Logo Dampress

آخر تحديث : الأربعاء 24 نيسان 2024   الساعة 03:02:43
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
لماذا استسلم الأكراد في تركيا ؟ بقلم: عبد الحق العاني

دام برس:

ليس الحديث عن استسلام أكراد تركيا أمراً عاطفياً، بل هو في صلب الحقيقة. ذلك ان الثورة المسلحة لا تلقي السلاح إلا في حال الإستسلام فلم يعرف التأريخ ثورة مسلحة ألقت السلاح ثم حققت أي هدف من الأهداف التي قامت من أجلها. فهناك فرق بين أن تقوم ثورة سلمية وتستمر في سلميتها ثم تحقق أهدافها وقد لا تحقق شيئاً.. لكن الثورة التي تنطلق مسلحة لا يمكن أن تتوقف إلا بأحد أمرين: النصر أو الإستسلام فليس بين الحلين ثالث. فالثورة لا تقوم إلا ضد سلطة وتلك السلطة تظل في مكانها ماسكة بزمام الأمر حتى يحسم الموقف بأحد حلين فإما أن تفقد السلطة سيطرتها وتنتصر الثورة وإماأن تتوقف الثورة وتنتصر السلطة.

والحديث يكون عبثيا إذا دار حول إمكانية تحقيق نصر للثورة من خلال التفاوض، ذلك لأن السلطة التي لم تعط الثوار شيئاً وهم يحملون السلاح لا تجد حاجة لأن تعطيهم شيئاً بعد أن ألقوا سلاحهم.

فبعد عقود من الثورة التي ضحى وجرح وتشرد بسببها وفي سبيلها عشرات الآلاف توقفت فجأة بدعوى أن سلاماً ما سوف يتم من خلال التفاوض، فينال الأكراد فيه حقوقهم.. لكن أياً من هذا لن يتحقق!

فأكراد تركيا شأنهم في ذلك شأن الأكراد في الدول المجاورة لم يتح لهم يوماً حق تقريرمصيرهم رغم أن هذا الحق أعطي في أعقاب انهيار الدولة العثمانية، وإن كان شكلياً،لأقوام أخرى تعيش معهم. وقد نتج عن هذا الوضع أن الأكراد ظلوا يعانون من هذاالظلم الذي لحقهم ثم وجدوا أنفسهم يعيشون في بيئات كانت في بعض الأحيان معادية وفي كثير من الأحيان تمييزية ومضطهدة. وتباين هذا التمييز والإضطهاد، فبينما حصلأكراد العراق مثلا على حقوق قومية كثيرة خلال حكم البعث في سبعينات القرن الماضي فإن أكراد تركيا، وهم يشكلون غالبية الشعب الكردي وثلث سكان تركيا، ما زالوا لايمتلكون حتى حق إختيار التعليم بلسانهم.

فحين انطلقت الثورة الكردية في تركيا فإنها كان لها من الحتمية التأريخية ما يجعلهاأمراً لا مفر منه.  بل إنها كانت أقرب لمفهوم الثورة من الثورة الكردية في العراق. فالثورة الكردية في العراق والتي انطلقت بشكل بدائي عام 1961 عانت من مشكلة حقيقية أفقدتها كثيرا من دعم الثوار في العالم، ذلك لأنها قامت ضد نظام وطني معاد للإستعمار والإستكبار العالمي (الإمبريالية)، فليس هناك مراقب للسياسة يختلف على أنحكم العراق بين عامي 1958 و2003 كان حكما وطنياً وقد ثبتت تحالفات حكومات العراق المختلفة في تلك الفترة مع النظام السياسي الشيوعي أو اليساري في العالمهذه القناعة. لذا فقد وجد الثوار في العالم أنفسهم أمام موقف عصيب فرغم قناعتهم بحق الشعب الكردي في مطالبته بحرية تقرير مصيره إلا أنهم وجدوا انفسهم مخيرين في الوقوف مع حكومات تحرر وطني في العراق أو مع حركة تدعي الثورة ويدعمهاالإستكبار العالمي مباشرة أو بالواسطة ممثلاً في شاه إيران. فلم يكن الخيار سهلاً!

أما الثورة الكردية في تركيا فلم تعان من هذا الموقف الصعب والمحير. ذلك لأنها قامت اساساً ضد نظام سياسي متحالف مع الإستكبار الصهيوني العالمي والذي لا يقيم وزن اًلطموحات الشعوب، فنظرته مبنية على تحقيق مصالحه في الهيمنة على العالم فإذاتطلبت مصالحه دعم أكراد العراق فهو سيفعل إما إذا كانت مصالحه تعني إرضاءحكومة أنقرة فهو راض عن سحق أكراد تركيا...ذلك لسبب بسيط وهو ان الإستكبارالعالمي لا ضمير له!

وحكومات تركيا منذ إنتهاء الحرب العالمية الأولى في ركاب الإستكبار العالمي، وسواءأحكم تركيا العلمانيون من أتباع أتاتورك الذين يعتقدون، ودون أي مسوغ عقلي أوتأريخي، انهم من شعوب الله المختارة، أم حكمها عثمانيو القرن الجديد، فهم جميعاحلفاء للمشروع الإستكباري الذي تمثل الصهيونية اليوم أعلى مراحله. ولا حاجة لإثبات هذا فإنه لا يمكن أن ينكره إلا أعمى!

فثورة الأكراد في تركيا كانت من سياق الثورات التأريخية المعادية للإضطهاد في مصدره وليس في بيوت وكلائه، أي بمعنى آخر كانت ثورة ضد الإستكبار العالمي لأنههو مصدر كل إضطهاد وعدوان وتجاوز علي قيم الأرض والسماء. فكانت كثورة كاستروونيكاراغوا وفيتنام وغيرها غير قليل من الثورات.

فما الذي حدث ولماذا توقفت هذه الثورة؟

ويبدو لي أن سبب ذلك التوقف المفاجئ يعود لمشكلة يعاني منها العالم الإسلامي دونغيره من شعوب العالم...ألا وهي مشكلة تقديس الفرد. وقد ينكر علي البعض هذاالإستنتاج ويسوق الأمثال للطعن به..لكن دعونا ننظر الى الحقائق..

فقد قدم الشعب الكردي النفيس من أجل مطالبه العادلة، فما الذي تحقق اليوم لكي يوقف مطالبته المشروعة؟

إن كل الذي حدث هو أن عبد الله أوجلان أمر بوقف العمليات العسكرية وصرح أردوغانأن الحكومة التركية سوف توقف عملياتها العسكرية إذا التزم الأكراد بالقرار.. ثم قيل أنه سيتلو ذلك إنسحاب للمقاتلين الأكراد من تركيا! لكن أحدا لم يقل لنا إلى أين سيذهبالمقاتلون الأكراد، أحقاً أنهم سيذهبون إلى شمال العراق؟. أليس قرار إبعادهم عن تركياهو نفي دائم لمقاتلي الشعب؟ وكيف سيتم التعامل معهم حيث يذهبون؟ هل سيعاملون كلاجئين أم ينتهون كما انتهى مقاتلو خلق في العراق؟

ثم ما الذي سيحصل عليه الأكراد بعد كل هذا وبعد كل تلك التضحيات الجسام؟

فإذا استثنينا إطلاق سراح أوجلان من السجن فالجواب لا شيء الآن ولا شيء غداً، بلعلى العكس فإن أردوغان سيؤكد لمن حوله أن سياسية البطش المدعومة من حلفالأطلسي قد أثمرت وليس هناك من داع لإعطاء الأكراد أي شيء.

إن هناك حقيقة قد غابت عن أذهان الكثيرين وهي أن عضوية تركيا في حلف شمالالأطلسي، وهي أي تركيا لا علاقة لها بالأطلسي لا من قريب ولا من بعيد فلا هي دولةنصرانية ولا أوربية ولا أطلسية، ليست من قبيل الصدفة وإنما كانت وما زلت تؤمن حدوداً مشتركة مع المشرق العربي نزولاً حتى شبه الجزيرة. ولا يمكن لحلف شمالالأطلسي أن يسمح بقيام أي وضع سياسي يتوسط هذه الجغرافيا أي بمعنى آخر لايمكن للحلف أن يسمح بوجود سياسي غير تركي بين حدود الحلف والمشرق العربي وهذا القرار ليس بيد أردوغان ولا مؤسسات التبعية التركية أياً كانت بل هو قرار أساسفي نظام الإستكبار الصهيوني. وعليه يصبح من قبيل المستحيل منح الأكراد في تركياأي وضع سياسي يمكن لهم مستقبلا إحتمال المطالبة بحكم ذاتي أو إستقلال سياسي.

فمشكلة الثورة الكردية اليوم ليس في مشروعيتها أو مقدرتها على الإستمرار وإنما هيفي طبيعة العلاقة بين الثوار وقائدهم. وهذه العلاقة في العالم الإسلامي هي علاقةالوصاية الأبوية وهي مستندة على طاعة ولي الأمر التي ثبتها فقهاء المسلمين إرضاءللحكام وليس لأنها حقيقية دينية متعلقة بجوهر الإسلام. وقد تأصلت هذه الحقيقة بالتسليم لولي الأمر أياً  كان، فحتى الثوار حين ينتقلون من وضع الإستسلام للحاكم المطلق إلى اتباع قائد ثوري فإنهم ينقلون تلك الطاعة للقائد الثوري...

وهذا عيب كبير في حركة الثورة في العالم الإسلامي كله.. فلو وجدت قيادة ثورية متضامنة ومتكافلة لما تمكن عبد الله أوجلان أن يوقف الثورة بقرار فردي...

وهو عندي معذور إذا كان قد تعب من الثورة..

وهو عندي معذور إذا كان وصل حد الإحباط في عدم تحقيق شيء،

وهو عندي معذور إذا اعتقد أن هذه هي اللحظة الملائمة للإنتقام من سورية التي فرطتبه وأسلمته لجلاديه في يوم اسود..

وهو معذور في كل هذا، لكنه ليس معذورا عندي في أن يستعمل سلطته ليوقف الثوارويفرط بكل التضحيات لأي من الأسباب التي ذكرت أو لأسباب ما تزال مجهولة تمت بصفقات سياسية قد تعرف وقد لا تعرف..فهو حين فعل ذلك أثبت للعالم أنه مازال يعيش بعقلية رئيس القبيلة وليس بعقلية ثائر مثل كاسترو أو مانديلا أو أحمد سعدات!

إن الثورة أي ثورة في عالمنا الإسلامي لن تنجح ما دامت ثقافة تقديس الفرد سائدة. إنالعالم الإسلامي بحاجة لعملية تنوير قد يكون إحدى نتائجها تقليل الوصاية والولاء لولي الأمر أيا كان.

عبد الحق العاني
 

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   إلى السيد كاتب المقال
مالذي تريد الوصول إليه من قولك: وهو عندي معذور إذا اعتقد أن هذه هي اللحظة الملائمة للإنتقام من سورية التي فرطتبه وأسلمته لجلاديه في يوم اسود.." ؟؟؟ هل تريد من سوريا في ذلك الوقت ان تتحول إلى ملعب للرؤوس بسبب أوجلانك هذا ؟؟ لقد طلبت منه المغادرة لكنها لم تسلمه . وليست هي الان السبب في أنه رمى كل تضحيات شعبه في سلة القمامة من اجل أن يسلم هو الآن أقول ": الحمد لله أن سوريا لم تضحي من أجله في ذلك اليوم الأسود كما تسميه ..
سوري غاضب  
  0000-00-00 00:00:00   مؤامرة اخرى ضد سوريا
المجرم اردوغان يعتقد ان انتصار الخونة في سورية قريب و قد عقد صفقة مع اوجلان ترمي الى نقل الاكراد الى سوريا في فترة لاحقة يعتقد انها ليست ببعيدة مع وعود اخرى اكيد تبقى سرية لكن ماذا لو تنقلب على تركيا هذه المؤامرة بعد انتصار الاسد و يجد اردوغان نفسه في خسارة مذلة ؟ انذاك لا مجال لتقديس الشخصيات فقد تنقلب الثورة على الاتراك باكثر شراسة من قبل ان عرف النظام في السوريا المجيدة كيف يحركها بذكاء
ثعالبي  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz