Logo Dampress

آخر تحديث : الثلاثاء 23 نيسان 2024   الساعة 10:31:39
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
ليبيا.. تداعيات الواقع وسيناريوهات المستقبل .. بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي
دام برس : دام برس | ليبيا.. تداعيات الواقع وسيناريوهات المستقبل .. بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي

دام برس:

ليبيا اليوم أمام مفترق طرق، وأي خطأ سيؤدي بها الى الإنهيار بشكل كامل، فالمليشيات المسلحة المنتشرة في أنحاء متفرقة من ليبيا أدخلت البلد في مرحلة الفوضى واللاستقرار، كونها تهدد مسار التطور الديمقراطي والسياسي والإقتصادي والأمني، وما تزال ليبيا فاقدة لأي توازن أو استقرار داخلي، حيث تعيش المدن الليبية ويلات النزاع وسط تحذيرات من حرب أهلية مع إحتدام القتال في مختلف المناطق، كما تعاني من العنف السياسي وقيادات تفتقر إلى الخبرة وإقتصاديات ضعيفة، تلوح بآفاق سياسية مضطربة، مما قد يفاقم من هشاشة الدولة، ويمثل سيطرة الميليشيات الكثيرة على مناطق ليبيا التحدي الابرز للحكومة الليبية.
عندما نتجول في شوارع طرابلس، لن نشعر باننا في بلد يبني للمستقبل، نرى فوضى عارمة على الطرقات، انتشار الدوريات المجهزة بالرشاشات الثقيلة، ونجد آثار الرصاص التي مازالت إلى اليوم عالقة بجدران بعض الأبنية والبيوت وخاصة القريبة من باب العزيزية، وارتفاع معدلات جرائم القتل والاختطاف، وإنتشار الاسلحة والاشتباكات بين مسلحين كانوا في عداد الثوار، وتفجيرات واغتيالات طالت قادة الجيش والصحافيين، ومسلحين يسيطرون على معظم الموانئ وحقول النفط، وبرلمان تحول مسرحاً للصراعات القائمة، والحكومة تقف عاجزة عن تقديم أي حلول أمام تمسك الثوار بأسلحتهم.، فضلاً عن وجود فراغ في السلطة وصراع تناحري عليها، واحتقان شعبي يقود إلى العنف في الشارع.
ليبيا الحديثة اليوم تعج بفوضى السلاح والاقتتال، ولم يمر يوم دون وقوع عمليات إقتتال في الغرب كما في الجنوب والشرق، فهي دولة تضعف فيها الهيئات الحكومية وتغيب فيها فعالية الجهاز السلطوي وتمزق حكومتها الخلافات الداخلية، حيث تتنافس فئات مختلفة على السلطة في مجلس الوزراء الليبي وكل واحدة منها تعتمد على الميليشيات المسلحة من الثوار القدامى والذي تبلغ أعداد أفرادها حوالي 200 ألف شخص على أساس إقليمي وقبلي وأحياناً، كما في حال الإسلاميين، على أساس طائفي، والتي تسيطر عليها  ثقافة العنف، فالجيل الجديد من الليبيين أصبح يحل مشاكله وخلافاته بقوة السلاح الذي يمتلكه.
ومن اهم المخاطر التي تواجهها الدولة الليبية الدعوات الانفصالية تحت مسميات "الفيدرالية"، وكان آخرها إعلان رئيس ما يسمى المكتب التنفيذي لإقليم برقة شرق البلاد تشكيل حكومة من 24 وزيراً لإدارة الإقليم، وإعلان قوة للدفاع عن الاقليم بهدف حماية منشآته الحيوية والإستراتيجية وحفظ الامن، لعل اخطر ما في هذا الوضع إنه لا يشجع  على اي بوادر حقيقية لإستعادة الدولة والخروج من عقلية الثورة وميليشياتها، فالليبيين يجدون صعوبة في التوافق على خريطة طريق سواء لإنهاض الدولة او للحفاظ على حد أدنى من اللحمة بين مكونات المجتمع الليبي.
وفي سياق متصل يواجه الاقتصاد الليبي اليوم تحديات صعبة، كما هو معروف أن ليبيا تنتج نحو 1.6 مليون برميل من النفط يومياً، واليوم أصبح  الإنتاج غير مستقر، وهناك توقف في عمليات الإنتاج والتصدير، هذا ما يجعل البلاد تعاني تناقصاً في كميات الوقود اللازمة للاستهلاك المحلي، حيث انخفض مستوى الإنتاج وتراجع الدخل الوطني في ظل عدم الاستقرار، فالأوضاع الأمنية في ليبيا لم تشجّع كثيراً من المستثمرين الدوليين لضخ أموالهم في ليبيا، ما أخّر تنفيذ مشروعات إعادة هيكلة البنية التحتية، والمشروعات الخدمية ذات الصلة المباشرة بالمواطن الليبي، وربما لن يأخذ الاقتصاد الليبي مجراه التنموي الكامل في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها ليبيا،
فالذي يحدث في البلاد حالياً لا يمكن أن يقود لتأسيس دولة مؤسسات وقانون، ولا يمكن ان يكون في المسار الديمقراطي الصحيح، بل إن استمرار هذه الممارسات الخاطئة سيقود ليبيا إلى تداعيات كبيرة تتعلق بشراكتها ومصالحها مع الدول الأخرى على مختلف المستويات الدولية والإقليمية.
‏ فالمتابعون لتطورات الشأن الليبي يقرون بأن الأوضاع في ليبيا لا تبعث على التفاؤل بحدوث الاستقرار المنشود على المدى القريب، حيث لا تزال الحكومة تعاني من هشاشة وضعف أفقدها السيطرة الكاملة على الأوضاع، مما أسهم في ذلك جيش غير مدرب وغير قادر على السيطرة على مناطق شاسعة من أراضي البلاد، حيث تتقاتل ميليشيات من أجل فرض سيطرتها على المناطق التي تنشط فيها والحفاظ على نفوذها العسكري والمالي والسياسي
فالسؤال الذي يفرض نفسه بقوة، ما هي سيناريوهات مستقبل ليبيا؟
في ضوء هذه الوقائع والمعطيات، فإن استمرار واقع الفوضى وعدم الإستقرار وفقدان الأمن والأمان في ليبيا يقود إلى سيناريوهين أساسيين هما:
السيناريو الأول: أن يؤدي هذا الواقع، إلى فرض مخطط تقسيم ليبيا إلى دويلات وفيدراليات تسيطر عليها المليشيات، وهو ما يناسب الشركات الغربية التي لها مصلحة في عدم وجود دولة مركزية والإبقاء على واقع الصراعات والانقسامات، لأنه يتيح لها المجال للتحكم بعملية نهب الثروة النفطية في ليبيا، وبالتالي تسعى الى بقاء مظاهر انتشار السلاح والكتائب المسلحة في البلاد.
فليبيا الموضوعة على لائحة التقسيم والفيدرالية تتميز بموقع جيواستراتيجي، لكنها تقترن أيضاً بميزات إضافية ذات طبيعة استراتيجية حيوية، فهي تشكل اثنين في المائة من إنتاج النفط العالمي، وهي بوابة أفريقيا الشمالية، وصاحبة أطول شواطئ الاتحاد المتوسطي، وعصب الجغرافيا السياسية للمغرب العربي.
وهذا السيناريو ضعيف الإحتمال نظراً للتشابك الاجتماعي بين الأسر الليبية، وبحكم عوامل المصاهرة بين القبائل والعائلات الليبية، الأمر الذي يفرض قيوداً على أية محاولة انفصالية بين المناطق الليبية، أو قيام نظام فدرالي، إلا في حالة التدخل الخارجي، وإعادة تأسيس دويلات الهويات الثقافية والسياسية، وفي حالة صعود مؤشرات هذا السيناريو فان قيامة لا يتم إلا في ظل استمرار المواجهات المسلحة بين الجماعات وأهالي المناطق في مختلف أنحاء ليبيا.
أما السيناريو الثاني: يؤدي الى تكّون رأي عام واسع النطاق يسعى باتجاه إيجاد بديل وطني يقوم على أساس العمل لبناء دولة مركزية، توحد ليبيا على قواعد وأسس تعزز دولة العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين الليبيين، وذلك من خلال توفير الأمن والوئام الاجتماعي وتجريد الجماعات المسلحة من أسلحتها.
ويتأسس هذا السيناريو من خلال حجم الغضب والسخط الشعبي في جميع المناطق الليبية، إزاء سيطرة المجموعات المسلحة وصراعاتها التي أفقدت الليبيين الشعور بالأمن والاستقرار، وزادت من حدة أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية، وهنا لا بد من إجراء الحوار السياسي المشترك، وعلى مدى الحاجة لانضمام سريع لجميع أفراد المجموعات المسلحة الى قوات جيش وأمـن تتحكم فيها الدولة والانضواء تحت مظلة القانون أو العودة للحياة المدنية.
وأختم مقالتي بالقول إنني أرى ليبيا المستقبل الأمنة والمستقرة إذا قام كل مواطن ليبي مخلص لوطنه بأخذ دوره الحقيقي والعمل على إصلاح كل ما أحدثه العدوان ونبذ الخلافات والفرقة وفتح صفحة جديدة في التعامل مع كافة أبناء الشعب على مختلف توجهاتهم السياسية والمذهبية والعنصرية الى هدف واحد هو الحفاظ على ليبيا واحدة موحدة أرضا وشعبا تحت خيمة المحبة والتسامح،  فتسوية النزاعات في ليبيا تتطلب الى تفاهمات واضحة، ومتابعة حكومية لها، بالإضافة الى آليات تنفيذ ومساءلة حقيقية، فضلاً عن مراقبة الحدود وضبطها، وكل هذه الأمور غائبة اليوم في ليبيا، لذلك لا بد أن تستعيد الدولة الليبية دور المؤسسات الأمنية والقضائية ووضع نهاية لفوضى المليشيات، وبالمقابل هناك ليبيون مؤهلون لإعادة الاقتصاد الليبي إلى المسار الصحيح والملائم وتوظيف الإمكانات الإدارية والمالية وتأسيس شركات ومؤسسات وطنية تلعب الدور الأساسي والحافز في مختلف القطاعات الحيوية في مختلف أنحاء ليبيا.
 

الوسوم (Tags)

ليبيا   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz