دام برس :
عودة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية يعني أن أكبر دولة في العالم قد أفلست فعليًا، والغريب في الأمر ذاكرة السمك التي أصابت العقل الجمعي العالمي عامة والعربي خاصة، فلازال هناك من يعتقد أن ترامب يمكنه اتخاذ قرار يخالف التوجهات الإمبريالية للإدارة الأمريكية..
وسابقًا تحدثنا عن أن الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية وجهان لعملة واحدة، وجه قبيح يلبس قناع، وأخر قبيح أيضًا لكنه بدون قناع، وكلاهما ينفذ تعليمات اللوبيات التي تسيطر على مؤسسات الدولة العميقة الأمريكية، وفي مقدمتها اللوبي الصهيوني..
لذلك فعلينا ألا نعير إهتمام لذلك التصريح الصادر عن دونالد ترامب عقب إعلان نجاحه في الانتخابات الرئاسة الأمريكية، والذي يؤكد من خلاله أنه داعية سلام وأنه مناهض للحرب وسوف يعمل على إنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة ولبنان بسرعة..
فالرجل المعروف بجنونه ووقاحته لا يملك من الأمر شيء، فقط سوف ينفذ تعليمات الإدارة الأمريكية التي تتحكم فيها جماعات الضغط، فإذا كانت توجهات الإدارة الأمريكية تسعى فعلًا لإنهاء هذه الحروب فسوف يحدث ذلك، وإذا لم تكن النية تتجه لذلك فلن يفعلها هذا المخبول.
وبالطبع لسنا بحاجة لتأكيد وإثبات أن دونالد ترامب هو أسوء رئيس أمريكي جلس في البيت الأبيض، وأكثر رئيس أمريكي أضر بالصورة الذهنية عن الديمقراطية الأمريكية المزيفة والمزعومة، وأكثر رئيس أمريكي تعامل بفجاجة أثناء تطبيق السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة الأمريكية..
وهي السياسة التي تتبعها الدول الكبرى القوية على الدول الصغيرة الضعيفة، بهدف توسيع السلطة والسيطرة عن طريق استخدام القوة والتي غالبًا ما تكون قوة عسكرية، وتتم من خلالها الاستيلاء على الأراضي وفرض السيطرة السياسية والاقتصادية عليها..
والإمبريالية مصطلح حديث ظهر في الفكر السياسي بعد الثورة الصناعية في أوروبا لكنه له جذور ضاربة في أعماق التاريخ، وتعتبر الإمبريالية سياسة غير أخلاقية، وغالبًا ما يستخدم المصطلح لإدانة السياسة الخارجية للدول المعادية.
وحديثًا شهدت منطقتنا العربية أكبر هجمات إمبريالية على يد القوى الإمبريالية القديمة وفي مقدمتها انجلترا وفرنسا من أجل السيطرة على المواد الخام وأسواق المنتجات الصناعية، والآن تمارس هذه الإمبريالية بواسطة الامبراطورية الأمريكية الفاجرة التي حلت محل القوى الإمبريالية القديمة في أعقاب الحرب العالمية الثانية..
وأصبحت تمارس هذه السياسة غير الأخلاقية على مجتمعاتنا العربية خاصة دول الخليج الغنية بالنفط أحد أهم مصادر الطاقة المتطلبة للصناعة، هذا إلى جانب تحولها لأكبر الأسواق المستهلكة للسلع المصنعة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمارس هذه السياسة الإمبريالية منذ عقود عبر رؤسائها المتعاقبين لكن بنوع من الخجل وبطرق سرية وخلف الأبواب المغلقة، إلا أن هذه السياسة في فترة حكم ترامب الأولى اختلفت تمامًا، فالرجل فج ولا يعرف الخجل ولا يجيد لعب هذا الدور السياسي غير الأخلاقي بطريقة سرية أو خلف الأبواب المغلقة أو من تحت الطاولة..
بل خرج علينا في عام 2018 وعلانية وأكثر من مرة ليهدد الدولة خليجية بأنها لابد وأن تدفع لبلاده ثمن حمايتها، وإلا لن يبقى حاكم على كرسي الحكم أكثر من أسبوعين.
ونذكركم أنه في أعقاب هذا الإعلان لترامب أمام حشد كبير من الأمريكيين في ولاية مسيسيبي يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 2018 تناقلت وكالات الأنباء العالمية تصريحاته والتي لم توجه فقط للدول الخليجية بل لليابان وكوريا الجنوبية وقام الصحافي جيفري تايلور بتقديم ملخصًا لخطاب ترامب المطول تم نشره على موقع يوتيوب.
ولم يكتفى ترامب يومها بما صرح به وتناقلته وكالات الأنباء العالمية بل عاد بعد يومين فقط وفى يوم الخميس 4 أكتوبر 2018 وأمام حشد كبير من الأمريكيين في ولاية منيسوتا إلى مسألة مطالبته للدول الخليجية بدفع المزيد من الأموال لواشنطن مقابل حماية بلادهم.
وقبل هذه التهديدات وفي 6 ديسمبر 2017 كان ترامب قد قام بإعلان القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة أبدية للعدو الصهيوني متجاهلًا الحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني، ومخالفًا للقانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة..
ولم يكتفي ترامب بذلك ففي 25 مارس 2019 وقع ترامب إعلانًا يعترف فيه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة من العدو الصهيوني عام 1967 ضاربًا عرض الحائط بمقررات الشرعية الدولية، وبحق الشعب العربي السوري في جزء من أراضيه وحدوده التاريخية..
وقبل تهديد الدول الخليجية مباشرة وفي 8 مايو 2018 أعلن ترامب خروج بلاده من الاتفاق النووي مع إيران في محاولة لإشعال النيران وزيادة التوترات في المنطقة، هذا ولم يترك ترامب مقعده قبل إجبار الدول العربية على تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني تحت مسمى اتفاقيات أبرهام والتي بدأت بالتطبيع الإماراتي في 16 سبتمبر 2020، ثم البحرين والمغرب والسودان، دون مراعاة مشاعر الشعوب العربية المناهضة للتطبيع مع العدو الصهيوني.
هذه بعض الجرائم التي ارتكبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته السابقة حاولنا التذكير بها حتي ننشط ذاكرة العقل الجمعي العربي والعالمي حول ما يمكن أن تمليه الإدارة الأمريكية على هذا الرئيس المجنون، والذي يعتقد البعض أنه بإمكانه إيقاف نزيف الدم في أوكرانيا وغزة ولبنان كما صرح وبأقصى سرعة..
ترامب يا سادة ليس داعية سلام، والإدارة الأمريكية هي التي تدير الحرب سواء في أوكرانيا أو غزة ولبنان، وما زيلينسكي ونتنياهو إلا وكيلين يخوضان هذه الحرب نيابة عن الأصيل وهو العدو الأمريكي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.