دام برس:
ما أفهمه أنا عن العلاقة بين الوطن والمواطن أنها بعيدة عن الإستثمار والفائدة والربا والبيع والشراء و هي حالة من التماهي مع حروف الوطن وجزيئات هوائه والإنتماء إلى ذرات ترابه ، فإما تختبئ هي في ثنايا شريط ال " DNA " للمواطن فيتلقفها الوطن مرحباً ومحتضناً ،، أو أنها لا تكون . انها النبتة التي يصعب زرعها و لاتوجد مواسم خاصة لتجذرها ونموها ، فإما أن يكون الإنتماء للوطن أو لا يكون . أزمة الوطن السوري خلال العامين الماضيين عرت الأجساد النتنة وأظهرت العاهات الأخلاقية عند البعض ، وكشفت عدساتها ما لم يستطع أي مجهر أو تلسكوب متطور كشفه ، فبانت سموم الأعراب تسيل على جانبي شفتي حمد وأبو متعب ، واظهرت الأشعة ما فوق البنفسجية ملامح وتفاصيل الخيانة الاردوغانية الأتاتوركية ، واتضحت عبر تجارب ومحن زمن الحرب جينات نذالة من ظن الوطن أنهم ابناؤه فيما اظهرت النتائج أنهم أشباه بشر ينتحلون صفة المواطنة . تقدم إليه أيها الإنسان بخطًى صادقة ، يحتضن نبل أهدافك بكل الحب الذي عرفه الكون ،، هكذا هو الوطن .. .
كنت أجد صعوبة في بداية الحرب على سورية في إقناع من ألتقيهم من الأجانب بوجهة نظري حول المؤامرة على سورية وعدم حيادية الإعلام الغربي وتورطه بحربٍ قذرة ساحاتها أرضية وفضائية لكن أسلحتها القذرة موجهة للعقول لتغير فيها ما استطاعت ، وتسيطر على بعضها ما استطاعت ، تغير الحال اليوم وباتت نسبة عالية جداً ممن تفصلهم عن سورية آلاف الكيلومترات مقتنع بصوابية ما كنت أقول وأشرح وأعيد وأكرر ، ساعد في ذلك وبشكل كبير عامل الزمن وذلك الفضول الإيجابي الذي دفع بعض أولئك لقراءة تقارير مغايرة لما تقدمه الشاشات المشبوهة والصحف المأجورة ، وللإستماع إلى وجهات نظر سوريين يتابعون الحدث ساعة بساعة ولحظة بلحظة ، ويعرفون ما لا يعرف معظم معدي وضيوفهم ومقدمي نشرات الأخبار على معظم المحطات العربية والأجنبية الشريكة في العدوان ... .
و رغم قتامة معظم مشاهد الواقع وزهو بعض لوحات الماضي لكنني اليوم لن أعود في الزمن خطفاً أو خلفاً وسأبقي قدمي كما مفرداتي ثابتة راسخة على أرض الواقع السوري ، سوف اسمح فقط لمفردات هذه المقالة أن يسترق بعضها النظر إلى الخلف ولبعضها الآخر أن تتطلع وترنو نحو الأفق فيما تجول باقي المفردات أرض الواقع أزقةً وشوارع وساحات وبلدات ومدن ودول وقادة وسادة وأتباع على هيئة قادة وسادة ، لتلحظ أيضاً بعينٍ مجهرية ما يعلق على أحذية هذا الفريق وذاك من الغبار والأوساخ التي يشبه بعضها بعض البشر !!!
كما بات معلوماً فإن الحرب العالمية على الوطن السوري استدعت إلى جانب قطعان الجهاديين التكفريين جيشاً إعلامياً تكنولوجياً متطوراً ومتمرساً ومحفزاً بكل أنواع الحوافز .. الإستراتيجية منها التي ترسمها الحكومات وأجهزة مخابراتها والشخصية منها التي تحركها الأحقاد والخلافات ، والمادية التي تتكفل بها دويلات النفط والغاز ،، وأنا أجزم هنا أن جيشاً آخر كان ضرورياً وملحاً وهو مؤلف من أرواح من ماتوا وابتلعتهم الأرض و " صارت عظامهم مكاحل " ، هذا الجيش الفريد الذي يتكون غالباً ممن كان لهم في غابر الأزمان باعٌ طويل وبصمة ما " سلبية على الأغلب " في زمنٍ ما أو حقبة محددة ، لكن اللافت كان أن الحرب على سوريا استدعت عملية إبتلاع تلك الأرواح ، فلبست تلك الأرواح أجساد أفراد فريق العدوان على سوريا ، و ظهرت وتجلت في سلوك وأفعال وأقوال ذاك الفريق ، و ما الوجوه في هذه الحال سوى الأقنعة التي يتخفى ورائها هذا التزاوج الشيطاني بين أرواح الفريقين . تحضرنا اليوم وتفرض نفسها علينا أرواح بعض من سجل لهم التاريخ طويل باع في الكذب والرياء والنفاق والخداع فمنهم من كان دجالاً بعينٍ واحدة فسمي بالأعور الدجال ، ومنهم من كان " مسيلماً أو متأسلماً " فسمي مسيلمة الكذاب ، وغني عن القول أن أشهرهم في المجال العسكري والحربي والسياسي كان جوزيف غوبلز " وزير إعلام هتلر " وصاحب المقولة الشهيرة .. إكذب إكذب حتى يصدقك الناس ،، ثم إكذب حتى تصدق نفسك ، ذاك الذي إتخذ معظم قادة العدوان على سوريا من أفكاره مثلاً أعلى ومن اسلوبه منهجاً وتناوبوا على إخفاءه خلف وجوههم ، لكن ولسوء حظ أولئك فإن أصحاب النظرة الثاقبة والنظر البعيد والعيون المجهرية هم كثرٌ جداً في زمننا هذا ، سيما من السوريين ، والتجربة المعاشة تقول هنا أنهم استطاعوا أن يكذبوا على البعض لبعض الوقت وأن كذبهم لا زال يستوطن عقول آخرين على هيئة حقائق ، لكنه سقط أمام ذكاء وفطنة ونباهة غالبية الشعب السوري وآخرين خارج حدود الوطن ، من هنا بات انفضاح أمر أولئك المقنعين حالة يومية ومشهد يتكرر على مدار الساعة ... .
لم يك في هذا الإطار القناع الكيني لأوباما ولا ذاك الأنثوي لوزيرته كلينتون كافيان لإخفاء هول الكذب وحجم الخداع الذي كانت واشنطن مسرحه على مدار العامين الماضيين ، ولم يشفع قناع أحفاد الثورة الفرنسية وحماة الحرية لهولاند وفابيوسه في محو آثار اقدامهم وأقدام أجدادهم الإستعمارية عن تراب الأوطان التي استعمروها ،، سيما الوطن السوري ، ولم تنفع شعارات " الرأي والرأي الآخر " و" أن تعرف أكثر " وأحاديث الثورات جميعها وتحديداً السورية منها وندوات عزمي والظفيري و فريق منظري هاتين الأداتين الجرثوميتين وابواقهما المأجورة ،،لم تنفع تلك الجوقة جميعها حمد وحمده ولا عبدالله بن سلول القحطاني وسعوده في إخفاء بغضهم وحقدهم ونذالتهم وعمالتهم وتبعيتهم ، ولم تنفع كل المشاهد المسرحية من دافوس إلى مرمرة و أنقرة ولا كل الألحان العازفة على أوتار الدين في إخفاء وجه جمال باشا السفاح الذي يتلطى خلف الوجه الاردوغاني والأوغلي ، ولم يساعد الدخان الذي غطى سماء الغليون في إخفاء معالم الوضاعة التي ارتسمت على محياه وإستبداله لمعطف المفكر بعباءةٍ أعرابية مصنعة من الحرير الصرف ، ولم تجدي كل أنواع المضادات واللقاحات في إخفاء هوية السيدا عن وجه صاحبها الذي ارتضى لعب أحد أدوار الكومبارس في مسرحية " المستجلس على خوازيق المجلس " ولو إلى حين ، وتاه الدين بين شفتي "خليفة غليون وسيدا " يوم أعلن نفسه مطراناً لدار إفتاء المعارضة السورية ومشايخها، فكان أعوراً جديداً وكان دجالاً .. .
لم تساعد أيضاً في هذا الخصوص كل الأوزان الثقيلة التي تم رميها على كتفي المفكر العالمي ميشيل حتى إحدودب ظهره كي يقدم أفكاراً ذات قيمة ورائحة وطعم والأهم ،، ذات أوزان حقيقية ،، لكن النتيجة أن الأمر كان محال لأن الرجل ببساطةيتفلسف وينظر ويتفذلك ويحاضر ويجاهد ،،، بالكيلو ،، ، كذا فشلت محاولة إخفاء نسخة غوبلزية جديدة خلف زي تنكري كانت الذقن أحد أهم أساساته كما كثرة الإستعاذة بالله من كل الشياطين ،،عدا الأعرابية والغربية والصهيونية منها ، فتلك لها شفاعة الأئمة والمفتين وخطباء المساجد الثورية ، هذا ما كان عليه حال الخطيب معاذ ،أعاذنا الله وإياكم من قادم شره وشروره ، لم يجدي التلوين أيضاً ولا عمليات تغيير الجلد والبشرة من اللون الحنطي إلى الأخضر في طمس حقيقة الإبراهيمي المنحازة " منذ ما قبل بدء المهمة " إلى حلف الغوبلزيون الذين يعملون في الخفاء وهو الذي قدم بدايةً أداءً جيداً في تمثيل دور النزاهة والحيادية التي سرعان ما تكشفت حقيقتها بعد أول حمام أو مغطس ساخن وضعه فيه أسياده ، فظهر الأخضر بلونه الحقيقي وتلون ماء المغطس باللون الأخضر ، بقي لنا أن نذكر تلك المجموعة التي لم تساعد صيحات التكبير ولا الأعلام السوداء القواعدية ولا شعارات لا إله إلا الله ولا الإستعانة بأسماء الخلفاء والصحابة و أقرباء الصحابه و أصحاب الصحابة وجيران الصحابة في إخفاء حقيقة أنهم أشباه بشر مستنسخون عن أبي جهل ورفاق دربه وعصره وزمانه !! ، مع فارق بسيط لكنه جوهري هو أن رأس أبي جهل تم قطعه أو جزه أو حزه أو فصله عن جسده في معركة بدر ،،فيما يقوم أحفاد أبي جهل اليوم بحز وجز وقطع رؤوس الأبرياء من أهل الوطن السوري على مرأى ومسمع من الكون بكل حضاراته وحكوماته وشعوبه واديانه.. سيما الإسلامية منها ، وهنا بيت القصيد ؟؟!! .. .
عن الكذب .. أقول أنا و دون الخوض في شخوص أبطاله على الساحة السورية أن أهم نتائج ممارساتهم للكذب كان تزايد إنعدام الثقة في أقوالهم وأفعالهم ونواياهم ، وأن كذبهم كان فاضحاً لجهة تزييفه لكامل الحقائق وقلبه للصورة والمشهد رأساً على عقب ، وأنهم استمرؤوا الكذب حتى بات زادهم وماءهم وهواءهم وبات رفيق دربهم ومؤنس لياليهم ، يلازمهم أنى تنقلوا وارتحلوا ويشاركهم مؤتمراتهم الصحفية ومقابلاتهم التلفزيونية وينام في أسرتهم ليكون جزءًا من أحلامهم وأوهامهم وكوابيسهم التي تتمحور معظمها حول هدفٍ أو وهمٍ يقض مضاجعهم يتمثل في كيفية إسقاط سوريا شعباً وجيشاً وقيادةً . ونستحضر هنا بعض الحقائق العلمية والمنطقية فنقول أن الحقيقة الواضحة التي أثبتها المنطق وعلم النفس أن الإنسان الذي يعجز عن تحقيق ما تصبو إليه نفسه ويتمناه يلجأ عادةً إلى الكذب على الآخرين وعلى ذاته بأن الهدف المرتجى قد تحقق أو هو على وشك التحقق ، وأما من تكون لديه الثقة بمقدراته وإمكاناته فلا يضطر إلى اللجوء للكذب وسيلة ولا يتخذه منهجاً ، بل يسعى لهدفه بثقة وصمت ويفاجئ الآخرين بتحقيقه وإنجازه ويصدم أعدائه ويثلج قلوب أصدقائه وحلفائه ومؤيديه بإنجازه المفاجئ أو نصره الصاعق الذي لم تسبقه حملات دعائية ولا إعلانات تسويقية ... .
لكن علينا أن نعترف بالمقابل بأنها الحرب وفي هذه الحرب القذرة كما في كل الحروب التي كان التاريخ شاهداً عليها تشكل المعارك النفسية التي ترتكز على الجبهة الإعلامية ركيزة أساسية في محاولة الوصول للأهداف ، ولكل من قد يجادل في حقيقة وحجم وهول الكذب كسلاح أساسي في الحرب على سورية نقول .. أن التجربة المعاشة في قراءة المشهد السوري تأخذنا للوقوف ملياً عند بديهيات علم النفس وحقائقه التي تؤكد في معظمها أن الكاذب يستخدم عادةً جملاً مقتضبة ومفردات قليلة ويعيد تكرارها مراتٍ ومرات بمناسبة ودون مناسبة ، تماماً كما فعل كل القادة والأتباع في معسكر العدوان على مدى سنتي الحرب على الوطن السوري ، فقد عشنا جميعاً تفاصيل هذه الحقيقة عبر أكذوبات مللناها وتعبت آذاننا من سماعها .. من نوع " أيام الأسد باتت معدودة " أو " سقوط الأسد بات مسألة وقت " أو " أن تنحي الأسد مسألة حتمية " ، أو أن " الثوار يسيطرون على المدينة الفلانية أو المطار الفلاني " ،أو " أن الجيش السوري الحر بات يسيطر على سبعون بالمائة من مساحة الأرض السورية " مع العلم اننا لا ننفي أن سيطرة ما قد تمت لأولئك في بعض الأحياء والقرى وفي حالات نادرة على بلدات بأكملها وبعض المراكز الحدودية ، لكن الصحيح الذي يفرض نفسه واقعاً على الأرض أيضاً أن هذه أو تلك السيطرة كانت دائماً جزئية وآنية ومؤقتة وكان يتبعها في أغلب الحالات انسحابات تكتيكية متتالية تحت وقع ضربات حماة الديار السورية ،، تلك الضربات الماحقة التي باتت معلومة التفاصيل للشرق والغرب ... .
في العموم فإن مدرسة الحياة وكتاب تاريخها علمانا أن غالبية البشر يدركون غالبية الحقائق ولو تناقض ما يؤمن به البعض مع بعض ما يؤمن به آخرون ، لكن قلة قليلة تجاهر بهذا أو ذاك الإيمان وتجسد تلك الحقائق والمبادئ قولاً وفعلاً وموقفاً وسلوكاً . في سوريا إنعكس ضوء الحقيقة على مرآة الواقع وارتدت اشعاعاته لتملأ الكون وتضيء العقول وتنير عتمة الصالات التي يقبع فيها الكذب والوهم وتغرقهما في بحر الحقيقة السورية البحر الذي تنطق قطرات مائه بشهادتها إذ تقول أن لهذه الأرض ولشعبها وجيشها موعد مع النصر ،، طال زمن انتظاره أم قصر ، وأن الأرض التي تعمدت بدماء ورودها ،، لها أن تنتظر أرواحاً من القداسة تشارك في إحتفالية النصر الموعود ... .
نمير سعد