Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 17:04:37
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
سورية وورقة الرهان على المصالحة .. بقلم: الدكتور خيام الزعبي
دام برس : دام برس | سورية وورقة الرهان على المصالحة .. بقلم: الدكتور خيام الزعبي

دام برس:

إن ما حدث في دول الربيع  العربي كان مغايراً تماماً لما ينبغي أن يكون, إذ ما زالت هذه الدول تعاني من عدم الأمن والإستقرار, وظل الصراع فيها قائماً بين الدولة والجماعات المسلحة، وما يحدث الآن في ليبيا وسورية والعراق واليمن يكشف أن هذه الثورات هي نتيجة لمخططات خارجية معادية للإسلام وللأمة العربية, الهدف منها هو تخريب هذه الدول وإضعاف إقتصادها وتدمير جيوشها, فأربع سنوات منذ بدء هذه الثورات كانت كفيلة بأن تُبنى فيها الدولة الناجحة, وأن تكون عجلة البناء والتنمية قد دارت وآتت ثمارها وشعر المواطن بخيراتها في معيشته وحياته.
لا شك أن اللحظة الراهنة التي تمر بها سورية هي لحظة المواقف الوطنية الشجاعة والمسؤولة، لحظة ترك الخصومات والصراعات في سبيل تحقيق الإصطفاف الوطني الكامل إزاء كل التحديات والصعوبات لتجاوزها والعبور بالوطن إلى المستقبل المنشود، فاليوم ليس وقت المزايدات الواهنة ولا وقت التقاعس عن المساهمة الصادقة في إنقاذ الوطن مما هو فيه دون إشتراط مصالح آنية ودون الإلتفات إلى الماضي بأحقاده وصراعاته، بإعتبار ذلك الماضي صفحة لابد من طيها إلى غير رجعة والإقبال على الحاضر لتطويعه باتجاه مستقبل أكثر أمناً وإشراقاً.
واليوم دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً، لم يدفعه شعب آخر مثله، وصار الخروج من هذا النفق المظلم مطلب الأغلبية الساحقة، فالسوريون الآن في الحاضر المخيف، يتطلعون إلى مستقبل بلا خوف، وهذا يتطلب من جميع الحريصين على العمل الوطني  ووحدة الشعب والأرض، أن ينظروا إلى الواقع بعقلانية، وأن تكون المصلحة السورية هي المقياس الوحيد التي تنتظم عمل الجميع، لقد حان الوقت للذين يخافون على سوريا، وليس على مصالح أنانية ضيقة محدودة  أن يكونوا جريئين بطرح أفكارهم، ونقلها من صُرة الإجتثاث إلى فضاء المصالحة الوطنية الرحب، وهذا يفرض مراعاة الصدق مع النفس والآخرين بضرورة الإعتراف بالواقع، لا لإقراره ، بل لمعالجته وطنياً، وفرز الأمور بإشراك الكل الوطني، وإن ينشروا عبق التسامح والسلام على إمتداد مساحة الوطن كاملاً.
إذن نحن - بالفعل - أمام منعطف حسّاس وخطير يستدعي من الجميع التخلّي عن الخصومة وتصفية الحسابات، لأن السفينة في نهاية الأمر ستغرق بالجميع، ولن يجد أحد معجزة أو سفينة خاصة به تُنجّيه كسفينة نبي الله نوح التي نجّته هو ومن آمن معه من ذلك الغضب الربّاني الطوفاني العظيم الذي أغرق الأرض بمن عليها.
لسنا متشائمين أبداً، ولن نكون كذلك، غير أن هناك شيئاً إسمه المصارحة والشفافية في الطرح والتي تحتّم علينا - بناءً على معطيات الواقع - الإعتراف أن هناك الكثير من المخاطر التي ينبغي على كافة القوى الإجتماعية مواجهتها بوعي ومسؤولية وتجرُّد من كل الأحقاد والأنانيات والأمراض والتراكمات من أجل البلد وأطفاله ومستقبل أجياله، لذلك دعونا من الخصومة التي لا طائل منها، فالوطن يعاني على مختلف الجوانب والأصعدة الإقتصادية والسياسية والأمنية، والإرهاب ينهش كل يوم في جسد الشعب ومؤسساته ومنشآته ودماء أبنائه من الجيش والمدنيين، وطوابير الفقراء تمتدُّ إلى ما وراء المنظور في العاصمة والمحافظات الأخرى، وأطفال وشباب يصطفّون لآلاف الأمتار في قلب العاصمة وغيرها في إنتظار متصدّق عليهم بقليل من النقود لشراء طعام أو لباس، والأمثلة على معاناة الناس كثيرة ولا تُحصى ليس آخرها الإنفلات الأمني وجفاف القيم وفقدان عزيزين وضياع سنين من الادخار والأحلام.
في إطار ذلك فإنه من المهم إنتهاز الفرص السانحة للملمة شمل السوريين في سبيل تخطي منعطفات الماضي بإيجابياتها وإخفاقاتها، وعلى قاعدة أن الوطن لا يمكن أن يستقيم شأنه إلا بالجميع من أجل الجميع دون إقصاء أو إستثناء، لذلك
يجب أن يحضر صوت العقل في هذا المنعطف الأخطر من حياة السوريين،  وأن تستيقظ الضمائر لدى جميع القوى المجتمعية لتغلب مصلحة شعب بأسره من الجنوب الى الشمال من الشرق الى الغرب على مصالحها وعلى خصوماتها وعلى خلافاتها،فمثل هذه المصالحة هي التي ترسخ الوحدة الوطنية والتآخي بين السوريين وعلى الجميع أن يدركوا بأن الحوار الصادق هو الطريق الصحيح لحل المشكلات مهما كانت كبيرة، وإن روح الإنتقام وأحقاد الأمس لا تعالج أوجاع الصراعات الداخلية ولا تبني دولة عادلة، فصناعة المستقبل مرهونة في تجديد شروط إنتاج المجتمع المدني الحديث عبر جماعة تكون مسؤولة عن تاريخها لا ضحية له إذ أن الواقع المعيشي واللحظة الراهنة تضع الكل أمام محك تاريخي فإما أن نكون دولةً قوية وشعباً يستحق الحياة أو لا نكون، ولكي لا نكون خياليين ، نعترف بأن الجروح لا تندمل بسرعة ، بسبب الخوف من الآخر ورواسب المعاناة التي إنطبعت في الذاكرة الجمعية، لكننا نعيش حقبة تاريخية تجعل من عدم التقدم تأخر بالضرورة ، فكل يوم إضافي من العنف يعزز تهميشنا في حركة التاريخ وتطور المجتمعات، في إطار ذلك أرى بأنه
لا وقت للإنتظار والتسويف، ولا وقت للمراهنات الخاسرة على المشاريع الدونية أو بث العراقيل في طريق المشروع الوطني الكبير والجامع لكل السوريين، لا وقت للمواقف الانتهازية أو العبثية ولا وقت لإستقواء طرف على طرف، فسوريا قبل كل شيء والتاريخ لن يرحم أي متهاون أو متآمر.
بإختصار شديد أؤكد، إنه اليوم يقع على عاتقنا مسؤولية تاريخية يجب تحمُّلها، وإنقاذ البلد من عواصف الفوضى والتخريب وكل الطامعين في كعك وتركة هذه الدولة التي ننتمي إليها جميعاً ونفخر بها جميعاً ونخاف عليها جميعاً من كل معتدٍ وخائن متربّص.
وأخيراً أتمنى أن يكون الإتفاق على قراءة سورية عميقة للواقع الراهن في مداراته الوطنية, وأن يتم من خلال هذه القراءة المعمقة ترتيب أولوياتنا السورية, التي من المفروض أن يكون أولها هو مغادرة حفرة الإنقسام والإقتتال, والصعود إلى المصالحة لتي أعتقد أنها يجب أن تبدأ بوضع العنوان الكبير أي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المقبلة.
Khaym1979@yahoo.com

 

الوسوم (Tags)

سورية   ,   العراق   ,   المجموعات المسلحة   ,   المصالحة   ,   الوحدة   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz