دام برس :
قبل أسبوعين نشر موقع "سترتيجيكا" الفرنسي مقالة مفادها أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يعلم بنية حركة المقاومة الإسلامية حماس بمهاجمة مواقع إسرائيلية في منطقة غلاف غزة، وأنه تجاهل عمداً تحذيرات جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وفقاً لصحيفة النيويورك تايمز الأميركية.
المقالة نشرت في الأصل باللغة الأسبانية في صحيفة لأجورنادا اليومية المكسيكية من قبل الدكتور ألفريدو جليف - رحمي وهو أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك "أونام"، وحاصل على دكتوراه فخرية من الجامعة البابوية في سان فرانسيسكو كزافييه في تشوكيساكا، وعادة ما يكتب مقالات تتناول السياسة الدولية. وقد ترجمت ماريا بومييه المقالة إلى اللغة الفرنسية ونشرتها في موقع فولتير الذي ينشر عليه الصحافي الفرنسي المستقلّ المؤيّد للعرب تييري ميسن.
وقد اعتبر الكاتب أنّ "أكاذيب بنيامين نتنياهو باتت تتصدّع بعدما تمّ الكشف أنّ جهاز مكافحة التجسس كان قد حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي من عزم حماس على شنّ هجومها قبل عشرة أسابيع من عملية طوفان الأقصى، وهو ما أكدته صحيفة النيويورك تايمز.
وكان رونين بار، رئيس جهاز مكافحة التجسس الإسرائيلي، قد أبلغ نتيناهو شخصياً بالهجوم المرتقب، علماً أنّ الشاباك يقدّم تقاريره مباشرة إلى رئيس الوزراء الحالي وله ثلاثة أجنحة تشغيلية؛ وهي القسم العربي، وقسم الأجانب، وقسم حماية موظفي الخدمة المدنية. وكشف موقع واي نيت الإخباري في تقرير نقلته االمواقع الإسرائيلية عن أنّ رئيس الشاباك رونين بار حذّر نتنياهو في أوائل صيف العام 2023 من أنّ حماس تنوي شنّ هجوم في صباح يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقد نفى نتنياهو أن يكون رونين بار قد أبلغه بموعد الهجوم الذي شنّته حماس مسبقاً، وزعم أن التحذير كان حول احتمالات اندلاع حرب مع حزب الله وفقاً لما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" المقرّبة من نتنياهو.
إلا أن ألوف بن، الكاتب الصحافي في صحيفة هآرتس المعارضة لنتنياهو، كتب مؤكداً أنّ شخصاً واحداً فقط كانت لديه الصورة الكاملة لما عرفه نتنياهو قبل 7 أكتوبر.
ووفقاً لتقارير فإن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أشار إلى أن الشاهد الرئيسي على فشل نتنياهو في التعامل مع هجوم حماس في 7 أكتوبر هو اللواء آفي جيل الذي شغل منصب المستشار العسكري لنتنياهو قبل الحرب وخلال أيامها الأولى.
وبما أن الجنرال أ. جي لم يكن عضواً في الدائرة المقرّبة من نتنياهو فإنه طلب التقاعد المبكر، واعترف لاحقاً بأنه أبلغ عن محاولات شركاء نتنياهو بتزوير وثائق تتعلّق بعملية صنع القرار وتقديمها للمدّعي العام غالي باهاراف ميارا لتبرئة ساحة نتنياهو من تهمة التقصير عبر تجاهل تقارير رونين بار التي أبلغته مسبقاً بموعد هجوم حماس.
في هذا السياق سعى نتنياهو الى دعم عائلته وأجبرها على الكذب تحت القسم لتبرئة ساحته فادّعت زوجته سارة أن زوجها لم يكن على علم بأي شيء، كذلك فإن ابنه يائير المقيم في ميامي سعى لشنّ هجوم على المؤسسة العسكرية والأمنية مدّعياً بأنها هي المسؤولة عن التقصير الذي أدى إلى نجاح هجوم حماس.
لكن تقرير نيويورك تايمز أثبت أن نتنياهو كان يعلم بخطة حماس لشنّ الهجوم على مستوطنات غلاف غزة قبل عام كامل من تاريخ الهجوم، وقد نشرت نيويورك تايمز تقريرها في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
ووفقاً للصحيفة الأميركية الداعمة لحزب العمل الإسرائيلي المعارض والمموّلة من قبل الملياردير اليهودي جورج سوروس والمقرّبة من الديمقراطيين الأميركيين، فإنها حصلت على خطة حماس واطّلعت عليها بالتفصيل واعتبرت أنها كانت خطة طموحة جداً ومن الصعب على الجناح العسكري للحركة تنفيذها.
بناء على ذلك فلقد تساءل الصحافي المكسيكي ما إذا كان "الجيش" الإسرائيلي قد تعمّد السماح لحماس بتنفيذ الهجوم علّه يكون ذريعة لإسقاط نتنياهو، أم أنّ الأخير تعمّد السماح للهجوم بالحدوث بغية تنفيذ أجندته لشنّ حرب في منطقة الشرق الأوسط؟ ويقدّر الكاتب بأن يكون نتنياهو قد أراد للهجوم أن يحصل حتى يصوّر "إسرائيل" على أنها الضحية ولتبرير شنّه لحرب إقليمية يجرّ الولايات المتحدة إليها ليكون من تبعاتها توجيه ضربة لإيران وفتح المجال أمام إقامة شرق أوسط جديد تحت الهيمنة الإسرائيلية.
هذا ينقلنا الى ردّ فعل سوريا التي بدت متحفّظة على هجوم حماس خشية من جرّها إلى حرب مع "إسرائيل"، في وقت ينشغل فيه الجيش العربي السوري في حرب ضدّ الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل الدول الغربية، عدا عن انشغالها بمواجهة الاحتلال التركي لأجزاء من شمال سوريا ومواجهة الانفصاليين الكرد المدعومين من الاحتلال الأميركي في شرق سوريا.
بناءً على ما تقدّم يمكن فهم موقف الشهيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. فخلافاً لمعاركه السابقة، فلقد وجد السيد نصر الله نفسه في خضمّ معركة لم يختر هو الدخول فيها، بل فرضت عليه من ضمن حسابات حماس لا حساباته.
وقد يكون السيد نصر الله استشعر حماسة للقتال من قبل الجناح العسكري للحركة بما يتجاوز الحسابات الواقعية، علماً أنّ رغبة القتال هذه كانت مدفوعة بعقود من الظلم الذي يستشعر به الفلسطينيون.
لكنّ السيد نصر الله وجد نفسه مسوقاً بواجبه الأخلاقي للوقوف مع حماس في معركتها ضد الاحتلال الإسرائيلي رغم التحفّظ الذي استشعره المراقبون في مقاربته للمعركة، والذي انعكس على خطاباته للجمهور منذ بداية الأزمة وحتى آخر خطاب له قبل أسبوع من استشهاده.
قد يكون الموقف الذي وجد السيد نصر الله نفسه فيه عام 2023 شبيه بالموقف الذي وجد جمال عبد الناصر نفسه فيه عام 1967 حين اضطرّه دوره كزعيم للأمة العربية إلى الانجرار إلى معركة لم تكن بحساباته بنتيجة التصعيد الذي حصل بين الجناح اليساري للبعث الذي استلم السلطة في سوريا في العام 1966 مع "إسرائيل".
أما بالنسبة للسيد نصر الله فإن الفرصة أتيحت له لبناء جيل من المقاومين استطاع تجاوز الضربات التي وجّهها الصهاينة للمقاومة ليحقّق شباب المقاومة معجزات عسكرية في مواجهة الاحتلال ويجنبونا هزيمة كتلك التي تعرّضنا لها في العام 1967، بل يهيّئوا لنا الأرضية لمعركة طويلة ستكون مقدّمة لتقرير مستقبل منطقة الشرق الأوسط، بل العالم أجمع.