دام برس:
نص اللقاء الذي أجراه اللواءالدكتور بهجت سليمان مع قناة الفضائية السورية بتاريخ 28/6/2014
أهلاً وسهلاً بكم في المركز الإخباري.
أهلاً وسهلاً
س (1): دعنا نبدأ بسؤال عام عن المنطقة العربية، فالخطر الذي كنّا نواجهه اليوم في سورية، باتت اليوم مجموعة من الدول تواجهه، العراق، الأردن، السعودية، فدعنا نتحدث عن الخطر المحدق بالمنطقة العربية اليوم.
ج: شكراً للفضائية السورية، واسمحي لي أن أبدأ طالما أنك تحدثت عن الأردن، وقد قضيت خمس سنوات فيها، ولي أصدقاء عزيزون وغالون على قلبي، من القوى الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية المتنورة، وبالتالي لهم مني كل التحية، فهؤلاء شيء، والحكومة الأردنية والدبلوماسية الأردنية شيء آخر، كنت خلال فترة تواجدي هناك، وخصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة بعد الحرب الصهيو – أمريكية – الوهّابية – الإخونجية، التي جرى شنها على بلادي سورية، كنت دائماً أتحدث مع أشقائي الأردنيين وألفت نظرهم إلى خطورة هذا الوحش، الذي يهجم على المنطقة، وأحذرهم من خطورة الانخراط في هذا المخطط الوهّابي الإرهابي التدميري القادم باتجاه هذه المنطقة، وكنت أقول لهم بأنّ طابخ السم آكله، وكنت دائماً ألفت نظرهم إلى أنّ الحريق إذا ما اشتعل عند شقيقك و جارك، فسوف يلفحك أواره وناره شئت أم أبيت، فكيف بك إذا كنت مشتركاً في إشعاله، ولكن الحكومة الأردنية والدبلوماسية الأردنية للأسف، كانت تصم آذانها، وتتهم من يقول بهذا القول بأنه ينال من الدولة الأردنية ومن الشعب الأردني، مع أنّ الشعب الأردني والجيش الأردني والدولة الأردنية أمنهم كأمن سورية بالنسبة لنا، وكنّا وسنبقى دائماً في سورية الأسد، حريصين على أمن الشعب الأردني والجيش الأردني والدولة الأردنية، لأنّهم أشقاء، ولكن لا نستطيع أن نجبر الحكومة الأردنية ولا الدبلوماسية الأردنية أن تلتزم بالدفاع عن شعبها ووطنها، طالما أنّ قرار الحكومة الأردنية والدبلوماسية الأردنية مرتهن للخارج، ولكن ما أودّ قوله وأختم به الحديث عن الأردن، إنّ الأردن سواء كان وقف معنا أو ضدنا في هذه الحرب التي جرى شنّها علينا, فلن يغيّر كثيراً في موازين القوى، بمعنى أنّه لن يضرّنا كثيراً إذا وقف ضدنا، ولن ينفعنا كثيراً إذا وقف معنا، لأنّ الحرب أكبر منه بكثير، ولكنه يضرّ نفسه بالدرجة الأولى قبل أن يضرّ بنا.
س (2) :إذاً الحرب أكبر من الأردن، ومن أي دولة يمكن أن تدعم الإرهاب، ما هذا الذي نواجهه في منطقتنا العربية اليوم؟.
ج: اسمحي لي أن أعود إلى الجذور، نحن الآن في هذه المنطقة ومنذ عقود، لا بل منذ أكثر من عقود، نواجه أخطاراً مصيرية جمّة، الخطر الأكبر والأوّل: هو الصراع العربي- الصهيوني، وهذا أصل كل صراع نواجهه في منطقتنا العربية، فهذا هو الصراع الأساس، وهو الذي تولّد منه الإرهاب الصهيو-أميركي، والصهيو-أطلسي، وبعئذٍ تولّد منه الإرهاب الصهيو- وهّابي، فالصهيو – وهّابي هو الفرع، والصهيو- أطلسي هو الأصل، ولكن الفرع أحياناً يتفوق على الأصل، بشراسته وبعنفه وبدمويته، لكنه يسير تحت سقف الأصل، ولا يتجاوزه ويستمر في خدمته، وعندما يتجاوز المهمة المناطة به، يجري إمّا تنبيهه أو تقويمه، أو تغييره، إذاً تبقى الصهيونية العالمية هي الخطر الأكبر علينا وعلى هذه المنطقة، وليس على سورية فقط، والخطر الثاني: هو المحور الأطلسي، فالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي بسياستها الاستعمارية الهيمنية، والتي تريد أن تهيمن على هذه المنطقة، وتنهب ثرواتها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تشكّل خطراً من حيث احتضانها للمشروع الصهيوني الاستيطاني على منطقتنا، بعد أن أهدوه فلسطين وجعلوا منها إسرائيل، ولا زالوا يدعمونه حتى الآن ليحقق مخططاته الاستيطانية ومخططاته التوسعية. والخطر الثالث: هو الوهّابية السعودية التلمودية. والخطر الرابع: هو الإخونجية البريطانية. واسمحي لي هنا أن لا أتحدث كثيراً عن الخطر الصهيوني الأصلي، ولا عن الخطر الأطلسي، لأنهما معروفان، ونعيش في مواجهتهما منذ عقود طويلة، وهو واضح لكل ذي عينين بصيرتين، ولكن هناك التباسات عديدة لدى الكثيرين، فيما يخص الخطر الوهّابي والخطر الإخونجي، فاسمحي لي هنا أن أعود قليلاً بالتاريخ إلى الخلف، فالوهّابية يا سيدتي قد نشأت في القرن الثامن عشر، وعندما أتحدث الآن، قد يقول البعض إنه يفسر التاريخ تفسيراً تآمرياً، ولكن أنا لا أفسره تفسيراً تآمرياً، ولكن أفسره تفسيراً موضوعياً، كيف يمكن أن يستطيع شخصٌ جاهلٌ أميٌّ مغمور، اسمه (محمد بن عبد الوهّاب) أن يأتي في القرن الثامن عشر إلى بلاد نجد والحجاز، وينشىء تنظيماً كبيراً، فعملياً هذا التنظيم هو دين جديد، هو الدين الوهّابي، وهذا الدين الوهّابي عملياً هو خروجٌ عن الإسلام، بدليل أنّ الوهابية في ذلك الوقت قد كفّرت كل مَن يطلب الشفاعة من سيدنا محمد (ص)، وبالتالي أرسلوا رسائل لكل الآخرين يطلبون منهم الانتماء إلى هذا الدين الجديد، والولاء لمحمد بن عبد الوهّاب، ولكن النقطة الأساسية هنا، هي أنّ محمد بن عبد الوهّاب لم يكن وحده هنا، في عام 1725 وفي عام 1730، ولكن كان معه محمد بن سعود أيضاً، وهؤلاء شكلوا معاً ثنائياً سعودياً وهّابياً، وهذا الثنائي بشكل أو بآخر كان صنيعة الاستعمار البريطاني في ذلك الحين، الذي كان أخبث ولا زال (أذكى) استعمارٍ على وجه الأرض، وقد تسألين ما الغاية من قيام الاستعمار البريطاني بإنشاء حركة وهّابية؟؟ قدّمت نفسها على أنّها حركة إصلاحية، تريد إصلاح الدين الإسلامي؟؟، الحقيقة هي أنّها حركة لصهينة الإسلام. فالوهّابية مهمتها وغايتها ودورها هي صهينة الإسلام، فعملية صهينة الإسلام جرت قبل عملية صهينة المسيحية، فتعلمون بأنّه هناك في الولايات المتحدة الأمريكية عشرات الملاين من الذين يسمّونهم المسيحيين الصهاينة، أمّا اليهودية بطبيعة الحال فهي بمعظمها متصهينة، أمّا الإسلام فكان الاستعمار البريطاني عندما كانت إمبراطوريته لا تغيب عنها الشمس، يعرف أنّ الخطر القادم والداهم هو الإسلام، لذلك كان عليه أن يصهين هذا الإسلام من خلال ادّعاء إصلاحه، ولذلك اخترع الحركة الوهّابية من باب لاهوتي، والسَّعْودة من باب سياسي، وتوأم بينهما، وكلّفهما بصهينة الإسلام، وبالتالي احتكار الإسلام وادعاء النطق باسمه، إلى أن وصلوا إلى ما وصلنا إليه الآن، ثم أكملوا النقّل بالزعرور، عام 1928، عندما نزل من الإسماعيلية شاب اسمه (حسن البنّا) وكان عمره في ذلك الحين /21/ عاماً، ثم يستطيع هذا الشاب ذي الواحد والعشرين ربيعاً، أن ينظم خلال خمس أو ست سنوات، عشرات آلاف المصريين، فيما سمّي (جماعة الإخوان المسلمين) في ذلك الحين، والاستعمار البريطاني رابضٌ في مصر وكأنّه لا يرى أو يسمع، هل يمكن لذي عقلٍ أن يصدّق ذلك؟!. ثم اكتملت مسألة الإخوان المسلمين بسيّد قطب، فسيّد قطب كان في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدما عاد منها قام بتكفير جميع الدول الإسلامية وجميع الشعوب الإسلامية، ونصّب نفسه هادياً جديداً، وبالتالي في ذلك الحين ضاقت المسافة والهوّة بين الوهّابية والإخونجية. قد تتساءلين أو يتساءل البعض بأنّه تاريخياً هناك صراعاً تاريخياً بين الوهّابية الإخونجية؟؟، الحقيقة هي أنّ هذا الصراع شبيه بالصراع الحالي بين مشيخة قطر وبين مهلكة آل سعود الوهّابية التلمودية، فمشيخة قطر يرعون الإخوان المسلمين، ومهلكة آل سعود الوهّابية التلمودية يرعون الوهّابية، وبالتالي هم يتحركون تحت سقف Bigg Boss المعلّم الأمريكي، المحرك الصهيو- أمريكي، وبالتالي كلٌّ منهم يحاول أن يسابق الآخر في تقديم أوراق اعتماده لمعلّمه، وقد يقدّم أوراق اعتماده – ليس على طريقة السفراء مرّة واحدة – فقد يقدّمها أسبوعياً أو شهرياً أو قد يقدّمها في كل مهمة يكلّف بها، وبالتالي عليه أن ينجح بها، وفي اللحظة التي يفشل في أدائها يجري رميه في أقرب مزبلة قريبة منهم، فلذلك يتسابقون، ولكلٍ منهم دور، ولكن هذا الدور كان متكاملاً بين الوهّابية والإخونجية، لأنّ الوهّابية كان مطلوب منها بالأصل صهينة القواعد الإسلامية، وصهينة عامة الناس وفقراء الناس وبسطاء الناس والمؤمنين من الناس، وحتّى الإخونجية فقواعدها تؤخذ من البيئات الفقيرة ومن البيئات البسيطة ومن البيئات المؤمنة، ولكن قيادتها وكوادرها هي قيادات سياسية، تؤخذ من المطارح الخبيثة المرتبطة بالخارج، والتي تنفّذ خططاً سياسية خارجية هي تدركها جيداً، وتعرف هدفها وغايتها، وهي تقوم بها مقابل مكاسب مادية وسلطوية، حتى ولو كان ليس على حساب الإسلام فقط، بل وعلى جثة الإسلام والمسلمين، ولذلك هنالك تكامل ما بين الوهّابية والإخونجية، وبالمناسبة هناك مسألة لا أعرف إذا كان الناس يعرفونها جيداً، وهي أنّ وزير المستعمرات البريطاني قبل أن يصبح رئيساً لوزراء بريطانيا، وهو من أشهر رؤساء وزراء بريطانيا، هو ونسون تشرشل، قال في العشرينيات من القرن الماضي: (إنّ أفضل استثمارة لنا في هذا العالم الإسلامي، هي الوهّابية، فسئل لماذا؟؟ فقال: لأنّها تلغي عقول الناس، وتصرفهم عن مواجهة التحديات الكبرى، وتغرقهم في مواجهة التفاصيل والجزيئات والسفاسف والتفاهات الصغيرة) وهذا ما حدث حقيقةً، فالوهّابية لا تبحث عن القيم الكبرى في الإسلام، كقيم المحبة وقيم التسامح وقيم التعاون وقيم الإخلاص وقيم الوطنية، بل هي تبحث عن طول الذقن وعن طول اللحية وطول الرداء، والتحرّك بالقدم اليمنى والقدم اليسرى، وما إلى ذلك من أمور صغيرة، لا تمتّ إلى الدين الإسلامي بصلة، ووزير المستعمرات البريطانية في ذلك الحين ونستون تشرشل هو نفسه الذي قال: لا تكفينا الوهّابية، فهو صاحب فكرة جماعة الإخوان المسلمين، حيث قال: (الآن قد تداعت الدولة العثمانية، وبالتالي ما كان يسمّى خليفة قد انتهى، ويجب علينا أن نوجد صيغة جديدة، وهذه الصيغة يجب أن تؤمّن لنا كإمبراطورية بريطانية عظمى، سيطرة سياسية وتنظيماً سياسياً، وهذا التنظيم يكون أداة لنا في المستقبل ليتكامل مع الوهّابية التي تلغي عقول عامة الناس، وهؤلاء يجب أن يكونوا من خاصة الناس ليتكاملوا مع الوهّابية، لتحقيق غايتنا السياسية في المستقبل، وهذه الحركة يجب أن تبدأ كحركة دعوية) وهي بدأت فعلا كحركة دعوية، ولكن سرعان ما تحوّلت إلى حركة إرهابية ثم إلى حركة سياسية، إلى أن وصلت كما تذكرين منذ سنتين في مصر واستلمت السلطة.
س (3): إذا لا بدّ من العودة إلى التاريخ كي يُفهم ما يجري اليوم في منطقتنا.. لو أردنا تفنيد التحديات التي تواجهها هذه المنطقة (إسرائيل – داعمو إسرائيل – وأدوات إسرائيل)؟؟.
ج: أدواتها في الحقيقة هي: الوهّابية بالدرجة الأولى، والإخوان المسلمين بالدرجة الثانية، والمتصهينون الأعراب بالدرجة الثالثة من أدعياء الثقافة ومن أدعياء الفكر ومن أدعياء الإعلام ومن أدعياء الفن ومن أدعياء هؤلاء منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الذين يمولون تمويلاً خارجياً، هذا تحدٍ ليس سهلاً، أنتم تعلمون كإعلاميين دور الإعلام الكبير في هذا العصر، وبالتالي استطاع المحور الصهيو- أمريكي عبر مرتزقته في مهلكة آل سعود وفي مشيخة في قطر أن يمتلك حوالي90% من الإعلام العربي الموجود في هذه المنطقة، المقروء والمرئي والمسموع، وخصص لذلك مليارات الدولارات،هذا تحدٍّ خامس لا يجب علينا أن نستهين به، والتحد السادس الذي قد لا يكون الأخير هو صهاينة الداخل، فصهاينة الداخل موجودون في كل بلد عربي، وهم موجودون لدينا في سورية، موجودون بمعنى أنهم – كما يقول المثل الشامي - : (الشمس طالعة والناس قاشعة) فقد أصبح كل شيء واضحاً، فمعروف مَن هو العدو ومَن هو الصديق، معروف ما هو حجم هذه الحرب الكونية الصهيو- أطلسية – الوهّابية – الإخونجية – السلجوقية – الإرهابية التي تُشنّ على سورية، وبالتالي لا يحقّ لأحدٍ أن يقف موقفاً محايداً من هذه الحرب، مَن يقف موقفاً محايداً من هذه الحرب، يضع نفسه شاء أم أبى في خانة أعداء الشعب السوري، فكيف لمَن انّخرط في خندق هذه الحرب، وأخذ يبرّر لهم، ويسمّيها تارةً ثورة وتارة انتفاضة وتارة ربيعاً عربياً وتارة حراكاً سياسياً وتارة حراكاً اجتماعياً ما إلى ذلك، هؤلاء إذاً هم تحدٍّ لا يجب الاستهانة به ولا القفز فوقه.
س (4): العدو الأساسي والحقيقي (إسرائيل)، هناك محاولات لحرف البوصلة عن هذا العدو الحقيقي، فقد شاهدنا بكل ما جرى في سورية، في الثلاث سنوات التي مضت، فماذا تقول في هذا؟؟.
ج: الحقيقة كما قلت في مطلع حديثي، إسرائيل عدوٌّ واضح، ولكن مَن الذي عمل على استبدال العدو الإسرائيلي بعدوٍّ آخر، مرّةً العدو الفارسي، ومرةً العدو الصفوي، ومرةً حزب الله، ومرةً حزب البعث، ومرةً العلمانية، ومرةً القومية العربية، ومرةً جمال عبد الناصر، ومرةً حافظ الأسد؟؟، هو الوهّابية والإخونجية ومفرزاتهما واشتقاقاتهما، هذا التنظيمان الاستعماريان البريطانيان اللذان انتقلا بالرتبة والراتب، من الحضن البريطاني الذي صنّعهما وخلّقهما، انتقلا إلى الحضن الأمريكي، فالآن يقومان بالدور المطلوب صهيو – أمريكياً، لتزوير وحرف الصراع في هذه المنطقة، لكي تبقى إسرائيل في أمان واطمئنان، ولكي يستطيع الصهاينة الإسرائيليون والصهاينة الأوربيون والصهاينة الأمريكيون، تحقيق غايتهم من حيث قدرتهم في الهيمنة على هذه المنطقة وعلى ثرواتها وعلى مقدّراتها وعلى شعوبها وعلى أبنائها، وبالتالي إفساح المجال لكي يتمكن ستة ملايين يهودي يعيشون في فلسطين المحتلة، من الهيمنة على ثلاثمئة وخمسين مليون عربي، هذا هو دور الوهّابية والإخونجية، هم يريدون تزوير الصراع، يريدون أن نفتح معارك بيننا كمعارك داحس والغبراء، فقد كنّا نتصور في الأوّل بأنّ مثل هذه الأمور قد لا تحدث، ولكنها الآن قد حدثت، فالمعارك التي خلقها وخلّقها وأوجدها الوهّابيون والإخونجيون ومفرزاتهم، - بالمناسبة أؤكّد على الوهّابية والإخونجية ولا أقف طويلاً عند مفرزاتهما من القاعدة إلى طالبان إلى النصرة إلى داعش، لأنّها عبارة عن بنات وأحفاد لهما -، علينا أن نسمّي الأشياء بمسمّياتها، فالخطر الكبير هو الوهّابية، فالوهّابية هي (الإسلام) المتصهين، لأنه لا يمكن للإسلام الحقيقي أن يتصهين، إذاً فهؤلاء هم متأسلمون صهاينة، والإخونجيون هم كذلك، فهم يريدون تزوير الصراع وأن يجعلوا من إيران عدوّاً، والآن يجري العمل لكي يجعلوا من إيران عدوّاً، ويقومون بالعمل لجعل حزب الله عدوّاً، ويقومون بالعمل لجعل سورية الأسد عدواً، ويقومون بالعمل لجعل العراق عدواً بعد أن خرج المستعمر والمحتل الأمريكي منها ، هم يريدون شيطنة رئيس الوزراء نوري المالكي، لأنه لم ينضِو تماماً في المخطط الأمريكي بعد أن خرج المحتل الأمريكي،ولأنه حاول أن يتخلص شيئاً فشيئاً من التبعات التي قد تركها له المحتل الأمريكي، أنا أضحك أحياناً عندما أسمع البعض يقول بأنّ المالكي قد جاء على ظهر دبابة أمريكية، ولذلك هم لا يريدونه، والذين يقولون مثل هذا القول هم الذين منذ أن ولدتهم أمهاتهم وحتى يصلون إلى قبورهم وهم يعيشون في الحاضنة الأمريكية، فهم يطالبون بإيّاد العلّاوي، وكأنّ إيّاد العلّاوي جاء على قاطرةٍ سوفيتية، أو على قاطرة كوبية، بالنسبة لهم المعيار هو مَن ينخرط في المخطط الصهيو-أميركي أو مَن يتربع في الحضن الصهيو- أميركي هذا مسلم كامل الإسلام، حتى ولو كان أعدى أعداء الله، أمّا لو كان مسلماً كامل الإسلام وغير مرضي عليه أمريكياً، وغير مرضي عنه صهيونياً، فبالتالي هذا إنسان كافر جاحدٌ ملحدٌ مارقٌ صفويٌ رافضيٌ, سمّيه كما تشائين، فهذا يخرجوه خارج الإسلام، ثم مَن الذي منحهم حق تصنيف الإسلام والمسلمين؟!، وهذا كافر وهذا غير كافر، وهذا يجوز إقامة الحدّ عليه، وهذا لا يجوز، وهذا مسلم وهذا غير مسلم!!، فعلى حدِ علمنا بأنّ النبوة انتهت مع سيدنا محمد ابن عبد الله (ص)، وعلى حدِّ علمنا بأنّ هناك يوم للحساب، يحاسب الله فيه عباده، { فمَن يعمل مثقال ذرّة خيراً يرْه، ومَن يعمل مثقال ذرّة شراً يرْه } فمَن فوّض الإخوان المسلمين ومَن فوّض الوهّابيين بذلك؟؟!!، وبالمناسبة هؤلاء الذين يتكلمون عن الأقلية وعن الأكثريات، هم جميعا الذين يتكلمون ذلك، في أنظمة ومحميّات الغاز والكاز جميعها، لا يوجد نظام يمثّل أكثر من واجد بالألف، وليس بالمئة من مجتمعه الموجود، ومع ذلك يمتلك البلاد والعباد والأرض وما فوقها وما تحتها، ثم يتحدث عن الأقلية والأكثرية، هو يريد أن يجعل من الأقليات السياسية ومن الأقليات الاجتماعية ومن الأقليات الثقافية، أقليات دينية ومذهبية، لكي يزوّر الحقائق، ولكي يضفي على نفسه طابعاً هو لا يتمتع به مطلقاً، فالوهّابية السعودية – كما قلت – هي شكل آخر للصهيونية، وبالتالي هؤلاء الذين امتلكوا البلاد والعباد والأرض ما فوقها وما تحتها، واحتلّوا الديار المقدّسة في مكّة والمدينة، واحتلّوا الكعبة وجعلوا منها, كأنّها حديقة خلفية لهم، فيقبلون مَن يريد أن يذهب إلى الحج، ويمنعون مَن لا يريدون أن يذهب إلى الحج، وكأنّ بيت الله هو ملكٌ لهم، فهؤلاء لا يمثلون شيئاً من الإسلام ولا يمثلون شيئاً من العروبة، وضعوا الإسلام بعد أن عملوا على مصادرته، في مواجهة العروبة، فنجن الأمّة الوحيدة في هذا العالم، التي وضِع دينها في مواجهة قوميتها وفي مواجهة شعوبها، فكل أمم العالم بمَن فيهم الأتراك وحتى الإيرانيون، وضعوا دينهم في خدمة شعوبهم وفي خدمة قوميتهم، إلّا نحن بفضل ( الوهّابية والإخونجية) وضعوا الدين الإسلامي في مواجهة القومية العربية وفي مواجهة الشعوب العربية، ووضعوه في خدمة الاستعمار القديم وفي خدمة الاستعمار الحديث، وفي خدمة إسرائيل، وفي خدمة المشاريع الصهيونية، وفي خدمة الفتنة، لماذا؟؟ لأنّ المعلّم الأكبر الصهيو- أمريكي، أسند لهم هذا الدور، وبقاؤهم على عروشهم وكروشهم وقروشهم، مناط بتنفيذ هذا الدور، وفي اللحظة التي يفشلون فيها في تنفيذ هذا الدور سوف يجري الاستغناء عنهم.
س (5): طالما أنّنا نريد تسمية الأسماء بمسمّياتها، فدعنا نتحدّث عن نجاحهم في تزوير الصراع العربي – الصهيوني، وحرفه عن مساره الصحيح، فكيف نجحوا في تزوير هذا الصراع؟؟ أين هي الثغور التي دخلوا منها؟؟ فهم يتحدثون عن ديكتاتوريات، عن فساد، عن استبداد، عن تبعية، ما إلى ذلك، فطق كي نضع يدنا على الجرح تماماً ونداويه.
ج: يا سيدتي إنّ الهشيم موجودٌ في كل مكان على وجه الأرض، والهشيم الموجود في منطقتنا هو هشيم طائفي ومذهبي بالدرجة الأولى، وأزعم أنّه في كل مكان على وجه الأرض، حتى في أرقى دول العالم وأكثرها تطوراً كالبلدان الاسكندينافية يمكن أن يتم إشعال هذا الهشيم، عندما تقدح الشرارة، وعندما يجري صب مئات- فكيف بآلاف أو مئات الآلاف أو ملاين - صهاريج الكاز والغاز والبترو- دولار عليها، فقد نجحوا في سورية نسبياً لماذا؟، لأنّ سورية هي البلد الوحيد التي أشعلوا النار فيها، وبدلاً من أن تستخدم الإطفائيات، جرى استخدام صهاريج الغاز والكاز والبنزين لإشعالها، هذا إقليمياً ودولياً.. بينما في البلدان الأخرى وفي الأقاليم الأخرى جرى محاولة تطويقها، وجرى استخدام الإطفائيات، وجرى استخدام الماء لإطفاء الحريق، لماذا؟؟ لأنّ سورية الأسد هي شوكة في حلوقهم، فسورية الأسد منذ عام 1973 وهي تقاتل لكي يبقى رأس العرب شامخاً، فهي تقاتل وتناضل لكي لا تصفّى القضية الفلسطينية، هي تقاتل وتناضل لكي لا يتحول هذا الشرق إلى جرمٍ يدور في فلك المحور الصهيو-أميركي، فأنت تعرفين بأنّ إسرائيل استطاعت بمعونة أمريكية وأوربية أن تقيم اتفاقيات ثلاثة، سمّتها اتفاقيات سلام، والحقيقة ليس فيها من السلام إلّا الاسم، فهي اتفاقيات إذعان، لكنها لم تستطع أن تجبر سورية الأسد على اتفاقية إذعان، فسورية أصرّت إلّا أن تأخذ حقوقها كاملةً، وأصرّت بأن لا تفرّط بالحق الفلسطيني، وقالت بأنّ الحق الفلسطيني هو جوهر الصراع في هذه المنطقة، وبالتالي حتى الجولان قد أُحتل دفاعاً عن القضية الفلسطينية، فحتى لو عاد الجولان وحده، ولم تحل القضية الفلسطينية، فحتى هذا الحل الذي يجري الحديث عنه، والذي أقرّته قرارات الشرعية الدولية 242 و 338، والتي نقول عنها أنّها قرارات عادلة، فالحقيقة أنّها تمتلك الحد الأدنى من الحد الأدنى من العدالة، ومع ذلك قبلت بها الدول العربية، وقبل بها النظام العربي، لكن الإسرائيليين رفضوا ذلك، يعني كما يقول المثل العامي – رضينا بالبين والبين ما رضي فينا – فنحن رضينا بشكل أو بآخر، أن نقيم اتفاقيات سلام مع إسرائيل، على أن يعود ما تبقّى من الأرض الفلسطينية 22% وأن تعود القدس الشرقية، ولكن الإسرائيليين رفضوا ذلك، ومع ذلك بقيت الإخونجية وبقيت الوهّابية، فربما لو تكلمنا هذا الكلام منذ سنتين أو ثلاثة لوجدنا البعض يقول (يا أخي أنتم تظلمون، فهؤلاء الوهّابيون هم حركة إصلاحية، والأخوان المسلمون – كما يقال في مصر دول بتاع ربنا – فلا تقترب منهم) وخاصة بأنّ هناك ثلث المجتمعات العربية هي أميّة، ولذلك فهناك الكثير من الغيبيات وكثير من الخرافات التي يمكن أن تنطلي عليهم، بالإضافة إلى قيام الإخوان المسلمون بتوزيع الكثير من المساعدات لأسباب سياسية لا علاقة لها بالإيمان ولا بالدين، لذلك فهم يستطيعون أن يستخدموا الدين سُلَّماً لكي يحققوا غاياتهم، ولكن النقطة الأساسية التي أريد أن أقولها وأؤكّد عليها، فبرغم كل هذه التباينات الطائفية والمذهبية، ورغم كل هذا الهشيم – طبعاً هذا الهشيم الموجود في منطقتنا وفي هذا المشرق، هو كما قلت هشيم طائفي ومذهبي، ولكنه في بعض المناطق الأخرى كالمغرب العربي مثلاً، هو هشيم قبلي وعشائري، وقد يكون جغرافياً، وفي مناطق أخرى قد يكون هشيماً إثنياً وقد يكون عرقياً – وعلى الرغم من وجود هذا الهشيم لدينا، إلاّ أنه لا يشكّل حسب قناعتي أكثر من 10% من العامل الحقيقي الذي استطاعوا أن يستندوا عليه لإشعال هذا الحريق، و 90% منها هو سببه البترو – دولار.
س (6): في سورية تحديداً، هل هوجمت وحوربت لسلبياتها، أم حوربت لإيجابياتها ومحاسنها؟؟.
ج: لقد تكلمت عشرات المرات في هذه النقطة، فقد كنت أقول لهم في الأردن بأنّ سورية لم تهاجم لسلبياتها، ولا يوجد مكان في العالم ليس فيه سلبيات، إلّا في الجنة، أمّا على وجه الأرض فكل دولة فيها سلبيات، والسلبيات هي حسب نوع التركيبة الاجتماعية الموجودة، فسورية هوجمت لإيجابياتها، فلو كانت سورية تابعة كبقية الدول الأخرى، لما هوجمت، ولجعلوا منها قبلتهم، فكل ما جرى ويجري من حرب كونية إرهابية- وهّابية- إخونجية – سلجوقية على سورية، سببها هو جعلها تابعة، بدلاً من أن تكون مستقلةً، ولذلك هم يريدون تخليصها هذه الميزة وهذه المزية، ويريدون إلحاقها بركب التبعية الدائر في فلك المحور الصهيو- إسرائيلي الموجود في هذه المنطقة، أما الصهيو- وهّابية والصهيو-إخونجية، فهؤلاء حقيقةً مهما انتفخوا ومهما تورّموا، ليسوا أكثر من أدواتٍ وليسوا أكثر من توابع تنفذ المخططات الصهيو- أمركيية، ولكن أؤكّد على نقطة بأنّ السبب الأساسي والأكبر والأهم في تحريك ما جرى وفي إشعال هذه النار، هو عشرات مليارات الدولارات التي دُفِعَتْ. وهنا نقطة لابُدّ لي أن أذكرها، فعندما حدثت الثورة الإيرانية عام 1979، جنّ جنون الولايات المتحدة الأمريكية، وجن جنون الاستعمار الأطلسي، وجن جنون المهلكة الوهّابية السعودية، لأنّه جاء إسلام تحرري، جاء إسلام غير تابع، جاء إسلامٌ مستقل، فحاول عندئذ أن يلصقوا به تهمة المذهبية، وكأنّ إيران قبل الثورة لم تكن شيعية!!، فإيران قبل الثورة هي نفسها بعد الثورة، وكأنّ شاه إيران لم يكن شيعياً!!، فشاه إيران كان شيعياً، ولكن لأنه كان يمتلك بطاقة توصية من العم سام الأمريكي، ولأنّ لديه شهادة حسن سلوك من إسرائيل، فلذلك كان بنظرهم مسلماً كامل الإسلام وكامل الإيمان، أمّا الإمام الخميني الذي قاد الثورة الإيرانية التي أغلقت السفارة الإسرائيلية وسلّمتها لفلسطين، والثورة الإيرانية التي أعلنت بأنّ الاستعمار الأمريكي هو الشيطان الأكبر، والثورة الإيرانية التي وقفت مع القضية الفلسطينية، والثورة الإيرانية التي وقفت مع حركات التحرر العربية والعالمية، فَدُقَّ جرس الإنذار لدى نواطير الغاز والكاز في السعودية، فَطُلِبَ من سفهاء آل سعود بأن يقفوا مباشرة في وجه هذه الثورة الإيرانية، ووقفوا عبر أمرين، أوّلاً: تخصيص خمس مليارات سنوياً منذ عام 1980، أي بعد نجاح الثورة الإيرانية مباشرة، لكي ينشروا ما سمّوه الفكر الوهّابي، والحقيقة هو الكفر الوهّابي وليس الفكر، في بلدان العالم الأخرى، وهناك كتاب لبروفيسورة من الجزيرة العربية اسمها مضاوي الرشيد، تدرّس في الجامعات البريطانية، ألّفت كتاباً تقول فيه بأنّه منذ عام 1980 حتى عام 2005، صرفت السعودية حوالي مئة مليار دولار في بلدان العالم لكي تنشر الوهّابية، وأنا أزعم بأنّ حصتنا في سورية كانت مليارات كثيرة، حتى أنشؤوا قاعدة وهّابية، وكانت قاعدتهم الوهّابية في الضواحي وفي بعض المدن الطرفية الفقيرة، ثم جرى التزاوج والتعاون بين الإخونجية والوهّابية حسب أوامر Bigg Boss الصهيو-الأمريكي، وجرى التعاون على هذا الأساس، فلماذا لم تنجح الصهيو- وهّابية - الإرهابية في حلب وفي دمشق؟؟، ولماذا عاقبوا حلب عقاباً لم يحدث مثله في التاريخ؟؟، ولماذا حاولوا أن يغزو دمشق؟؟، ليس فقط لكي يسقطوا (النظام) كما كانوا يقولون، حاولوا عقابهما عقاباً رادعاً،لأنّ لديهما إسلام متنوّراً معتدلاً عبر التاريخ، وبالتالي ليس للوهّابية والإخونجية دورٌ كبير فيهما، نعم إنّها موجودة، ولكن بشكل بؤري وبشكل نقطي هنا وهناك، ولكن الغالبية الساحقة من هاتين المدينتين العظيمتين تاريخياً، وهما أقدم مدينتين في التاريخ (دمشق وحلب) فلم يستطيعوا التغلغل إليهما والسيطرة عليهما، ولذلك يقوموا بمعاقبتهما بأمرٍ صهيو-أمريكي، فالسعودية تنفّذ ما تؤمر به، وبالعودة إلى السؤال فإنّ هذه البتوردولارت هي المحرّك الأساسي لكل ما يجري من هذا الربيع الصهيو- أمريكي، الذي سمّوه ربيعاً عربياً.
س (7): نعم إذن إنّ سورية تحارب لإيجابياتها وليس لسلبياتها، ولكن لابُدّ من الحديث على ما قالوه وهاجموا سورية من خلاله، وجاءتهم الإجابة حاسمة من خلال الانتخابات الرئاسية التي أسقطت كل رهاناتهم، ولكنّهم يهاجمون سورية ويقولون بأنّ هناك استبداد أمني، وفساد إداري وما إلى ذلك من تهم، فما هو ردّكم؟؟.
ج: هل يحق لآل سعود أو لآل ثاني، هؤلاء الذين باعوا أنفسهم وشرفهم ووطنهم وإسلامهم وعروبتهم، أن يتحدثوا عن استبداد أو فساد في سورية!َ!، عندما تكون هناك صفقة كصفقة اليمامة، هذه الصفقة التي كانت بحوالي مئة مليار دولار،وبطلها هذا اللقيط بندر بن سلطان، وكانت عمولتها ثلاثين مليار دولار، وحتى عندما تتحدّث الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يقولون عنها بأنّها أول وأكبر بلد ديمقراطي في العالم، واعتقد بأنك سمعتي ما قام به مادوف، مادوف هو نصّاب يهودي استطاع أن يختلس ستين مليار دولار، ومعه رموز كبيرة في الإدارة الأمريكية، ومع ذلك لم يتحدث عنه أحد، إلّا لماماً، وجرى لفلفة الموضوع، فأيّ بلد عربي فيه فساد واستبداد أكثر بكثير من سورية، ولذلك لا يحقّ لهؤلاء ولا لغيرهم أن يتحدثوا بذلك، فهم لا يقاتلون سورية من أجل الفساد والاستبداد، لأنّهم هم رموز الفساد والاستبداد، فهم يقاتلونها لأنّها – كما قلت – مستقلّة بقرارها ولأنّها صاحبة كرامة، ولأنّها لا تستسلم ولأنّها ترفض أن تسلّم ولأنّها ترفض أن تكون تابعة، ولأنّها ترفض أن تكون بيدقاً في المنطقة، ولأنّها وطنية، ولأنّها قومية، ولأنّها مقاومة، ولأنّها ممانعة، ولأنّها علمانية ، ولأنّها مدنية، نعم مدنية، هم يحاولون أن يتحدثوا دائماً، ويقولون عن العسكريتارية، هذه الكلمة العسكريتارية هي كلمة خبيثة، فهم يريدون تشويه الجيوش الوطنية، ويريدون التركيز على الجيوش الوطنية، وليس فقط في سورية، بل أيضاً في مصر وحتى في الأردن، لماذا؟، لأنّ الجيوش الوطنية هي العمود الفقري للوحدة الوطنية، وللتلاحم الوطني، ولذلك كما تتذكرين منذ اللحظات الأولى للحرب الكونية الصهيو- وهّابية الإرهابية على سورية، سمّي الجيش الوطني السوري الذي مضى عليه سبعون عاماً، وخاض أربعة حروب، سمّي (كتائب الأسد) وأحياناً (عصابات الأسد) وبينما مجموعة من المرتزقة الفارين الخونة سمّوا (الجيش الحر) وأنا أسميه الجيش الهر، فهذا الجيش الهر بشكل أو بأخر صار بالنسبة لهم هو الجيش المعتمد، ولذلك يجري التركيز على الجيش لأنّهم يعرفون أنّ سقوط الجيش، يعني سقوط الدولة، وسقوط الدولة، يعني دخول المجتمع في حرب تبدأ ولا تنتهي، فإذا كانت حرب داحس والغبراء قد استمرت أربعين عاماً فقط، فإنّ الحروب المطلوبة لدينا في هذا الشرق، وخاصة في قلب العروبة النابض، مطلوب أن تستمر من الآن وحتى قيام الساعة، لماذا؟ لأنّ إسرائيل بعد أن حقّقت حلمها الأوّل، أو المرحلة الأولى من حلمها، فهي تريد أن تعلن يهوديتها، بمعنى أنّ يهودية إسرائيل تقتضي أن يكون حولها نفرٌ من الدويلات المتصارعة المتناحرة عبر عشرات السنين، وتكون هي المحرّك لهذا ضد ذاك، والداعم لذاك ضد هذا، وبالتالي يخرج العرب من الجغرافيا ومن التاريخ إلى أبد الآبدين، ويكون هناك سايكس بيكو ثاني، سايكس بيكو الذي قسّم العرب إلى 22 دولة، فمطلوب الآن أن ينقسموا إلى 122 دويلة وكياناً، وأن يكون في كل حيٍّ وفي كل شارع إمارة طالبانية تتصارع مع الإمارات الطالبانية الأخرى، والآن صار اسمها إمارات داعشية، وكما قلت لا تهمنا التسمية، لأنها تسميات فرعية، ويجب علينا العودة إلى الأساس، فنقول بأنّها إمارات ومشيخات وهّابية، لأنّ الوهّابية هي الأساس في مصائب هذه الأمة العربية، وهي العدو الدائم الآن للإسلام وللعروبة، يعني أستطيع أن أقول وبكل ثقة، أنّ العدو الأوّل للأمة العربية، والعدو الأوّل للإسلام المحمدي القرآني، والعدو الأوّل للمسيحية المشرقية المتجذّرة في هذا الشرق، هي أوّلا الصهيونية العالمية، وثانياً الوهّابية السعودية التلمودية، وثالثاً الإخونجية البريطانية، وإذا لم يفكّر العرب على هذا الأساس، فسوف يلقون مستقبلاً لا يسرّهم، فالوهابية والإخونجية كالسرطان الذي يتغلغل داخل الجسم، قد يسأل البعض كيف يمكن أن يتصارعوا مع بعضهم البعض، وهناك معلّمٍ واحد لهم، سأعود بك إلى التاريخ إلى عام 1929، بعيد إنشاء حركة الإخوان المسلمين، حيث لم تكن قد ظهرت حركة الإخوان المسلمين،أو كانت في بداياتها, وكان الملك عبد العزيز ابن سعود، لم يكن قد أعلن تسميته للمهلكة العربية السعودية بالاسم الحالي، حيث أعلنها في عام 1932، فقد كان مَن يقاتلون معه اسمهم الإخوان، وهم شبيهون بالإخوان المسلمون الآن، وبعد أن قاتلوا معه وخاضوا معركة حاسمة وفاصلة، دفاعاً عنه ومعه لتحقيق مملكته، فقد صفّى الآلاف منهم في معركة طاحنة، ولم يبقِ منهم إلّا أقل القليل، فهؤلاء كالسرطان الذي تأكل خلاياه بعضها بعضاً في سياق زعزعة النسيج الاجتماعي وتهديمه، ولذلك من الطبيعي أن يشتبكوا مع بعضهم. هم كانوا في البداية يحاولون أن يظهروا المسألة وكأنها صراع طائفي وصراع مذهبي، ولكن تبيّن فيما بعد وأثبتوا بأنهم ليس فقط أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد وأبناء الوهّابية الواحدة وأبناء القاعدة الواحدة، ومع ذلك ذهب في ما بينهم من قتلى، أكثر بكثير مما ذهب بينهم وبين خصومهم، لأنّهم يتقاتلون على النفوذ ويتقاتلون على المال والغنائم، فهؤلاء لا يمتلكون عقولاً، بل تقودهم غرائزهم، فمَن يمتلك العقل هو Big Boss الصهيو- أميركي، الذي يديرهم بالريموت كونترول، ويخطئ مَن يظن أنّ الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تتخلّى عن هذه التنظيمات الإسلاموية الإرهابية في يومٍ ما، يخطئ مَن يظن أنّ الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تحارب الإرهاب، فهي تحاربه في حالةٍ واحدة، عندما يخرج عن النص، وعندما يخرج عن النص، تقرر إمّا استبدال قادته، أو تغيّيره بأشكال جديدة، فيبقى المضمون واحداً، ولكن يتغيّر الأمبلاج، ويتغيّر الشكل، وتتغيّر التسمية، لماذا؟؟، لأنّه أرخص استثمارة للأمريكي في هذا العالم، لا تكلّفه دولاراً واحداً، ولا تكلّفه جندياً واحداً، ولكن الأهم من ذلك بأنّهم أهم سلاح إستراتيجي بيده، ليحقق له ما عجز عنه مئة وخمسون ألف جندي وضابط أمريكي في العراق، فالآن تحقق لهم الوهّابية السعودية، المسمّاة (داعش) في العراق، ماعجز عنه المئة وخمسون ألف جندي أمريكي، من حيث العمل على وضع العراق على سكة التقسيم شبه النهائية، (إن استطاعوا ذلك)، فلذلك لن يتخلوا عن هذا الرصيد الإستراتيجي في يومٍ من الأيّام، ولذلك يقومون بتبديل شكله وقيادته وأمرائه بين حيٍنٍ وآخر، ومن الطبيعي أنّهم لن يعترفوا بذلك، فهم الذين يوجّهون، وصندوق المالي السعودي، هو الذي يموّل، وبالتالي حتّى داعش، فهل تعلمين متى أُنشئت داعش؟؟، أنشئت عام 2006 في الأردن، بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي، فبعد مقتله قامت الإدارة الأمريكية بتوجيه الأوامر لقوّات المارينز لكي تقيم معسكرات على الأرض الأردنية، أنشأت فيها داعش في ذلك الحين، وكان اسمها دولة الإسلام في العراق والشام، ومختصرها داعش، فهم بحاجة دائماّ لأن تكون هناك منظمات إرهابية جاهزة للاستخدام عند الحاجة وغَبّ الطلب، وهنا نقطة أساسية لابدّ من إيضاحها، لماذا قام العام سام بإعادة تغذية وتقوية هذه الحركات الإرهابية؟؟، رغم تطاول بعضها أحياناً عليه وخروجها عن النص، كما حدث في 11 أيلول 2001، وكما يحدث أحياناً عندما ضربت في السعودية أو في أوربا، لماذا؟ لأنّ الولايات المتحدة الأمريكية ترسم الإستراتيجيات، وهذه الحركات تقوم عبر أمرائها وشيوخها وعبيدها، بالتكتيك والعمل اليومي، وأحياناً عندما ينتفخون أكثر من اللزوم، ويتصورون أنّهم أصبحوا شركاء لأسيادهم، ويمدّون يدهم إلى الخرج، وعندما يضعون يدهم على الخرج، يجري قطع يدهم، فإذا كان هذا التنظيم الإرهابي قد تورّم أكثر من اللزوم، يجري استئصاله، ثم يجري استيلاد واستنساخ تنظيمٍ إرهابيٍ جديد، ليقوم بالواجب، لكن المهم في هذا الأمر، هو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قرّرت منذ عام 2002، أن تسلّم هذه المنطقة بالضبّة والمفتاح لتنظيمات خُوّان المسلمين، لماذا؟ لأنّهم تنظيم سياسي، فهي قد قرّرت ذلك قبل دخولها إلى العراق، وعندما احتلّت العراق، زادت إصراراً على تسليم المنطقة لهذه التنظيمات، وبدأ تنفيذ هذه الخطة منذ عام 2006، حيث بدؤوا بإعداد المناخ، و بدؤوا بالحديث عن مناخ ملائم وتربة ملائمة وحاضنة ملائمة...إلخ، فكما قلت سابقاً فالهشيم موجود في كل مكان، ولكن الخطة فعلاً كانت موجودة لتسليم المنطقة لتنظيمات خُوّان المسلمين، لأنّهم مضمونون من قِبَلِ المعلّم الأمريكي - بعد انتقالهم من الحضن البريطاني إلى الحضن الأمريكي-، فيستطيع الأمريكان بعدها أن (يأخذوا راحتهم) ويذهبون للتفرغ لشرق آسيا، لأنّ العدوّ القادم والخطر القادم على هيمنتهم الأحادية على العالم، كانت هي الصين أوّلاً، وروسيا البوتينية ثانياً، فذلك لأنهم هم يضمنون أنّ حركات خُوّان المسلمين عندما تصل إلى السلطة في هذه المنطقة، سوف تقيم الصلح مع إسرائيل، بالشكل الذي تريده إسرائيل، وسيجدون لذلك الفتاوى المطلوبة، والتخريجات المطلوبة، والتفسير المزوّر للآيات المطلوبة، واصطناع الأحاديث النبوية المطلوبة، ثم يتحدّثون عن صلح الحديبية، وما إلى هنالك، وقد أثبت ذلك محمد مرسي العيّاط، عندما حافظ على اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، وعندما خاطب صديقه العظيم شمعون بيريز، وبالتالي مَن كان يشكّ بأنّ هؤلاء ليسوا خُوّان المسلمين، تأكّد له بالدليل القاطع بأنّهم فعلاً خُوّان المسلمين، وبأنّهم لا يمتلكون من الإسلام إلّا الاسم، وقد فشل هذا المخطط، وبالمناسبة فإنّ هذا المخطط هو ترجمة حرفية دقيقة وأمينة للفوضى الخلّاقة، (Creative Chaos)، وأنا استغرب أحياناً عندما يُغْرِق البعض أنفسهم في إيجاد تفسيرات لغوية لهذا المصطلح، فليس مهماً معرفة ما هو معنى هذا المصطلح، بل المهم هو معرفة ترجمة هذا المصطلحعلى الأرض، باختصار شديد ومفيد، إنّ الفوضى الخلّاقة تعني نشر الطائفية والمذهبية في هذه المنطقة، ونقطة على السطر، فكل اجتهاد آخر لا يعطينا شيئاً إضافياً جديداً، فقد بدأ تنفيذ هذه الفوضى الخلّاقة في 17/12/2010 في تونس، وانطلقوا من هناك، وكانت تونس الحلقة الأولى، ثم في مصر، ثم في ليبيا، فاليمن، والغاية هي أن يصلوا إلى قلب العروبة النابض، لأنّ تلك الدول في الأصل، تسير في الحضن الأمريكي، وبالتالي هم يريدون، أن يأتوا بالإخوان المسلمين، لكي يجدّدوا شباب النظام السياسي، لكي يتمكن من خدمتهم، لعقود عديدة قادمة، وكان المخطط الأمريكي بأنّ الإخوان المسلمين يستطيعون أن يقوموا بالمهمة المناطة بهم، ما بين طيلة عقدين إلى أربعة عقود، ولكن الصمود السوري الأسطوري، للشعب السوري العظيم، وللجيش العربي السوري العظيم، ولأسد بلاد الشام، الأسد بشّار، أجهض عليهم حساباتهم، وأفسد عليهم مخططاتهم، فهذا الصمود الأسطوري قد أعطى دفعة قوية للشعب المصري، واستطاع الشعب المصري المعروف بوداعته وبطيبته ورقتّه وبإنسانيته، الذي تحمّل رجلاً أمّياً كحسني مبارك ثلاثين عاماً، هذا الرجل الأمّي الذي كان يجلس ما بين ستة إلى تسعة أشهر في شرم الشيخ,سنوياً، وهو يمارس الرياضة والمسّاج ولعب البينغ بونغ، بينما تسعين مليون مصري، يعيش منهم قرابة العشرة مليون في المقابر، ومع ذلك هذا الشعب المصري الصبور المكافح، تحمّله ثلاثين عاماً، لكنه لم يستطيع تحمّل الإخوان المسلمين عاماً واحداً، ولا أقول ولا أبخس الشعب المصري حقّه، ولكن أؤكّد بأنّ الصمود الأسطوري للثلاثي السوري (الشعب والجيش والأسد) هو الذي أعطاهم هذه الثقة العالية بالنفس، حتى أزاحوا هذا الإخونجي الموجود على سدّة السلطة، وحتى أسقطوا هذا النظام، وكان الجيش الوطني المصري، يقف بالمرصاد لهؤلاء، ووقف مع شعبه، في المرّة الثانية، كما وقف مع شعبه في المرة الأولى.
س (8): سننتقل وإيّاك في حوارنا إلى محور جديد سعادة السفير، وهو الانتخابات الرئاسية، والانتصار الذي حقّقه السوريون، فما هي الرسائل التي وجّهها السوريون من خلال الانتخابات الرئاسية؟، حيث كان رهان الأعداء كبيراً على الانتخابات، إلّا أنّها أسقطت كل الرهانات، فقد كان هناك زحف بشري، تابعناه عبر الشاشات إلى السفارات السورية في معظم الدول، فحدثّنا إن سمحت عن هذا الرهان؟.
ج: يا سيدتي إنّ هذه الانتخابات قد فقأت أعين كل أعداء سورية، لماذا؟، لأنّه عندما خرجت الناس بالملايين، في الأيّام الأولى وفي الأسابيع الأولى من الثورة المضادة الصهيو-وهّابية، لتقف في وجه هذا الربيع الصهيو-وهّابي، وتفضح هذه الأدوات الإرهابية، فتحرّك الإعلام الغربي والإعلام الإعرابي، بمئات المحطات الفضائية وآلاف المواقع الإلكترونية، وآلاف الجرائد، وآلاف المجلات، ليقولوا أنّ هؤلاء أخرجتهم المخابرات السورية، هؤلاء أخرجهم الأمن السوري، هؤلاء حرس جمهوري ارتدوا لباساً مدنياً، وهؤلاء جيشٌ ألبسوه لباساً مدنياً، ومع ذلك وُجِدَ مَن يصدّقهم، لأنّ الإعلام كان يطرق على رؤوسهم ليلاً نهاراً، وبطبيعة الحال فالإعلام بالدرجة الأولى يحتاج إلى مالٍ كثير، وهناك لديهم ليس المليارات، بل عشرات ومئات المليارات من الدولارات، ولكن بعد أشهر عدّة ظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لكن بقي الرأي العام الغربي بشكل عام، والكثير من الرأي العام العربي (ليس أكثره، ولكن الكثير منه)، مضلّلاً، بسبب القصف المتواصل لهذا الإعلام، ولكن هذه الانتخابات كانت كما يقال: (قَطَعَتْ جَهيزَةُ قول كل خطيب)، فهم كانوا يشكّكون في الداخل، حتى قبل أن تحدث الانتخابات في الداخل في 3/6/2014، ولكن حدثت الانتخابات في الخارج، ففي لبنان زحف مئات الآلاف، وهؤلاء ممّن كان يعتبرهم التيّار الوهّابي اللبناني، الذي يسمّي نفسه 14 آذار، كان يعتبرهم رصيداً له، فتبيّن أنّ هؤلاء سوريون يريدون أن تقف الحرب على بلدهم، يريدون أن يقود الأسد بلدهم، لكي تخرج من هذه الحرب الإرهابية، التي تُشَّن عليه، لذلك ذهبوا بمئات الآلاف إلى السفارة السورية في لبنان، فقالوا إنّ حزب الله هو الذي أجبرهم، لا بل هو الذي هدّدهم!!، لكي يذهبوا للمشاركة في الانتخابات في السفارة السورية في لبنان، فقلت في ذلك الحين إذا كان في لبنان حزب الله، فهل في الأردن حزب الله؟!، لقد جاء إلى السفارة السورية في الأردن، على الرغم من طردهم للسفير قبل يومين من ذلك، لكي لا يكون موجوداً أثناء الانتخابات، فقد جاء عشرات الآلاف أيضاً، كردّة فعل من السوريين الموجودين هناك، وسأروي لك حادثة طريفة، كُتِبَت على الفيس بوك، ولن أذكر اسم كاتبها، فقد كتبها على صفحته ونشرها على صفحتي، يقول: قبل الانتخابات بيوم، جاءت عجوز سورية من أحد المخيمات في الأردن، وقالت له يا بني: أرجوك أن تأخذني إلى السفارة السورية غداً في يوم الانتخابات، لكي أنتخب، فقال لها: ولماذا أنت خائفة وممّا تخشين؟، فقالت له أخشى أن يعرف أولادي، فلا أريدهم أن يعلموا، فقال لها: (على رأسي يا خالة)، وذهب بها في اليوم الثاني إلى السفارة، ليشاهد أبناءها الثلاثة، ينتخبون في السفارة السورية في الأردن، فهي تخشى من أن يعرف أبناؤها، وأبناؤها يخشون من أن تعرف هي، والاثنان يخشون من أن يعرف مَن مَوّلهم، ويدّعي بأنّه يرعاهم في مخيمات اللجوء، التي هي معسكرات إرهابية، يجري إرهاب النازحين الموجودين فيها، إذاً هناك صحوة حقيقية لكل مَن كان، أو للكثيرين، أو لأغلبية مَن كانوا مضلّلين، وبالمناسبة هؤلاء هم بشكل أو بآخر مواطنون سوريون، والمواطن السوري حقّه الطبيعي، عندما يشعر بأنّه مخطئ، أن يعود إلى حضن وطنه الدافئ، وحقّه على قيادته أن تحتضنه وترعاه، واعتقد بأنّ حضن الوطن مفتوحٌ، لمَن هو موجود في الخارج، ولمَن هو موجود في الداخل، ويريد أن يعود إلى دفء الوطن، ولكن عندما قامت الانتخابات في سورية، وزحفت الناس بالملايين، لكي يشاركوا في هذه الانتخابات، حسمت الأمور، وعَرِفَ الغرب الأطلسي الصهيو-أمريكي، أنّ رهانهم على إسقاط الدولة الوطنية السورية، هو رهانٌ فاشل.
س (9): كيف لنا أن نستثمر هذه اللحظة؟، هذه الصحوة، فقد زحف المواطنون السوريون بالآلاف إلى السفارات السورية في الخارج، فكيف استثمارها والبناء عليها في الأيّام القادمة؟؟.
ج: يا سيدتي هناك حديث نبويٌ لسيّدنا محمد (ص) سيّد الخلق، بعد أن انتهى من أحد الغزوات، قال فيه: (الآن انتقلنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر). مع أنّ كلمة الجهاد قد أساء لها المتأسلمون كثيراً، لكن الجهاد يبقى من أساسيات الإسلام، بمفهومه الإسلامي، وليس بمفهومه المتأسلم، فالحرب الساخنة حقيقةً لم تنته، وسوف نواجه شهوراً ساخنة، وخاصة بعد أن صعّد التنظيم الوهّابي الداعشي في العراق، وبالتالي وصل ما بين الحدود السورية والحدود العراقية، ولكن لكلِّ شيء نهاية، وسوف يوضع حدّ لهذا التنظيم، الوهّابي الجديد، عاجلاً وليس آجلاً، وعاجلاً لا يعني غداً أو بعد غد، ولكن سوف يوضع له حد، كما وضع لغيره، ولكن الجهاد الأكبر هو عندما ننتقل إلى مرحلة البناء، فمرحلة البناء وإعادة الإعمار، هي ليست إعادة إعمار الحجر فقط، هي إعادة إعمار العقول، إعادة إعمار الوجدانات، هي أن يفهم شعبنا إسلاماً محمّدياً قرآنياً سمحاً، لا تأسلماً وهّابياً سعودياً، ولا تأسلماً إخونجياً بريطانياً، أن نبني جيلاً جديداً علمانياً، جيلاً جديداً وطنياً، جيلاً جديداً قومياً، جيلاً جديداً عروبياً، جيلاً جديداً مقاوماً، جيلاً جديداً ممانعاً، أنّ نخلّصهم من الخرافات والخزعبلات، وأنّ تكون هناك تربية، نستفيد فيها من الدروس الماضية، فكل ابن آدم خطّاء، كلٌّ منّا يخطئ، لكن خطأنا الأكبر، أن لا نتّعظ بالدروس الماضية، وأن لا نستفيد من الدروس والأخطاء التي ارتكبت في الماضي، سواء قبل الحرب الكونية الصهيو- وهّابية علينا، أو أثناءها، فلا بُدّ من استخلاص تلك الدروس، وهناك في العلم العسكري، ما يسمّى بالدروس المستفادة، فبعد أن تنتهي الحرب، يجلس القادة مع الأركانات، ثم يستعرضون الأخطاء التي وقعوا فيها، لكي يعالجوها، ولكي لا يقعوا فيها في الحرب القادمة، فما بالنا ونحن نعيد بناء سورية الجديدة المتجددة، وعلى رأسها أسدٌ سوريٌّ شامخ، فهذا الأسد كما تعرفون، كان لصموده الأسطوري، الدور الأكبر في صمود الشعب السوري والجيش السوري، ولذلك جرى التركيز عليه بشكل أساسي، فلم يجرِ في التاريخ محاولة لأبلسة وشيطنة رمز، بما فيها كل مَن مرّوا في التاريخ، كما جرى العمل على شيطنة وأبلسة أسد بلاد الشام، لماذا؟ لأنّهم يعتبرونه ويعرفونه، أنّه هو رمز الشعب السوري، ورمز الجيش السوري، ورمز الشباب السوري، ورمز الأجيال السورية الصاعدة، وهو رمز لصناعة المستقبل السوري، وهم يعرفون بأنّهم إذا ما استطاعوا إزاحة هذا الرمز، بشكل أو بآخر سوف يستطيعون أن يكملوا انهيار الدولة الوطنية السورية، وبالتالي تدخل سورية عندئذٍ في حرب داحس والغبراء، لكنّه كان شامخاً كقاسيون، واستطاع بشكل أو بآخر أنّ يكرّر تجربة يوسف العظمة، ولكن يوسف العظمة على الرغم من أنّه استشهد، لم يستطع أن يمنع الاستعمار الفرنسي من احتلال سورية، إلّا أنّ أسد بلاد الشام استطاع منع الصهيو-أمريكان والأطالسة والسلاجقة، من تحقيق معظم أهدافهم، في منطقة بلاد الشام، وخاصةً في قلب العروبة النابض، وهذه سوف يذكرها له التاريخ، لمئات السنين القادمات.
س (10): لنخصص سعادة السفير، هذا الجزء الأخير من حوارنا معكم لهذا السؤال، حيث أنّنا منذ ثلاث سنوات ونيّف، ونحن نواجه حرباً عدوانية ونواجه عدواناً إرهابياً بامتياز على بلادنا، ففي القاموس الغربي يسمّونها أزمة، وبعضهم في سورية يسمّونها (ثورة)، فهناك تسميات ومصطلحات عديدة، سمعناها كثيراً في الثلاث سنوات الماضية، فما هي حرب المصطلحات هذه التي نواجهها اليوم في منطقتنا العربية؟؟، فهناك مصطلحات ومفاهيم برّاقة، وشعارات جميلة، أُريد لها أن تغزو العقول العربية، فدعنا نفصّل فيها إن سمحت لنا؟؟.
ج: أشكرك على هذا السؤال المفيد والهام، فهناك الكثير من المصطلحات الشائعة المغلوطة، فلا بُدّ من تقويمها وتصويب حيداناتها، ولا بُدّ أن نهزّ العقول، التي تسلّم بالمعاني الشائعة لهذه المفاهيم، وسنتحدّث عنها باختصار، فدعينا نتحدّث أوّلاً عن الديمقراطية، فالديمقراطية كما يقال، هي حكم الشعب نفسه بنفسه، نعم هذا هو المعنى الشائع للديمقراطية، ولكن أقول متى حكم الشعب نفسه بنفسه؟، إذا كان مئات أو آلاف منذ آلاف السنين في أثينا اليونانية، قد اجتمعوا، وحكموا أنفسهم بأنفسهم، فهذه تجربة للتاريخ، ومضى عليها آلاف السنين، ولكن فيما بعد، الشعب يُحْكَمُ عن طريق ممثّليه، فلا يحكم نفسه بنفسه، ولكنه يختار ممثّليه، وحقيقة هذه الديمقراطية، هي ديمقراطية تمثيلية، بمعنى أنّ هناك مَن يمثّلون الشعب، ليحكمونه، وهناك تمثيلية على أساس فنّي، يجري الإخراج أحياناً بشكل سيئ، وأحياناً بشكل جيد، يعني أيضاً الديمقراطية هي مسرحية، يمكن أن تُخرج إخراجاً سيئاً ويمكن أن تُخرج إخراجاً جيداً، ولكن أستطيع أن أقول، أنّ المعنى الحقيقي للديمقراطية، هو حقّ الآخر في الوجود، وحقّ الآخر في الاختلاف، فطالما أنّك لا تسمح للآخر في الوجود، ولا تسمح له في الاختلاف عنك، فأنت لست بديمقراطي، وهذه هي الديمقراطية الأمريكية الأطلسية الأوربية، فهم لا يريدون لشعوب العالَم الأخرى، أن تكون مستقلة عنهم، ولا يريدون لها أن تكون موجودة بمعزل عن تحقيق مصالحهم، لا يقبلون أن تختلف في مواقفها عنهم، ولذلك تتحوّل ديمقراطيتهم خارج المتروبول، إلى ديمقراطية عنصرية، والديمقراطية والعنصرية لا يجتمعان.
(مداخلة من المذيعة) إذاً من خلال شرحك ندرك ونفهم معنى الهجوم الكبير على مؤسسات سورية، فسورية كما نعلم جميعاً هي دولة مؤسسات؟؟.
نعم تماماً، ولننتقل إلى مصطلح الحرية، فيقال بأنّ الحربة تعني: بأنّها حقّ الإنسان بأن يفعل ما يراه مناسباً، ويقال بأنّ الحرية، هي بأنّ حريتك تقف عند حدود حرية الآخرين، نعم هي كذلك، ولكن ليس ذلك فقط، فالحرية هي الالتزام بالقوانين الموضوعية الموجودة، بما يحقق لك حريتك الحقيقية، وعندما تخرج عن هذه القوانين الموضوعية الموضوعة، فلا يمكن أن تكون حرّاً، بل ستكون عبداً، وسأضرب مثالاً على هذا من القوانين الطبيعية، فعندما اكتشفت قانون الجاذبية، واكتشف القوانين الأخرى، وعندما استطاع الإنسان بموجب اكتشافه لهذه القوانين، أن يخترع الطائرة، فما كان يقتضي منه سنوات من آلاف الكيلو مترات لكي يقطعه، أصبح الآن يقطعه بساعات، وهل هناك حرية أكثر من هذه الحرية.
أمّا إذا انقلنا إلى العلمانية، فالعلمانية يجري للأسف تعريفها من قبل بعض رجال الدين، على أنّها إلحاد، فهذا الكلام غير صحيح، فالعلمانية معناها هي الفصل بين الدين والدولة، وليس الفصل بين الدين والشعب، وليس الفصل بين الدين والمجتمع، فهي العمل على عدم تسييس الدين، وعلى عدم تديين الدولة، وبالتالي هذه هي العلمانية، فالعلمانية ليس علمانية واحدة، بل هي علمانيّات، فهناك علمانية ملحدة، وهذه تنطبق أو كان يمارسها المعسكر الشيوعي في السابق، وهناك علمانية محايدة، وهذه العلمانية أوجدتها الثورة الفرنسية، وموجودة في فرنسا حتّى الآن، وهناك علمانية مؤمنة، والعلمانية المؤمنة موجودة في بريطانية، لأنّ الملكة هي رأس الكنيسة الأنجليكانية، وموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنّ المسؤولين الأمريكان الكبار، يذهبون إلى الكنيسة يوم الأحد، وهناك العلمانية المؤمنة الموجودة في الأحزاب القومية العربية، وفي طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي، فإذاً من الظلم البيّن أن نتهم العلمانية بالإلحاد.
هناك أيضاً مصطلح الثقافة والمعرفة، الحقيقة أنّ البعض يخلط بين الثقافة والمعرفة، فالثقافة هي تحصيل حاصل الواقع النظري والعملي لما جرى في الماضي، وبالتالي تَعَلُمَهُ، فالثقافة تتعلق بالماضي، بينما المعرفة بشكل أو بآخر هي الاستقراء والتنبؤ للمشاريع الحضارية في صناعة المستقبل، بما معناه أنّ الثقافة هي عمل يتعلق بما مضى، والمعرفة عمل يتعلّق بالمستقبل.
أمّا مصطلح الشرق الأوسط: فكثير مَن يستخدم هذا المصطلح، ونستخدمه كأنّه بديهية، فالشرق الأوسط هو مصطلح اجترحه الاستعمار البريطاني، وحدد لنا تسميتنا كشرق أوسط، لأنّنا نقع في الشرق منه، فهو يقيس ويعتبر نفسه بأنّه مركز الكون، بالتالي نحن بالشرق الأوسط بالنسبة له، وهناك شرق أدنى، وهناك شرق أقصى، وهذا الشرق الأوسط يتسع ويتمطمط بحسب ما يريد مَن أطلق هذه التسمية، أو مَن يستهلكها مجدداً، فأحياناً يمتد إلى إيران وباكستان، وأحياناً يتعلق ببلدان المنطقة التي نعيش فيها حالياً، فهم بدل أن يسمّوا الوطن العربي الموجود هنا، وبدلاً أن يسمّوه الشرق العربي، خلطوا فيه دولاً أخرى غير عربية، لكي تختلط المفاهيم، لا بل أنّ هناك جريدةً ليكودية وهّابيةً صفراء، بغلاف أخضر، سمّت نفسها الشرق الأوسط، لكي تعمّم هذا المصطلح، ولكي ترسّخه في أذهان الناس، ولذلك علينا أن لا نستهلك هذه المصطلحات بسهولة، بل علينا أن ندقّق فيها.
س (11): هل لك سعادة السفير كوننا نتحدّث عن المصطلحات أن تضعنا، بصورة مصطلح بتنا نسمعه كثيراً هذه الأيّام، وهو المعارضة المسلّحة؟!، فنحن نسمع بمصطلح المعارضة في كل دول العالم، أمّا المعارضة المسلّحة أو المعارضة المعتدلة؟!.
ج: الحقيقة لا يوجد معارضة مسلّحة في العالَم، إلّا لدى الربيع الصهيو-أمريكي، الذي سموّه ربيعاً عربياً، فكل مَن هو مسلّح خارج إطار الدولة، فهو متمرّد، وبالتالي يجب أن يطبّق عليه القانون، وهو إمّا مجرم جنائي، وإمّا مجرم سياسي، فعندما يتمرّد على الدولة فهو مجرم سياسي، وعندما يؤذي المجتمع فهو مجرم جنائي، وإذا قام بالأمرين فهو مجرم سياسي وجنائي، وبالتالي لا يوجد في العالم معارضة مسلّحة، إلّا هذه التسمية التي يقولونها هنا، والطريف في الأمر عندما يتحدثّون عن معارضة معتدلة، ومعارضة متطرفة، فهل تعرفين ما الفرق بينهما؟، فالمعارضة المعتدلة، هي المعارضة التي تلتزم 100% بالأجندة الصهيو-أمريكية، كما يريدها العم سام وأذنابه، حتى ولو كانت مسلّحة بأكثر وأشد أنواع الأسلحة فتكاً، بينما المعارضة المتطرفة، هي كل مَن يمكن أن يقف مع سورية، ولا يقبل خراباً لها، وبالتالي لا يقبل دمارها، فهذا بالتالي بالنسبة لهم هو معارضة متطرفة، حتى لوكان بيده غصن زيتون فقط .فالمعارض المتطرف هو مَن لا يقف مع العم سام، والمعارض المعتدل هو مَن يقف معه، ولهذا فعلينا أن لا نأخذ بمفاهيمهم، وأن نرميها بسلّة المهملات، وأن نجترح تعريفاتنا الجديدة، البعيد كلّياً عن تعريفاتهم.
إذا انتقلنا الآن إلى الإسلام السياسي: يجري كثيراً تداول مثل هذا المصطلح، والحقيقة هي أنه هناك إسلامان سياسيان، وليس إسلاماً سياسياً واحداً، وعلينا أن نحرص على عدم خلط المفهومين ببعضهما بعض، فهناك إسلامٌ سياسيٌ تابع تاريخياً للاستعمار القديم والحديث، وفي طليعته كما تحدّثت قبل قليل، الوهّابية والإخونجية ومفرزاتهما ومشتقّاتهما، فهذا الإسلام السياسي هو إسلام تابع، وإسلام ضد الإسلام، وهو إسلام ضد العروبة، وهو إسلام ضد الوطنية، وهو إسلام ضد القومية، وهناك الإسلام السياسي، المقاوم والممانع، الذي رفض أن يكون ذيلاً للمشاريع الاستعمارية الجديدة، والذي رفض أن يكون جرماً يدور في فلك المشاريع الصهيونية في المنطقة، وفي مقدمة هذا الإسلام السياسي، حزب الله، وحماس قبل أن تغرّد خارج السرب، والجهاد الإسلامي، والثورة الإسلامية الإيرانية، التي وقفت ضد ما سمّته الطاغوت الأكبر، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، من حيث سياستها الاستعمارية الهيمنية الجديدة، ولذلك علينا أن نفرّق بين هذين المفهومين، وألا نضعهما في سلّة واحدة.
وأيضاً هناك مصطلح الأغلبية الصامتة: وكثيرون مَن يتحدثون عن هذا المصطلح، وأضحك أحياناً عندما أسمعهم يتحدثون عنه، وأقول: إذا كانت الأغلبية الصامتة صامتة، فكيف تسنّى لمَن يدّعي تمثيلها، بأن يقول بأنه يمثلّها، فالإنسان الصامت، لا يعبّر عن رأيه ولا عن موقفه، وبالتالي يتحوّل إلى رقمٍ، يقوم بتحريكه الآخرون، وأصبح خارج الحساب، وبالتالي لا يحقّ لأحدٍ أن يدّعي تمثيل الأغلبية الصامتة، إلّا عندما تنطق هذه الأغلبية، وتقول أنا فلان يمثّلني وفلان لا يمثّلني.
أمّا فيما يتعلّق بمصطلح النأي بالنفس: فأتذكر بأنّه سُئلت مرّة منذ سنة ونصف في قناة الميادين، عن النأي بالنفس الذي يقوم به في ذلك الحين رئيس لبنان السابق، فقلت له: إنّه نأى بنفسه عن كل الاتفاقيات الناظمة بين سورية وبين لبنان، وبالتالي وضعها جانباً على الرف، لكي يسترضي التيّار الوهّابي اللبناني، المسمّى تيّار 14 آذار، فهذا النأي بالنفس، يسميه البعض بـ (لعي النفس) ويسميه تسميات أخرى، وبالحقيقة هو نأى بنفسه عن الدفاع عن لبنان، قبل أن ينأى بنفسه عن الدفاع عن سورية.
أمّا الفرقة الناجية: فالحقيقة مع أنّ هذا الموضوع حسّاس، ولكن كما قلت في البداية، لا بُدّ لنا أن نهزّ العقول ونهزّ تلك القناعات التي تتكلّس وتصدأ مع مرور الزمن، فهناك حديث ينسب إلى سيّد الخلق، وهذا الحديث يقول، أنّه( ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقةً، واحدةٌ منها في الجنة، وبالباقي في النار،) أنا استغرب هذا الحديث الذي يتناقض مع القرآن، ومع العقل البشري، فكيف يمكن لسيّد الخلق، أن يحكم على 98% من أتباعه، بأن يكونوا في جهنم، وأن يخرجهم من رعايته، هذا أوّلاً، وأمّا ثانياً: كيف يمكن لسيّد الخلق، سيدنا محمد بن عبد الله (ص) الذي لا ينطق عن الهوى، أن يقول حديثاً، تقول الوقائع فيما بعد، بأنّه ليس صحيحاً، لأنّ أمّة الإسلام لم تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فالآن هي مئات الفرق، وبالتالي هذا الواقع، الذي يتناقض مع عصمة سيّدنا محمد بن عبد الله (ص)، الذي لا ينطق عن الهوى، فلا يمكن أن يقوله سيدنا محمد، فأنا لا يعنيني إسناد هذا الحديث، بل ما يعنيني أنّه يتناقض مع القرآن، ويتناقض مع العقل.
أمّا مصطلح الإيمان والعقل: فالكثير من رجال الدين يقولون لمريديهم ولأتباعهم ولتلامذتهم، (يا بني عليك أن لا تفكّر كثيراً، بل عليك أن تسلّم)، هذا الكلام ليس صحيحاً، فالله خلق الإنسان على شاكلته، وهو خليفته في الأرض، وخلق له أكبر نعمة على وجه الأرض، وهي العقل، التي ميّز بها هذا الكائن البشري، وهو أعلى وأسمى هبة إلهية لهذا الإنسان، ودعاه إلى إعْمَاِلهِ، إذاً كيف لأحدٍ أن يفكّر بأنّ إعمال العقل سوف يؤدّي إلى الإلحاد، أو سوف يؤدّي إلى الكفر؟، إنّ إعمال العقل، يعني أنك سوف تصل إلى إيمانٍ عقلانيٍ، أمّا التسليم فهذا يعني أنّك سوف تصل إلى إيمانٍ غرائزي، والإيمان الغرائزي يقود إلى التعصّب، بينما الإيمان العقلاني يقود إلى الإيمان العميق والحقيقي، ولذلك الكثيرون من رجال الدين، يريدون للمسلمين أن يلغوا عقولهم، وأن يسلّموا بفتاويهم، وبتفسيراتهم، وبما يقولونه لهم، من أجل أن يبقوا، جاعلين من أنفسهم أوصياء على الدين، ووكلاء لله على هذه الأرض، وكأنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق الإسلام، وقال في ذلك الحين، أنّ الدين هو علاقة الإنسان مع ربّه، علاقة بين عقل الإنسان وربّه، وبالتالي الإيمان الذي يأتي عن طريق العقل، هو الإيمان الحقيقي، وهو الإيمان العميق، وليس الإيمان الذي يجري التسليم به، ولا يمكن أن يكون العقل الإنساني السليم، إلّا طريقاً ودرّباً وحسراً، للإيمان الحقيقي.
س (12): سؤالي الأخير سعادة السفير، هل استطاعت سورية أن تكون محصّنة، في وجه هذه المصطلحات وهذه المفاهيم، أم أنّنا اليوم نحتاج إلى جهد أكير؟؟.
ج: يا سيدتي لا يوجد بلد على وجه الأرض محصّن في كل شيء، كما لا يوجد جسم بشري محصّن من أن تصل إليه بعض الجراثيم، وأن ينتابه المرض، فعندما نقول بأنّنا محصّنون تحصيناً كاملاً، فنكون ندّعي ادّعاء ليس حقيقياً، ولكن أقول بأنّ التجربة القاسية التي مررنا بها، هذه الحرب الكونية الظالمة، سوف تجعلنا نحصّن أنفسنا مستقبلاً، تحصيناً يوفّر علينا الكثير الكثير من الخسائر، التي يمكن أن نواجهها، فيما لو جرى شنّ حربٍ إرهابيةٍ علينا، أو حرب استعمارية تقليدية علينا مستقبلاً، سوف نستفيد كثيراً من المرحلة التي مررنا بها، فهذه التضحيات الكبرى والجلّى والعظمى، لن تذهب سُدىً، فالخسائر والتضحيات الكبرى، تؤدي إلى إنجازات كبرى، ولم يستطع أيّ شعبٍ أو دولةٍ في العالم، أن يصل إلى ما وصل إليه من تطوّر كبير، إلّا عندما قدّم تضحيات كبرى، وسورية الآن ضحّت بالنيابة عن الأمة العربية بكاملها، وبالنيابة عن الإسلام المحمّدي القرآني، لكي تحافظ عليه كما أراده سيّد الخلق، إسلاماً محمّدياً قرآنياً متنوراً، وليس تأسلماً وهّابياً، ولكي تبقى عروبة حقيقية صافية، يكون فيها الإسلام هو الروح، والعروبة هي الجسد، ولكن أسمحي لي هنا بأنّ أضيف إلى هذه النقطة، أيضاً هناك ظلم بأن يُقال فقط (العروبة جسد والإسلام روح)، (فالعروبة هي جسد وعقل، والإسلام هو روحٌ ووجدان)، وأيضاً هذه من المفاهيم التي أضيفها، على المفاهيم التي تحدّثت فيها سابقاً، فمن خلال الأخذ بهذه المفاهيم مستقبلاً، في سورية الأسد القادمة، سورية الجديدة والمتجددة، سوف تصبح سورية ليس فقط مركز المنطقة، لا بل سوف تكون كما كانت، مركز العالم، ومَن يعش، يَرَ.