دام برس:

جورج .. عيناكَ مليئتان بالكلام و الحنين و التوق ...جورج .. وجهكَ يشبه البحر لكن ما له شطآن كأنه المدى ...جورج .. صوتكَ متاهة للنسيان و التعب ...لكن كل ذلك لن يشفع لك أبداً ...

فغداً و ربما بعد غد على أبعد تقدير .. ستبدأ البحث عن ملجأ أو مكان آمن لك .. ولو تحت سابع أرض لأننا  جميعاً سنعمل بكل عزم و إصرار لذبحكَ تحت جنح الليل القابع فينا منذ قرون ...

غداً و ربما بعد غد على أبعد تقدير .. ستجدنا جميعاً نرفع الصوت عالياً وفي السر والعلن للمطالبة بشنقكَ بتهمة الخيانة العظمى و العمالة أو أية تهمة أخرى ...

غداً و ربما بعد غد على أبعد تقدير .. سنبدأ جميعاً بملاحقتك و متابعة كل حركة تقوم بها وكل حرف تهمس به وكل نفس تتنفسه كأي مشتبه به و خارج

على القانون ...

غداً و ربما بعد غد على أبعد تقدير .. سنشهر بوجهك سيوف حقدنا و كراهيتنا و غدرنا و خبثنا .. ولن نرحمك تحت أي اعتبار ...

غداً و ربما بعد غد على أبعد تقدير .. ستجاهد وتظل تجاهد ومن غير جدوى لتثبت أنك ابن شرعي لمكانك وبيتك وعائلتك ...

غداً و ربما بعد غد على أبعد تقدير .. سندفعك مجبراً و شيئاً فشيئاً للعودة إلى دائرة صغيرة ثم الأصغر فالأصغر ولن تتجاوز مساحتها حدود اسمك أو سريرك و بالكثير الكثير قريتك ...

غداً و ربما بعد غد على أبعد تقدير .. سنجعلك تشتهي وتتمنى وفي كل لحظة أن تعود إلى سجنك العتيق ...

جورج .. ما لا تعلمه أن كل شيء قد تغير فينا و لم يبقى منا سوى أصداء أسماء وبقايا أصوات و حفن أقنعة ...

جورج ..  ما لا تعلمه أن الوطن الكبير بات أوطاناً لا تحصى تزداد كل مساء .. أما الشعب الواحد  فغدا شعوباً من طوائف و مذاهب و ملل وعشائر و قبائل

و عائلات ... و التاريخ ليس أكثر من ورق أصفر ممزق .. و النار التي في داخلنا أولى به ...

جورج ..  ما لا تعلمه أننا نذبح بعضنا البعض و بلا شفقة ولا رحمة بالسكاكين و البلطات  و السيوف و الخناجر وحتى الحجارة .. وقبل الغروب نتحول لذئاب ضارية لا ترتوي من شرب الدماء القانية .. كرمى لعيون أي خطاب أو هتاف أو أي شيء آخر يذكرنا بحنان " الجمل " القابع في شراييننا و عظامنا ونخاعنا الشوكي ...

جورج ..  ما لا تعلمه أننا نصبح " نعاجاً " أو كلاب صيد عندما يكشر أحفاد

بن غور يون عن أنيابهم السامة القاطعة .. أما عندما يتعلق الأمر بأي أحد آخر فيكون الكلام غير كلام على الأخص أولئك الذين يحملون نفس أسمائنا و يقطنون في حاراتنا و بيوتنا ...

جورج .. فلسطينك التي كانت تلهب و تلهم مشاعر و أفكار الشعراء والأدباء أمثال نزار قباني و محمود درويش و محمد الماغوط والكنفاني .. لا مكان لها إلا في خيالك و أوراقك .. و كوفية عرفات صارت رمزاً لماضٍ سحيق و بعيد .. أما نحن

فاستطعنا بحنكة و دراية نادرتين أن نتحول و بالتدريج .. من الوطن الكبير

إلى كل قطرٍ أولاً .. فإلى كل مدينة أولاً .. لننتهي اللهم أسألك نفسي .. و هكذا أغلقنا باب  إسرائيل و استرحنا  و أرحنا ...

جورج ..  ما لا تعلمه كم أصبحنا دجالين و منافقين وكذابين و محتالين و متناقضين و مدّعين و مفتونين بالعصر الحجري الساحر ...

جورج .. باختصار شديد زمن العروبة و فلسطين والشعارات الهادرة .. و جمال عبد الناصر .. هو لك و حدك فتمتع بدفء أحضانه وكما تشاء و تريد .. و لو رغبت نقيم له متحفاً كبيراً في أية عاصمة إفريقية أو غربية ... وكل ما نريده منك أن تدعنا بحالنا .. فهناك المزيد و المزيد  من الرؤوس و نحن في فصل القطاف الرائع البهي ...

عذراً جورج إبراهيم عبد الله .. لا مكان لك بيننا ..

وأنصحك بالبقاء في سجنك إلى الأبد !؟