Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 22:16:33
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام ؟ الحلقة التاسعة .. بقلم: عبد الحق العاني
دام برس : دام برس | هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام ؟  الحلقة التاسعة .. بقلم: عبد الحق العاني

دام برس:

لم يرد الفعل "فقه" ولا أي من اشتقاقاته سوى مرة واحدة في الكتاب الكريم وذلك في قوله تعالى "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ". إلا أنه رغم ذلك فقد ولدت أجيال من الفقهاء في القرون التي تلت التصريح بالقرآن، ولم يكن ذلك لأن أولاء إنكبوا على التفقه بالدين كما كلف تعالى وإنما انصرفوا في الحقيقة للتفقه في أمور الدنيا وأمور الدولة وذلك لحاجة الأخيرة والحاكم لقواعد جديدة. فلم تصلنا كتب أو رسائل للتفقه في قوله تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" حتى نفهم علة الخلق، ولم يصلنا تفقه في قوله تعالى "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار" ولم يصلنا فقه في قوله "ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا" لنعرف علة خلقه لسبع سموات وسبع ارضين وأين هي. ولم يصل تفقه في سبب معصية إبليس ومن اين تعلم إبليس القياس وحده حين قال بقية الملائكة "قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" ولم يصلنا فقه في نهيه تعالى عن السؤال عن الروح "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" ولم يكتب فقيه واحد في الفرق بين النفس والروح حتى أكاد أقول أن ما من فقيه عرف أن بينهما فرقاً! لكن الذي وصلنا رسائل في "طقوس" العبادات والنكاح والبيوع وهي كلها من أمور الدنيا. وليس هناك من عيب في أن توضع قواعد تنظم حياة الناس لكنها تظل كذلك أي تنظم أمور الدنيا وليس أمور الدين. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا سمي هؤلاء القوم بالفقهاء حين اشترط تعالى على الفقهاء أن يتفقهوا في الدين وهؤلاء تفقهوا في الدنيا؟
وقد يقول قائل كما تعودنا أن نسمع ونقرأ بأن الإسلام يختلف عن باقي الأديان في أنه دين ودنيا... والحقيقة إن هذا القول يناقض حقائق الأشياء كما جعلها الخلاق العظيم. فالدين ثابت والدنيا متحركة.. ولا يمكن للإسلام أن يجمع الثابت والمتحرك.. فأوقات الصلاة ثابتة لا تتغير بتغير الدنيا لكن عقد صفقة للبيع تغيرت بين عهد أبي حنيفة واليوم فقد زالت شروط الصفقة التي وضعت ذلك اليوم وأصبح اليوم مقبولاً أن تتم الصفقة على شبكة المعلومات أو بالبريد الإلكتروني فتغيرت قواعد أمور الدنيا ولم تتغير قواعد أمور الدين... وقد قال عز من قائل "كل يوم هو في شأن"، وذلك ولا شك في شأن من أمرنا الدنيوي وليس من أمره فهو كان وما زال لم يتغير ولم يزل ولم ينتقل من حال إلى حال!
ولكي يضع أولئك الفقهاء إطاراً لقواعد السياسة فإنهم إستعاروا لفظاً قرآنياً آخر ليضفوا على أفكارهم صبغة الدين وأمر السماء. فأسموا قواعدهم شريعة ثم اضافوا لها الإسلام فأصبحت "الشريعة الإسلامية" مما اصبح يعني أنها الشريعة التي جاء بها الإسلام... وقد يكون بعض ما فيها متفقاً مع الإسلام لكن من العسير الجزم بأن كل ما وضعه الفقهاء وانتهجه الخلفاء هو شريعة الله كما أرادها... فلو أن الأمر كذلك لأكل المسلمون اليوم كما وصف تعالى:"وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌۭ مُّقْتَصِدَةٌۭ ۖ وَكَثِيرٌۭ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ."
فمن أين جاء الفقهاء بلفظة الشريعة التي أصبحت تعني حكم الله في أرضه؟ فلو عدنا للكتاب الكريم وهو المصدر الأول والفيصل في الإسلام، لوجدنا الفعل "شرع" وما اشتق منه جاء كما يلي:
"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"
"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب"
"ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله".
"ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون".
فأي قارئ لهذه الآيات الكريمة يقدر أن يقول أنه تعالى أراد في أي منها أن يشير لأمور الدنيا في الشريعة؟ أليست جميعها تربط الشريعة بأمور الدين والدين وحده؟ أليس إستعمال الفقهاء لفظة "الشريعة الإسلامية" في أمور الدنيا إقحام غير صحيح للفظ القرآني من أجل تصوير سياساتهم على أنها من شرع الله وليس لله تعالى علاقة بما قرروه أو لم يقرروه في أمور الدنيا؟
فليس هناك شك في أن قيام الدولة الإسلامية الجديدة تطلب وضع سياسات لإدارتها وليس عسيراً فهم الحاجة لإخضاع الناس لها، وليس صعباً فهم الطريق السهل لعمل ذلك ألا وهو الإدعاء بأن كل ما يقرره الخليفة ويؤيده الفقهاء هو من شرع الله... والناس ما كانت لتعارض شرع الله. وهكذا ولدت قواعد الإرهاب الفكري في الإسلام! فقد أصبحت كل سياسة تسمى "شريعة" ملزمة واصبح كل خروج عنها ردة عن الدين، وليس عسيراً تقدير هذا السلاح القوي بيد الحاكم، أي حاكم كان! وما زال هذا الإرهاب الفكري مستفحلاً بين المسلمين وإن كان قد اتخذ أشكالاً مختلفة قد نعرض لبعضها لاحقاً.
ولم يكن غائباً عن الحاكم والفقيه الذي يدعمه إحتمال الطعن بالسياسات، فكان لابد من إيجاد سند لها. لكن الفقهاء وجدوا الكتاب الكريم ضيقاً في هذا الأمر بل مقيداً لهم في بعض الأحوال. فعمدوا للإستناد الى الحديث الشريف. فنشأت صنعة جمع الحديث وتصدى لها "المولدون" قبل العرب.. وقد يسأل سائل وما العيب في ذلك؟ والجواب هو أن جهل المولدين بالعربية نتجت عنه مشاكل في روايات بعض الأحاديث والتي أثقلت كتب العربية حيث لم يجرؤ أحد من علماء اللغة بالطعن بتلك الأحاديث خشية أن يتهم بالخروج عن الملة فأتعبهم البحث في إيجاد التفسير. بينما كانت الشجاعة تقضي أن يصرحوا بكل بساطة أن الحديث مختلق ولم يقله الرسول الأكرم (ص) فإما هو من نقل جاهل أو من جمع "مولد" لا يحسن العربية.  وشاهد ذلك أن علماء النحو كـأبي عمرو بن العلاء، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي، والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يستشهدوا كثيرا بالحديث المروي عن النبي الأكرم (ص) وذلك لعلمهم أنه مروي عن "مولدين" وأن نقله غير دقيق لأنه سماع عن سماع في أغلب حال. بيما استدل أئمة النحو على قواعدهم بالكتاب الكريم وبشعر العرب. ولا يصح الرد على ذلك، كما فعل البعض، بأن عجمة الرجل ليس مثلبة، بحجة أن سيبويه كان فارسياً، ذلك لأن الأصل في الأعجمي أن يجد صعوبة بالحس بلسان العرب وفهم المتشابه فيه فإذا شذ عن ذلك عدد من الناس فذلك الشذوذ الذي يثبت القاعدة، وهو مصداق قوله (ص) "لو كان العلم في الثريا لأدركه رجل من فارس" لكن هذا أمر آخر. وقد كتب أحد المتأخرين:" كان للنحاة الأوائل موقف غريب من الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف، فهم لم يكلفوا أنفسهم مجرد نقاش الأمر أو التصريح بقبوله أو حتى رده، بل إن الأحاديث التي ثبت أنهم احتجوا بها نراهم قد أوردوها على استحياء و إقلال من غير أن يصرحوا أو يتثبتوا في بعض الأحيان، وعن هذا يقول الشاطبي:" لم نجد أحدا من النحويين استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم الذين يبولون على أعقابهم، وأشعارهم التي فيها الفحش و الخنا و يتركون الأحاديث الصحيحة؛ لأنها تنقل بالمعنى وتختلف رواياتها وألفاظها بخلاف كلام العرب وشعرهم فإن رواته اعتنوا بألفاظه لما يبنى عليها من النحو و لو وقفت على اجتهادهم قضيت منه العجب".
وليت الأمر توقف عند كلمة مفتراة أو حديث فيه كلمة خاطئة.. فلو كانت تلك كل المشكلة لهان الأمر. لكن الأمر ذهب أبعد من ذلك فحين اصبح مقبولاً الإفتراء عليه وضعت أحاديث تخالف القرآن وحكمه من أجل تسويغ سياسات تعارض النص القرآني، ولعمري لا أدري كيف أجاز الفقهاء لأنفسهم هذا وهم يعلمون أن نبي الرحمة (ص) ما كان ليتقول على مولاه... ودعونا نأخذ مثالاً على ذلك في موضوع الزنا ورجم الزانية...
فقد نص تعالى في كتابه الكريم على عقوبة الزنا في آيتين وهما:
"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين".
"واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا".
فلم يضف تعالى لهاتين العقوبيتن شيئاً ولو أراد أن يفعل ذلك لفعل وما لنا عليه من سلطان. فعقوبة الزنا إما مائة جلدة أو الحبس في البيت حتى الموت أو الطلاق. وقد قال الفقهاء إن العقوبة الأولى لغير المحصنة بينما العقوبة الثانية للمحصنة، ولو قبلنا، دون جدل،  ذلك التفسير لتبين أن العقوبة في أقسى حال هي التعزير بينما هي الحبس في البيت للمحصنة.
لكننا نعلم أن الجاهلية الأولى لم تكن قد زالت من قلوب العرب بعد، فما أن رحل الرسول الأكرم (ص) حتى أراد القوم أن يعودوا بالمرأة للجاهلية التي أخرجها النبي الأكرم (ص) منها فكانوا كما قال تعالى: "وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ ". فقرروا أن يعودوا للجاهلية رغم أنه تعالى نهى عن حكم الجاهلية فقال "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ".
وقد أخبرنا محمود شكري الألوسي في ما نقل عن تأريخ العرب قبل الإسلام:
"ومن عقوباتهم وحدودهم قتل الزاني - والزنا كان عندهم من أعظم المنكرات وأفظع المعاصي وأشنعها، فلذلك جعلوا عقوبته إزهاق الروح والقتل الذي هو أعظم الحدود، ومن شواهد ذلك ما كان من النعمان بن المنذر من قتل المتجردة والمنخل العبدي لما اطلع على ما كان من أمرهما، وأراد قتل النابغة الذبياني لما تعرض في قصيدته الدالية المشهورة لوصف حرمه."
لذا فقد عاد القوم للجاهلية فقرروا قتل المرأة إذا زنت رغم أنه تعالى حكم حكماً آخر في الزنا. فكيف يجدون لذلك مخرجاً وهم يعرفون أنهم ينقضون القرآن فقال أحدهم إنه قرأ آية في سورة براءة تقضي برجم الزانية، ولم تكن آية كهذه لا في سورة براءة ولا في غيرها لكنها كانت من عنده هو..ثم إدعوا أن الرسول قضى بالرجم متمماً بذلك حكم الله محتجين بقوله "وما آتاكم الرسول فخذوه".
لكنهم في غمرة تلك الجاهلية أغفلوا أمرين مهمين، أولهما أن رسول الرحمة (ص) لا يتقول على مولاه وثانيهما إن الوحي، كما يقولون، كان مستمراً حتى قبض (ص) فلماذا لم يقض تعالى بنسخ الجلد والحبس بالرجم قبل أن يقبض نبيه؟ وقد سبق أن بينا أن قتل النفس من أكبر الكبائر عند الله حتى أنه جعلها في غير حق كمن قتل الناس جميعاً. فهل يعقل أن من جعلها بهذه الخطورة يمكن أن يغفل على النص بحكمها في حالة آخرى غير قتل النفس أو الفساد في الأرض؟
ولعمري لا أدري ما لهؤلاء الناس "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، فكيف فات عليهم قوله تعالى وهو يحدد درجات الإثم التي حذر منه المؤمنات حين جئن يبايعن النبي الأكرم (ص) في قوله: "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ".
فجعل الشرك به أعلى الآثام درجة ثم أعقبه بالسرقة ثم جاء بالزنى ثالثاً، فقدم السرقة على الزنا ولو كان الزنا أعلى درجة في الإثم لقدمه على السرقة ولجعل عقوبته قطع الرأس كما جعل عقوبة السرقة قطع اليدين. لكنه تعالى لم يفعل لأن السرقة أعظم خطراً عنده من الزنا وسبب ذلك كما سبق وبينت هو أن السرقة فيها ضرر عام مما يوجب عقوبتها بشدة أما الزنا فضرره خاص مما يجعل عقوبته أقل درجة!
ولم يكتف الفقهاء وجامعوا الحديث بما فعلوا حين افتروا على النبي الأكرم فجاؤوا بحكاية تشبه حكايات ألف ليلة وليلة وزعموا أنها من السيرة النبوية. فكتبوا عن إمرأة جاءت الرسول الأكرم (ص) وشهدت أنها قد زنت وأنها حملت من ذلك سفاحاً فاخبرها النبي (ص) أن تضع أولاً وحين وضعت وجاءته أخبرها أن تذهب وترضع وليدها حتى الفطام.... وخلاصة الحكاية أن تلك الزانية إنتظرت ثلاث سنوات قبل أن يأمر النبي (ص) برجمها، كما يزعمون. فكيف غاب على الفقهاء والرواة خلال هذه القرون تفاهة وإستحالة حدوث هذه الحكاية وسبب ذلك يبدو واضحا من نظرة واحدة عليها... فمن هو الراوي الذي كان يجالس رسول الله (ص) في كل يوم خلال السنوات الثلاث  حتى يصدف أن يكون حاضراً كل مرة جاءت فيها تلك المرأة المزعومة فينقل لنا هذا الخبر المفترى؟ أليس منكم رجل رشيد!
ولا بد قبل أن ننتهي من قصة الرجم واختلاقها خلافاً لحكم الله من ذكر إحدى فضائح رواية الحديث. فقد وجد الفقهاء حديثاً نسب للنبي الأكرم (ص) ونصه: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، فجعلوه دليلهم على أن الرسول (ص) أمر بقتل العاهر برميها بالحجر مما يؤيد زعمهم أنه (ص) أضاف عقوبة الرجم لأن مولاه كان قد أغفلها. ولو تأمل الفقهاء في الحديث لوجدوا فيه عيبين، أولهما، أنه ما ورد عن النبي الأكرم (ص) وهو صاحب الخلق العظيم قط حديث فيه عبارة بهذه الفظاظة مثل كلمة "الحَجَر"، وثانيهما وهو المهم هنا هو أنهم لو تدبروا الحديث وجمعوه مع النص القرآني لوجدوا أن أصل الحديث هو "الولد للفراش وللعاهر الحَجْرُ"، وليس "الحَجَرُ". و"الحَجْرُ" هو الحبس في البيت فقد عرفت العرب "الحَجْر" كما جاء في مقاييس اللغة " الحاء والجيم والراء أصل واحد مطَّرد، وهو المنْع والإحاطة على الشيء. فالحَجْر حَجْر الإنسان، وقد تكسر حاؤه" وهو ما نص عليه تعالى في الكتاب في قوله "فأمسكونهم في البيوت حتى يتوفاهن الموت..". وهكذا يتبين أن ما قاله نبي الرحمة (ص) لا يختلف عما أمر به مولاه. أما سبب الخلط بين "الحَجَر" و "الَحَجْر" فليس عسيراً فهمه إذا كان الحديث قد دون في فترة ما لم تكن حركات الكتابة قد عرفت بعد ونقله أحد "المولدين" الجاهلين بالعربية فاختلط عليه اللفظان وضاعت الحقيقة.... وقد يكون لجامع الحديث أو ناقله عذره لكن ما هي حجة الفقهاء وأين هم من أمر الله بالتفقه والتفكر قبل الإسراع بالإفتاء بقتل الناس؟
وقد أجاد أبو العلاء المعري حين قال:
عجبت لكسرى وأشياعه  وغسل الوجوه ببول البقر 
وقول النصارى اله يضـــام         ويظلــم حيـــا ولا ينتصــر 
وقوم أتوا من أقاصي البلاد  لرمي الجمار ولثم الحجر 
فواعجبا من مقالاتهــــــم  أيعمى عن الحق كل البشر!!

وللحديث صلة...
عبد الحق العاني

www.haqalani.com
 

الوسوم (Tags)

الإسلام   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   الاثنان معا
منذ ان أخذت الدول العربية الاستقلال وهناك خطان متوازيان ولكنهما متصارعان ايضا وهذا هو التناقض العجيب الغريب ،الاسلام والعروبة ،،،وهذه المصارعة منذ ان نشأت السعودية والبترول وهنا ظهرت كل الامور الى سطح الماء ،،لذا يجب ان نسمع ونقراء ونشاهد الذي يجري من حولنا ومن تجارب الآخرين والخ وهذا الذي أقوله هو للشباب الذي يريد ان يعرف الحقيقة والذي يجري واذا لا يريد فهذه مشكلته وهو الان يدفع الثمن وانا اسف لهذا القول ،،نعم ايها الكاتب الاسلام في أزمة والأزمة بالإسلام ،،ولنساعد الأجيال القادمة لفهم الحياة بمناظر مختلفة عن منظار الدين والحرام والحلال ،،اي شىء لا يقبله العقل وغير منطقي فهو ليس من عند الله ،،ان الله لا يشرع اي شىء غير منطقي ولهذا سأقول اقتنع بالذي يدخل العقل ويفسر بالشكل السليم الإيجابي لخدمة الانسان وليس بالعقاب والثناء والسلام
سوري مغترب  
  0000-00-00 00:00:00   نعم ,هو دين الرحمة !
لعل بعض العرب و المسلمين المتاثرين بالغرب و ثقافته يفوتهم ما قاله بعض المنصفين من كبار فلاسفة الغرب عن الاسلام. و بالتاكيد هؤلاء في تكوين آرائهم لم يعتمدوا على ما كتبه التاريخ عن افعال المسلمين من حكام ووعاظ السلاطين , بل فهموا روح الرسالة التي أتى بها محمد المبعوث رحمة للعالمين. لذلك قال احد كبار فلاسفة اوروبا روجيه جارودي ان الاسلام دين يسكن مستقبلنا . من يريد ان يفهم رسالة الاسلام فليقرأ القرآن و يتدبر معانيه , و إن كانت لديه قصور في اللغة حسبه ان يفهم معنى : بسم الله الرحمن الرحيم التي نبدأ بها قراءة كتاب الله , فلا نقول المنتقم الجبار , بل الرحمن الرحيم , فهلاّ تفكرنا ؟ ثم كيف نصدق ما يسوقه البعض عن نبي الرحمة (و العياذ بالله) بأنه يأمر بتقطيع الاوصال و سمل الاعين (إن جاء في البخاري أو غيره) و هو الذي ينهى عن التمثيل بالحيوان (إياكم و المُثلة و لو بالكلب العقور) , أليس هو من كان يوصي كل سريّة بأن لا يغلوا ولا يمثلوا ولا يغدروا و لا يقتلوا شيخا فانيا و لا صبيا و لا امرأة و لا يقطعوا شجرا إلا أن يضطروا إليها ؟ أليس هو من آذاه قومه فسأله جبريل و معه ملك الجبال إن شاء أن يطبق عليهم الأخشبين فكان جوابه عسى أن يُخرج الله من أصلابهم من يشهد أن لا إله إلا الله. و ما رضي لمن آذاه عقابا يستحقونه لما فعلوه من أذى. و بعد هذا يشكك البعض بدين الرحمة و المبعوث رحمة للعالمين؟!
إبن فلسطين و المؤيد للعرين  
  0000-00-00 00:00:00   حول تقطيع الأوصال وتسميل الأعين في الإسلام
من كتاب صحيح البخاري (حديث رقم 5253): أن ناسا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا فلما صحوا قالوا إن ‏ ‏المدينة ‏ ‏وخمة ‏ ‏فأنزلهم ‏ ‏الحرة ‏ ‏في ‏ ‏ذود ‏ ‏له فقال ‏ ‏اشربوا ألبانها فلما صحوا قتلوا ‏ ‏راعي ‏ ‏النبي ‏ ‏ ‏واستاقوا ذوده فبعث في آثارهم /فقطع أيديهم وأرجلهم ‏ ‏وسمر ‏ ‏أعينهم / فرأيت الرجل منهم ‏ ‏يكدم ‏ ‏الأرض بلسانه حتى يموت.من كتاب صحيح مسلم (حديث رقم 3162):أن ناسا من ‏ ‏عرينة ‏ ‏قدموا على رسول الله ‏ ‏ ‏المدينة ‏ ‏فاجتووها ‏ ‏فقال لهم رسول الله ‏ ‏ ‏إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام وساقوا ‏ ‏ذود ‏ ‏رسول الله ‏ ‏ ‏فبلغ ذلك النبي ‏ ‏ ‏ ‏فبعث في ‏ ‏أثرهم ‏ ‏فأتي بهم/فقطع أيديهم وأرجلهم ‏ ‏وسمل ‏ ‏أعينهم/ وتركهم في ‏ ‏الحرة ‏ ‏حتى ماتوا .سنن النسائي (حديث رقم 3971):أن قوما ‏ ‏أغاروا ‏ ‏على إبل رسول الله /فقطع أيديهم وأرجلهم ‏ ‏وسمل ‏ ‏أعينهم/.وكذلك ايضاً ماذكره مسند أحمد (حديث رقم12654) و سنن ابن ماجة (حديث رقم2568) وسنن الترمذي (حديث رقم 67) وجميعهم يذكرون قطع الايدي والارجل وسمل العيون .ولكن تلك الأحاديث تثير الكثير من التساؤلات:1- هل كان هناك مايستحق تقطيع الأوصال وتسمير الأعين وتركهم ليموتوا بمثل هذه الطريقة البشعة؟ 2- إذا كان نبي الرحمة هو من فعل ذلك فماذا ترك لآل كابوني أو هولاكو؟ 3- إن المحكوم عليه بالإعدام في عصرنا هذا يعامل بطريقة أكثر إنسانية، فكيف يدّعي البعض أن الإسلام صالح لكل زمان؟ هل 4- الآية 33 من سورة المائدة:إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ/يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ/أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.فهل يعقل أن يرضى اي إله عن مثل تلك الطريقة البشعة في التعذيب؟
طالب حسن /بلغاريا/  
  0000-00-00 00:00:00   علما
علما انه مازال هناك شباب مسلمين ناجحين مخترعين ولكن الغرب لا يسمح بشهرتهم
بتول  
  0000-00-00 00:00:00   حضارة المسلمين
لماذا ضاعت حضارة المسلمين وضعفت بلادهم بسبب الميل الى حب الدنيا و شهواتها وملذاتها و ترك عبادة الله وسنة رسولة الكريم من الولاة والعامة و التناحر على الولاية والحكم
هالة  
  0000-00-00 00:00:00   العزة
العزة للاسلام والمسلمين
اريج  
  0000-00-00 00:00:00   سبحان الله
سبحان الله وبحمده العرب اساس العصر الحديث و العلم في العالم كله الى الان واكثر
كمال  
  0000-00-00 00:00:00   القران
ننير صدورنا بالقران الكريم
ميرنا  
  0000-00-00 00:00:00   باختصار
الله يهديهم
سساندرا  
  0000-00-00 00:00:00   قال تعالى
قال تعالى : الذين يؤمنون بما انزل اليك و ما انزل من قبلك و بالاخرة هم يؤمنون اولئك هم على هدى من ربهم
جهينة  
  0000-00-00 00:00:00   ليس دينا قاصرا
الاسلام ليس دينا قاصرا على بعض العبادات التي يؤديها الانسان بل يشمل جميع نواحي الحياة فهو دين شامل كامل جاء ليقوم كل الناس و يخرجهم من الظلمات الى النور و يعرفهم طريق الله
حياة  
  0000-00-00 00:00:00   أبو العلاء المعرّي
اثنان أهل الأرض : ذو عقـل بلا ديــن وآخر ديِّن لا عقل لهْ/يعني العقل والايمان أمران لايلتقيان/ . .وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ فجاءوا باالمحال فكدروه /يعني أنّ الناس كانت تعيش حياة هانئة حتى جاءت /.وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه وما دام الفتى بحجى ولكن يـعلمه التديّن أقربوه/في هذين البيتين يعني الانسان يصبح مؤمناً بديانة ما حسب الدين اللذي ينتمي اليه والديه وبدون أن يُسأل عن رأيه/.... إن الشرائع ألقت بيننا إحنا وأودعتنا أفانين العـــداوات/
طالب حسن /بلغاريا/  
  0000-00-00 00:00:00   معناه الاستسلام
الاسلام معناه الاستسلام لله رب العالمين بطاعته وتنفيذ اوامره و عدم معصيته
رامي  
  0000-00-00 00:00:00   الاسلام
علمني الاسلام الى راحة النفس والقلب في التمسك بتعاليمه التي كتبها الله علينا
رانيا  
  0000-00-00 00:00:00   التعاليم الاسلامية
التعاليم الاسلامية واضحة وضوح الشمس في منع الظلم على الانسان مهما كان عدوا
رزان  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz