Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 22:16:33
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام ؟ الحلقة السادسة .. بقلم: عبد الحق العاني
دام برس : دام برس | هل الإسلام في أزمة أم الأزمة في الإسلام ؟  الحلقة السادسة .. بقلم: عبد الحق العاني

دام برس:

كنت قد انتهيت في الحلقة الماضية عند القول بأن الإسلام جاء بلسان العرب للعرب لا غيرهم ذلك لأنه تعالى أخذ على نفسه العهد بأن لا يعذب حتى يبعث رسولاً وأنه ينذر كل قوم بلسانهم، فكما فعل مع العبريين بالعبرية ومع الآراميين بالآرامية ولا شك فعل ذلك مع الصينيين بالصينية ومع الهنود بالهندية وما شابهها، وهكذا فإنه فعل مع العرب بالعربية.. وهذه حكمته وعدله ولا يمكن أن تكون إلا كذلك. فحين يقف العبد من غير العرب بين يديه فكيف سيحاسبه تعالى عن عدم قبوله بالقرآن الذي جاءه بغير لغته؟ أليس لذلك العبد الحق في أن يسأله تعالى عن سبب طلبه منه أن يتبع نذيراً بلغة خلق لغيرها وأن يقرأ كتاباً جاء لقوم آخرين يقص على أولئك القوم قصصاً وعبراً من تأريخهم وهو، أي ذلك الكتاب، لم يذكر قصة واحدة ولا عبرة ولا آية مما حدث لقوم ذلك العبد الواقف بين يديه حتى يمكن له أن يعتبر ويصدق؟ وقد علق أكثر من واحد على أني أغفلت سنة النبي وأشرت فقط للآيات الكريمة في الكتاب، وليس عندي أدنى شك في أن ما قاله الرسول (ص) وفعله ملزم وما لم يقله أو يفعله فليس ملزماً "وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"... فقد يكون ما قاله أو فعله من جاء بعده صائباً وقد يكون باطلاً..  لأنه تعالى لم يقل ( ما آتاكم الرسول وصحبه فخذوه..)  فلا يقولن أحد أن أحد الصحابة اجتهد فكان ذلك من الدين لأن الدين هو الكتاب وسنة النبي الثابتة لا المؤولة.. وما دون ذلك سياسة ليس غير.. فلماذا يراد مني أن اقبل ما صنعه أي من البشر على أنه من أمر الله وهو، أي ذلك الشخص، لم يؤت شيئأ أكثر مما أوتينا من عقل فتساوينا فيه فما لذلك السابق أكثر مما لنا. فإذا كان هناك تأويل فنحن فيه سواء، فلا يسودن أحد لأنه سابق.. فقد كان بين السابقين الذين أدركوا رسول الله (ص) منافقون ذكرهم تعالى وحذر منهم.. ومنهم من ظلوا على نفاقهم.. وهكذا لم يكن سبقهم للمشاهدة كافياً لسبقهم إيانا في المعرفة والإيمان...

كما أن من بين الصحابة من يدخل النار ذلك لأن صحبته (ص) ليست مانعاً من الضلالة ، فقد روي عنه (ص) أنه قال "يؤتى بقوم يوم القيامة يساقون إلى النار فأقول أولاء أصحابي فيقولون لا تدري ماذا أحدثوا بعدك"! وقد أكد الرسول (ص) أن قومه ليسوا معصومين من الضلالة التي وقع فيها أقوام قبلهم، فقال لهم في خطبته الأخيرة في حجة الوداع (فلا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ولو لم يعلم أن هذا سيقع لما حدثهم عنه "وما ينطق عن الهوى". نعود الآن لمواصة حديثنا عما فعله الرسول الأمي (ص ) مع العرب وغير العرب. فيكون السؤال التالي هو هل ان الرسول (ص) جعل سنته دعوة اليهود والنصارى للإسلام؟ فإذا ثبت أنه فعل ذلك ولما كانت سنته متممة للقرآن لا ناقضة له فقد وجب إعتماد ذلك. أما إذا لم يثبت أنه (ص) دعى اليهود والنصارى للإسلام فقد أغلق الجدل حول هذا الأمر. ولا أعني بالدعوة هنا المحاججة أو الحوار فإنه من البديهي أن هذا لا بد قد حدث فمن غير المعقول أن ديناً هز جزيرة العرب واجتث الوثنية منها كان من الممكن أن يمر دون أن يخلق حواراً وجدلاً مع اليهود والنصارى خصوصاً وان القرآن تحدث كثيراً عن هذين الدينين اللذين سبقاه. ولكن الذي نبحث عنه في التأريخ هو ما إذا كان الرسول الأكرم (ص) قد دعى يهود ونصارى العرب بالخيار، الذي سنه اللاحقون، بين الإسلام أو الجزية أو الموت، والذي تحول لاحقاً إلى خيار القتل باسم الدين! وكان في جزيرة العرب يهود ونصارى... وكان اليهود على إحتكاك مستمر مع المسلمين بسبب وجودهم في المدينة إلى جانب وجودهم في اليمن حيث كان النصارى كذلك. ولم يرد في السيرة النبوية أنه (ص) خير أياً من الإثنين بالخيار الثلاثي...

وقد ترك اليهود في المدينة يعيشون على وفق دينهم وكتب ابن هشام في السيرة "قال بن إسحاق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم". وحين حكموه في بعض خلافاتهم وجههم للحكم بما جاءت به التوراة....فأسلم من أسلم منهم طوعاً... وبقوا كذلك حتى تآمروا عليه وحاربوه فقاتلهم وأجلاهم عن المدينة. " ولولا ان كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب النار" أما النصارى فلم يرد في السيرة أنه حتى أرسل لهم رسولاً يدعوهم للإسلام لكن نصارى نجران جاؤوه وحاججوه فاسلم بعضهم... كل ذلك دون إكراه بخيار الإسلام دون الجزية أو القتل. ولم يكن سلوك النبي الأكرم هذا مرحلياً أو بسبب أن الإسلام جاء بمبادئه بشكل متدرج كما يقول أغلب بسطاء المسلمين، وإنما كان ذلك متفقاً مع القرآن، وهو (ص) ولا شك أعرف به منا جميعاً. فشواهد القرآن تجمع على عدم جواز مقاتلة أهل الكتاب إلا في حالة قيامهم هم بالعدوان فيكون القتال دفاعاً عن النفس ورداً للعدوان. وأورد هنا بعض الشواهد للتدليل على ذلك. فقد أوصى فاطر السموات والأرض نبيه وإيانا بأن الحكم بين الأديان هو بيده وليس لنا فقال: "إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ". فإذا كان هو الذي يفصل بين عباده فكيف نقدر أن نحكم ونحن نجهل حكمه؟
ثم رسم تعالى الحد الأدنى لطاعته في قوله: "إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًۭا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". فجعل الإيمان بالله واليوم الآخر مع العمل الصالح ضماناً لرضاه. فكيف يجوز للمسلم أن يطعن على أي من أهل الكتاب تكتمل فيه هذه الشروط؟ بل لعل الأهم من ذلك هو كيف يعرف المسلم ما إذا كان الذمي الذي أمامه من أولئك الذين رضي الله عنهم في هذه الآية؟ فكيف والحال هذه يجوز الإفتاء بوجوب قتال أهل الكتاب دون أن يعتدوا علينا؟
وقد نقل في الحديث عن نبينا الأكرم (ص) تأكيده على هذي الحقيقة حين روي عنه قوله: "افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة ، فواحدة في الجنة و سبعين في النار، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعين في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة واثنتين وسبعين في النار". وهو بهذا الحديث يخبرنا أن في كل دين من الأديان الثلاثة فرقة ناجية. فكيف يمكن أن يدعو لقتل شخص قد يكون من الفرقة الناجية لأن قتل المؤمن عمداً جريمة عقابها في النار "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما". وقد عزز الكتاب جوهر هذا الحديث في أكثر من موضع. ذلك أنه تعالى قال في بني إسرائيل "يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين" وهو تفضيل مطلق. وقال عز من قائل فيهم "ولقد اخترناهم على علم على العالمين"، وقال "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون"... وهذه وغيرها تخبرنا بأن في بني إسرائيل طائفة مؤمنة.... (ولا بد من التنبيه هنا للخلل الكبير الذي وقع فيه كل المسلمين بما فيهم الفقهاء في عدم القدرة على التمييز بين "اليهود" وبين "بني إسرائيل" في القرآن ...وقاد هذا الخلل في الفهم الى تخبط كبير وعجيب في شرح الآيات كما هو الحال في شرح الآيات من الرابعة حتى الثامنة  من سورة "الإسراء". لأنها آيات في المدح وليس في الذم كما كتب عنها الكثيرون من أنصاف العارفين)...فإذا كان في بني إسرائيل طائفة مؤمنة فكيف يمكن للمسلم أن يعرف أن الذي أمامه من اليهود ليس من بني إسرئيل ممن يكون قتله مدخلاً للنار؟ أما في النصارى فقد قال الكتاب الكريم أكثر من ذلك صراحة في وجوب الحذر في التعامل معهم. فقال الرحمن الرحيم "ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون". فيكون بين النصارى من هم من المؤمنين كما كان حال ورقة بن نوفل الأمي النصراني والذي رضي عنه الرسول (ص) رغم أنه لم يرد عنه أنه اسلم. لكن الذي يجب الوقوف عنده وإعادة النظر في سياسات عديدة عمرها قرون هو قوله تعالى "اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ثم الي مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون". وفي هذه الآية أكثر من دليل قرآني وفيها دعوة للمسلمين للتأمل. فإذا شاء رب العزة أن يسود النصارى على الأرض حتى يوم القيامة فلا يمكن لنبينا الأكرم (ص) أن ينقض هذه المشيئة فيدعو لقتال النصارى لصرفهم عما هم عليه، لأنه لا بد أن يسود النصارى كما شاء تعالى! كما أن هذه الآية تدعو للتساؤل اليوم أكثر من أي وقت مضى عن مدلول سيادة النصارى في الأرض الآن! إذا كان الرسول لم يدع النصارى واليهود العرب للإسلام بخيار الدين أو الجزية أو القتل فكيف كان سيدعو غير العرب بذلك؟ وكتب لي أحدهم يسأل عن دعوة الرسول الأكرم (ص) الملوك خارج أرض العرب للإسلام، وهو موضوع يكاد يكون من المسلمات التي لا يسأل أحد عن صحتها. فلننظر في خلفية هذا الموضوع لنرى مدى دقة السرد التأريخي. واول ما نبدأ به هو ما ورد بهذا الصدد في السيرة النبوية، فقد أورد إبن هشام: " فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً من أصحابه وكتب معهم كتباً إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى جيفر وعياد ابني الجلندي الأزديين ملكي عمان وبعث سليط بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام." ويمكن قبول خبر إرسال رسله ذلك لأنه (ص) كان قد أسس دولة وكان طبيعياً أن يرسل السفراء للدول الأخرى من أجل تحقيق إعتراف تلك الدولة بدولته الناشئة وإقامة علاقات سلام وحسن جوار كما ينبغي. وليس هناك ما يدعو للشك في أنه (ص) أرسل رسله لملوك وأمراء العرب مثل ملكي عمان وملكي اليمامة وملك تخوم الشام وهمدان وكثير غيرهم ذلك لأنه كلف بأن ينذر أم القرى ومن حولها وهذه ولا شك هي المقصود بالقرى حول مكة... لكن هناك توقفاً حول دعوة الملوك من غير العرب مثل قيصر الروم وكسرى الفرس ومقوقس مصر ونجاشي الحبشة. وقد يكون إبن هشام خلط بين الإثنين فعمم في أول الخبر بالقول أن كل رسل رسول الله (ص) أرسلوا للدعوة للإسلام، بينما كان الأصوب أن يفصل بين من أرسلوا لملوك العرب بالدعوة للإسلام ومن أرسلوا لغير العرب كسفراء سلام وعلاقة وحسن جوار حين لم يثبت ذلك. ولا يمكن لقارئ الخبر إلا أن يتوقف ويسأل هنا: إذا كان الرسول الأعظم (ص) أراد حقاً دعوة النجاشي للإسلام فلماذا لم يكلف جعفر بن أبي طالب حين أرسله مع ثلة من المؤمنين في هجرة الحبشة أن يدعو النجاشي لقبول الإسلام؟ فعمرو بن أمية الضمري لم يكن أسبق للإسلام من جعفر ولا أكثر إيماناً ولا أحرص من جعفر على تبليغ رسالة الرسول النبي الأمي (ص) وهو الذي روي عنه أنه قال "لا ينبغي أن يبلغ هذا عني إلا رجل من أهلي". لكن الشك لا يتوقف عند هذا، فقد أورد اللاحقون روايات عن نصوص رسائل وادعوا أنها رسائل (ص) إلى الملوك. واشك في مصداقية هذه النصوص ذلك لأنها لو كانت صحيحة لكانت معروفة وقت إبن إسحاق وإبن هشام ولو كانت معروفة في وقتهما وهما أقرب للرسول من اللاحقين لوردت في سيرتيهما... لكن إبن هشام، والذي أورد نصوص عقود وعهود ورسائل، أقل شأنا في السيرة لم يذكر نصاً واحداً من تلك النصوص المزعومة لرسائل من النبي (ص) لملوك الأرض والتي ظهرت في فترة لاحقة! أما السبب الثاني الذي يدعو للشك في هذه النصوص التي ظهرت لاحقاً فهو دليل من تأريخ الآخرين... ولن أخوض في ما كتبه أو لم يكتبه الفرس أو الأحباش لكني معني بما دونه الروم. ذلك لأن أحد العلوم التي اهتم بها الروم إهتماماً شديداً هو علم التأريخ وتدوينه... فلم يترك المؤرخون الروم صغيرة ولا كبيرة إلا ودونوها.. فهل يعقل أن حدثاً بهذه الخطورة مثل كتاب من نبي العرب وقائدهم الصاعد والذي يهدد تخوم الدولة الرومانية يمكن أن يصل بلاط قيصر ولا يدونه مؤرخو تلك الفترة من الرومان، وهم الذين دونوا أحداثاً أقل أهمية عن علاقة قياصرتهم بالآخرين؟ إن خلو التدوين الروماني لأية إشارة لهذه الرسالة شاهد مؤكد يدعو للتصديق بأن تلك النصوص وضعت لاحقاً لأسباب سياسية سوف نأتي عليها لاحقا إن شاء الله، لكن يكفي القول أنها مصداق للشك الذي أضعه أمام الباحث عن الحقائق في التأريخ.  والسبب الثالث للشك عربي وقرآني، أغفله الباحثون وتغاضى عنه علماء العربية وجهله الفقهاء ولا شك. ولا أريد أن أحول هذا المقال إلى بحث لغوي أعرض فيه لعيوب النصوص التي وردت لكني أكتفي هنا بنص واحد قط وهو النص المزعوم لرسالته (ص) إلى النجاشي ملك الحبشة، فقد جاء كما تروي الروايات كما يلي:
""الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي، والسلام على من اتبع الهدى"
وحيث إني لا أعجب لسكوت الفقهاء عن الخلل في هذا النص لأن أغلب فقهاء صدر الإسلام كانوا مولدين يجهلون العربية وعبقريتها وفنونها، لكني لعمري لا أدري كيف سكت علماء العربية عن هذا النص وهم الذين قضوا العقود في الخلاف على كلمات أقل خطورة وأهمية... فهذا النص ليس من لغة العرب في صدر الإسلام وهو بالتأكيد ليس من لغة سيد العرب وفصيحهم وبليغهم ويكفي للدلالة على ذلك وصف مريم (ع) بأنها " البتول الطيبة الحصينة"... ذلك لأن العرب لم تصف المرأة قط على أنها "حصينة" وما لم يسمع عن العرب لا يمكن أن يكون فصيحاً ونبينا الأكرم (ص) أجل وأعظم من أن يلحن بلسانه.. ذلك لأن معجمات اللغة العربية كلها تجمع على أن لفظة "حصينة" لم ترد إلا في الدرع فيقال "درع حصينة"... أما المرأة فيقال عنها أنها "حَصان"، فلو كانت الرسالة صادرة حقاً عن نبينا (ص) العربي الفصيح البليغ لقال "البتول الطيبة الحَصان"، فلا يقولن قائل إن هذا أمر ثانوي لأنه في صلب الصدق والأمانه وهو الفيصل بين السليم والأصيل وبين ما وضع عبثاً وإفتراءً من أجل تحقيق مآرب سياسية لاحقة، بل هو المعيب في الإسلام والذي مضى عليه ألف عام لا يجرؤ أحد على التعليق عليه... فكيف سكت علماء العربية عن هذه النصوص الهزيلة في لغتها وهي تنسب لنبينا الأكرم (ص)؟.. إن أكبر ظني هو أنهم لم يجهلوا خطل هذا لكنهم سكتوا خوفاً من أن يتهموا بالطعن على رواة الحديث وأدعياء الفقه في ما نقلوا ووضعوا! وليت الأمر توقف عند لحن اللغة لكنه تعداه إلى المس بجوهر الدين وفقهه.. فقد جاء في النص أعلاه ذلك الخلط الذي وقع فيه كل فقهاء المسلمين دون إستثناء حين لم يميزوا بين الروح والنفس فكتبوا وتكلموا عنهما وكأنهما مترادفان لجوهر واحد .. وهما ليسا كذلك فالنفس مخلوقة، لكن الروح جوهر مختلف لا نريد الخوض فيه الآن ونكتفي بقوله تعالى "ويسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا".. (ولي في ما بين الروح والنفس مقال مستقل).. ونبينا (ص) أعرف بذلك مني فلا يمكن له أن يقع في جهالة الفقهاء في هذا الخلط فيقول عن عيسى بن مريم (ص) "فخلقه 

الله من روحه". فذلك ممتنع لأنه تعالى لم يخلق من روحه شيئاً لأن روحه لا تتجزأ حتى يخلق منها كما أنه أخبرنا أنه خلق كل شيء من نفس وليس من روح! وقد بين رب العزة ذلك في وصفه لخلق عيسى (ص) " إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " فاين الخلق من روح الله في هذه الاية ونبينا (ص) أكرم من أن يتقول على مولاه، وحاشاه من ذلك! وإذا كان المسلمون صادقين في إدعاء نسبة هذه النصوص لنبينا (ص) فهناك طريق سهل وعلمي وثابت... لماذا لا يخضعون هذه الرُّقوق التي يدعون أنها الرسائل الأصلية التي بعث بها الرسول (ص) لملوك الأرض للفحص العلمي لتحديد تأريخها بدقة، ذلك لأنه حتى الحبر المستعمل يمكن اليوم تحديد عمره بدقة.. ويومها يمكن إغلاق هذا الجدل فيسكت المعترض أو يسكت المدعي! وسأكون أول المعتذرين إذا ثبت صحة عمرها لأيام رسولنا الأعظم (ص). ها نحن نقف بعد حوالي أربعة عشر قرناً نقرأ ما نسب لنبينا الأكرم (ص) من أقوال وأفعال فنجد في بعضها خللاً... أما آن الأوان أن نواجه هذه الحقيقة وننصف نبي الرحمة وندفع عن ديننا ما شابه من دخيل وما نسب له من عيوب باسم رب العزة المنزه عن العيب؟
وللحديث صلة...

عبد الحق العاني

"www.haqalani.com
 

الوسوم (Tags)

الإسلام   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   أزمة حقيقية
الإسلام في أزمة حقيقية بوجود من ينفذ أبشع الأفعال باسم الإسلام
معتز رشوان  
  0000-00-00 00:00:00   دعا للمحبة
الإسلام دعا إلى المحبة والتآخي ولم يدعو للقتل وتكفير الآخر
طاهر  
  0000-00-00 00:00:00   كفروا الصحابة
لو أن الصحابة موجودين الآن لكفرهم هؤلاء المتأسلمون
رامز أبو أسعد  
  0000-00-00 00:00:00   كرَّم الأديان
الإسلام كرَّم الأديان الأخرى وذكرها في القرآن ولم يطالب أحد بتغيير دينه السماوي
وليد شهلا  
  0000-00-00 00:00:00   متأسلمون
هؤلاء المتأسلمون الذين يقتلون وينكلون باسم الإسلام لا يفقهون شيئا" من الإسلام
عدنان  
  0000-00-00 00:00:00   شكراً
شكراً لك أيها الأستاذ على هذه المقال الرائع. فقد والله تناولت الكثير من الأمور التي تشغل بال المسلم المتعلم والتي يبحث عن إجابات لها. بارك الله وفيك ونرجو أن نقرأ لك المزيد!
ياسر الجوادي  
  0000-00-00 00:00:00   لادخان بلا نار
الخوف والرعب والدماء هي القاعدة التي بني عليها وانتشر دين الاسلام يعني المعجزات التي تى بها الاسلام هي === اسلم تسلم ==== واكبر دليل مايجري في سورية كفانا خجل من تاريخنا الهمجي الدامي المرعب وحاضرنا المتخلف الاعمى كفانا دفاعا عن دين الدماء والبلاء وووووووووووو كفانا
صباح سورية  
  0000-00-00 00:00:00   فتوى
افتى القرضاوي بعد تفكّر عميق بتحويل نصف ثروته من قطر...لصناعة الواقي الذكري..ولكن بعد أن يفطس...لتبقى هذه الواقيات جزءا من جهاد النكاح.رغبة في الأجر والثواب الدائمين .....ومالوووو....ولكن توزيعها يكون بيد الشيطان الرجيم ليكون السفاح...مباح حتى الصباح..وتحويل لحته الى مكانس على ان تستعمل في..........الشعب السوري البطل كشف الأغطية عنكم وعن داعميكم أنتم زنادقة أفاكون... مزابل التاريخ....على موعد مع فكركم العفن مسيو كر ضاوي
كوري شمالي  
  0000-00-00 00:00:00   سلام على من اتبع الهدى
لقد انتشر الإسلام بحد السيف و الترهيب أكثر مما انتشر بالمحاجّة و الإقناع و الرضى و لولا الخوف من العقوبة التي وضعها الإسلام ( ولا ندري صحتها ) للمرتدّين لكان من بقي على الدين بسبب الخوف قد تبع دينا آخر و لو أن دولة الإسلام في عصورها المختلفة قد اتبعت الإرشاد و الدعوة بدون ترهيب بالسيف لكان من اتبعوا و اعتنقوا الإسلام أكثر ممّن هم اليوم ... لقد دانت اسبانيا بالإسلام سبعة قرون فمن بقي عليه بعد أن أمنوا شرّ عقوبة المرتدّ .. لقد خالف حكام الدولة الإسلامية نبيهم حين فرضوا الإسلام فرضا خلافا ل : " و جادلهم بالتي هي أحسن " و ل " لا إكراه في الدين " و ل : " لو كنت غليظ القلب لانفضّوا من حولك " و غير ذلك كيف لدين أن يكون متوارثا ولد عن أبيه ؛ إذا كان النبي (ض) يقول و يبشرنا بانقسام أهل الأديان إلى أكثر من سبعين فرقة و واحدة ناجية , كيف لأب أن يفرض على ولده اتباع فرقته ألا يخشى أن يكون من الخاسرين و هل من أبلغه و جزم له أنه من الناجين ..؟ إن الأديان جاءت كلها للتوحيد و الإيمان باليوم الآخر الذي يحاسب الله الناس عن أعمالهم في الدنيا الفانية , و الدعوة للخير و النهي عن المفاسد جميعها و لعزيز مكارم الأخلاق : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " و " الدين : المعاملة " و هي أبسط و أيسر مما يدّعيه المدّعون لمآرب يعرفها العاقل و المؤمن الحقّ ... فتبصّروا يا أولي الألباب ...
Ammar-en  
  0000-00-00 00:00:00   سؤال منالبسطاء في العلم والدين لك يامحترم
لمادا يعتبر كل من هو غير مسلم كافر مع ان دينه ورسوله انزل وبعث من الله حتى لو اختلفت اللغة لكن القواعد واحدة وهي الايمان باالله يعني كيف ولمادا هل الله ارسل محمد ليمحي ماقبله من انياء موسى الدي انشق البحر لاجله وعيسى شافي المرضى ومحي الاموات يعني جاؤوا بمعجزات ابهرت عقول من تبعهم فكيف لهؤلاء ان يتخلوا عن دينهم ويتبعوا دين اخر بداء باالعبيد والخدم والجواري ولم يكون له معجزات كيف كيف كيف لااعلم ولاافهم والله اعلم بما في القلوب
صباح سورية  
  0000-00-00 00:00:00   هل
المسلمون في ازمة و ليس الاسلام فكما دمر المتنورين الدين المسيحي في اوروبا و جعلوها وثنية يدمرون الدين الاسلامي ..كان املنا بشعبنا السوري حامي الديانتين و لكن اثبت انه شعب حقير و دموي و حرامي و قذر و نتن
عمر الخيام  
  0000-00-00 00:00:00   هل
المسلمون في ازمة و ليس الاسلام فكما دمر المتنورين الدين المسيحي في اوروبا و جعلوها وثنية يدمرون الدين الاسلامي ..كان املنا بشعبنا السوري حامي الديانتين و لكن اثبت انه شعب حقير و دموي و حرامي و قذر و نتن
عمر الخيام  
  0000-00-00 00:00:00   القرضاوي
كيف يكون الاسلام في ازمة وملائكة الرحمة حولنا....القرضاوي والعريفي وال الشيخ زهدوا في الدنيا الفانية...وتعلقوا بأجساد النساء يصلّون وعيونهم تشتهي ملك اليمين وسيفتون عمّا قليل بمك الشمال...وترك الشروال..حرصا على الأمة....سوريا تعافت وبدأت بوادر النصر موتوا بغيضكم ..اسجدوا واعوا علينا فلن يقبل منكم الا الشيطان اها الزنادقة ...ابن تيمية ينتظركم عند أبي لهب...ولكن زوجته حمالة الحطب تقرف وتأنف من مقابلتكم
حمورابي  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz