادي ترى من صبا وداد رعته العيون... جميلةُ وقامةٌ كحيلة أحب أحب دمشق" وغنتها فيروز بتلك الحنجرة الياقوتية؟

تغنى الشعراءُ بغوطتِها الوادعة، كأنها حلمٌ جميل، شمسُ الصباح، مجدٌ وعلا، ثرى طيب، حمائمُ بيضاء، زيتونٌ وسنابل، فلماذا التآمر؟

ألم تغنّي جوليا بطرس "الحقّ سلاحي.. أنا فوق جراحي سأقاوم"، ألم تغني "نرفض نحنا نموت"، ألم تغني "أطلق نيرانكَ لا ترحم" لكل جيش يدافع عن وطنه؟

فهل كان نزار وفيروز وسعيد وجوليا وغيرهم الكثير أكثر محبة لدمشق وبيروت؟

هل من المعقولِ بعدَ هذه العلاقةِ والعمرِ الطويل الذي تقاسمنا فيه دروبَ الودّ والوئام، واستنشق أطفالنا عبقَ ربيعِ النورِ والسلام، أن ننعي ذلك الحبّ؟

هل يمكن أن نقتلَ مولوداً يافعاً تربى على الخيرِ والصدق، ترصعتْ ملابسهُ بجواهرِ الفرحِ والنقاء، ليقتله الكفرُ والشرُّ ويرمي به إلى محطاتِ الألم والخيانة والقتل والبغضاء؟

هل من الممكن أن يمحو اختلافُ وجهاتِ النظر رحلةَ عمرٍ مشتركة منذ الطفولة المفعمة بالبسمة والبراءة؟

لم تكنْ القضيةُ قضيةَ وجهةِ نظر، بل هي قضيةُ مصيرٍ ووجود.

يجتاحُ الخوفُ كيانَنا ليس من الرحيلِ والابتعاد بل من الخيانة والنسيان، من نسيانِ أننا كنا روحين بجسدٍ واحد، من نسيان نبضاتِ قلبينا المشتركة، وهيام روحينا في السماء.

فمن ذا الذي يمتلكُ قلباً قاسياً ليستطيعَ أن يقضي على تلكَ المشاهد الرقيقة التي عشناها سوياً في زمن الخيرِ والصفاء سوى لأسباب شخصية.

ليتَ الزمانُ قد توقف عند تلك اللحظات، ليتَ فيروز تعودُ لتغني "آه ما أطيبه بردى" لتترجمَ لنا مشاعرنَا المسكونة بالحزن والأسى، علّها تعبّرُ عن نزفِ جراحنا التي طعنتها رماح الخيانةِ والغدرِ والتآمر.

ألا يمكن أن يكونَ صوتا فيروز الملائكي وجوليا الحماسي، ترانيمَ وتراتيل، تدعو إلى التسامح والعفو، وتعيدُ ما كان الأجدادُ يرونه لنا من قصصِ الإباءِ والشرف إلى الذاكرة.

هل نحتاج لشعراءَ أو مثقفين جدد ليكتبوا لنا عن ماضٍ وثقافة وحضارةٍ مشتركة، ليوقظونا من الجهل والتخلف؟

هل كان غيابنا عن بعض سهلاً، لماذا لا نتسامى فوقَ الجراح، ونعيدُ صلةَ الرحم لأوجها، نتحدثُ بلغة المحبةِ وثقافةِ التسامح وحضارة الفينيق، لماذا لا نقف جنباً إلى جنب، وإلى البعض لماذا التآمرُ أيها العرب؟

لماذا لا نحرصُ على مصلحةِ الآخر كحرصنا على مصلحتنا، لماذا لا نردمُ خنادقَ التحالفات مع الغرب والأعداء ضدّ بعضنا، ونتحصن بدرعِ التوافق والاستقرار.

كيفَ لنا أن ننقذَ أنفسنا من عاصفةِ الحقد التي أطلقت علينا من شرّ بداخلِ أنفسنا وأنفس البعض؟

ليكنْ حضورنا في قلبِ الآخرِ مميزاً، ولتكن لدينا الثقةَ أن من راهنَ على زرعِ بذور القطيعة بيننا سيخسرُ الرهان وسيعودُ الضالون إلى رشدهم ليتواصلَ زمن الانتصارات.

معاً على الدرب، نربحُ الحربَ على الإرهاب، يداً بيد في ميدان المعركة، وميدان السياسة والثقافة والاقتصاد، نخوضُها جولة ًجولة، وإن كنا في قلب المخاطر لا بدّ أن ننتصر.

سويةً نطالُ السنا، نزرعُ الأرض ونعانقُ السماء، فالأرضُ والسماءُ لنا...

لنجعلَ الخريف ربيعاً، ولنزينَ ربيعُنا بأكاليلِ العزة ِوالغار، ليزهرَ بأحلامِ الأطفال، ويثمرُ مشروعاتِ الكبار.

لنصلي ونعيشَ ونموتَ في كنائسنا ومساجدنا، ليكنْ ضميرُنا حاضراً، لنتوحد في السراءِ والضراء.

سقطَ المحالُ على أيدي الجيشين في لبنان وسورية، وصنعا المعجزاتَ في زمنِ الخيانة، فألفُ تحية لكل من صمد وقاوم، وتباً لكل من خان وهادن.

ويبقى السؤالُ الذي يقضُّ مضاجعنا:

هل سنكتبُ على جدارِ الذكريات "سوى أنهينا بعضنا؟!" أم نعودُ يوماً كما كنا شعباً واحد في بلدين؟.

الوسوم (Tags)

سورية   ,   لبنان   ,   السوري   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz