دام برس :
أثبت التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد منذ العام 2020 أن الأعوام التي شهدت ذروة الحرب العسكرية ليست بالضرورة هي الأسوأ اقتصادياً، خاصة وأن انحسار المعارك عن مساحة واسعة من البلاد ترافق مع تصاعد وتيرة حرب اقتصادية غربية، أزمات واضطرابات إقليمية عديدة أثرت اقتصاديا بعمق على سوريا، إضافة إلى عوامل أخرى.
في هذه المقالة سنحاول تتبع الأعوام الأسوأ اقتصادياً منذ بداية الأزمة في العام 2011 ولغاية العام 2023 وأحياناً لغاية العام 2022، من خلال الاستناد إلى مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية والصادرة رسمياً عن المؤسسات الحكومية المعنية.
مؤشرات اقتصادية واجتماعية:
نبدأ بالمؤشر الأول المتعلق بمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث تظهر البيانات الرسمية أن العام 2013 كان الأسوأ بتسجيله معدل نمو سالب وصل إلى 26.3%، ثم جاء العام 2015 ثانياً بمعدل نمو سالب أيضاً قدر بحوالي 4.2%، فالعام 2022 بمعدل نمو سالب قدره 0.58%.
المؤشر الثاني يتعلق بمعدل البطالة، وهنا تظهر البيانات الرسمية التي حصل عليها “أثر برس” أن العام 2015 سجل أعلى معدل للبطالة ليس فقط خلال سنوات الأزمة وإنما خلال العقود الماضية، وقد قدر حكومياً بحوالي 48.3%، تلاه العام 2013 بحوالي 40.8%، وجاء العام 2019 في المرتبة الثالثة بمعدل قدره 31.2%.
المؤشر الثالث والخاص بمعدل التضخم، فإن البيانات الرسمية المتوفرة لغاية العام 2022 تكشف أن العام 2021 كان الأسوأ على مستوى معدل التضخم الذي ارتفع بحوالي 118.8%، ثم كان العام 2020 بمعدل تضخم سنوي قدره 114.2%، فالعام 2013 الذي سجل ارتفاعاً بمعدل التضخم وصل إلى 82.4%.
على مستوى المؤشرات الاجتماعية يمكن أن نبدأ بمعدل الفقر الشديد، والذي تبين البيانات الرسمية المتوفرة لغاية العام 2022 أن الأعوام الثلاثة الأخيرة كانت الأسوأ لجهة معدل الفقر الشديد، فقد سجل المعدل في العام 2022 أعلى مستوى له منذ بداية الأزمة، حيث بلغ حوالي 58.1%، تلاه العام 2021 بمعدل قدره 54.5%، فالعام 2020 بحوالي 39.9%.
المؤشر الآخر الهام في هذا السياق ما يتعلق بالأمن الغذائي للأسر السورية، وبحسب نتائج المسوح التي أجرتها المؤسسات الحكومية المعنية مع إحدى الوكالات الأممية، فإن العام الأكثر سوءاً من حيث تدني نسبة الأسر الآمنة غذائياً كان العام 2020 الذي لم تتجاوز فيه نسبة تلك الأسر 5.1%، فالعام 2023 بنسبة 9.4%، فالعامين 2021 و2022 وكانت فيهما النسبة حوالي 11.2%.
أما لجهة الأسر التي تعاني من انعدام متوسط في أمنها الغذائي، فإن العام 2021 كان الأسوأ من حيث النسبة المرتفعة لتلك الأسر مسجلاً حوالي 51.5%، ثم جاء العام 2020 ثاني أسوأ أعوام الأزمة بنسبة تقدر بحوالي 47.2%، فالعام 2022 ثالثاً بنسبة قدرها 46.3%.
ولا تغطي البيانات الرسمية المتعلقة بنسبة الأسر التي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي إلا الأعوام الممتدة بين 2020-2023، وخلال هذه الفترة الزمنية كان العام 2020 هو الأسوأ على صعيد الأسر الفاقدة بشكل شديد لأمنها الغذائي، والتي بلغت نسبتها حوالي 8.3%، فالعام 2021 بنسبة 4%، والعام 2022 بنسبة 2.1%.
أيضاً من المؤشرات الهامة التي حاولنا في “أثر برس” رصدها ما يتعلق بحجم الإنفاق على التعليم والصحة من إجمالي الإنفاق العام، إذ تظهر البيانات أن العام 2021 شهد أقلى نسبة إنفاق على التعليم وبلغت حوالي 7.3%، ثم كان عاما 2019 و2023 بنسبة لم تتجاوز لكل منهما حوالي 8.6%، واحتل العام 2022 المرتبة الثالثة بأقل نسبة إنفاق وبلغت حوالي 8.7%.
أما بالنسبة للإنفاق على الصحة من إجمالي الإنفاق العام فقد كان العام 2013 هو الأقل إنفاقاً وفقاً للبيانات الرسمية، إذ لم تتجاوز النسبة في ذلك العام حوالي 2.4%، ثم كان العام 2019 ثانياً بنسبة 3.2%، فالعام 2022 ثالثاً بنسبة لم تتجاوز 5.4%.
آخر المؤشرات التي نختم بها هذه المقالة خاصة بالإنفاق العام الاجتماعي من إجمالي الإنفاق العام، فقد تصدر العام 2020 قائمة الأعوام الأقل إنفاقاً في هذا الملف بنسبة بلغت حوالي 20.7%، فالعام 2019 بنسبة بلغت حوالي 26.4%، وثالثاً جاء العام 2013 بنسبة قدرت بحوالي 28.2%.
– ليست الحرب فقط:
تباين الأعوام من حيث تأثر المؤشرات الاقتصادية بمجريات الحرب مرده إلى مجموعة عوامل يمكن الإشارة إلى أبرزها:
– التحولات الرئيسية التي مرت بها البلاد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فمثلاً العام 2013 شهد تحولات عسكرية هامة تمثلت في سيطرة المجموعات المسلحة على أجزاء واسعة من حلب والرقة ومناطق عديدة من باقي المحافظات، ومن المعروف أن حلب هي المدينة الصناعية الأولى، والرقة هي المحافظة الزراعية الأهم، فيما كانت الأعوام الممتدة بين 2020 و2023 مسرحاً للعديد من التطورات كتشديد الولايات المتحدة لحصارها الاقتصادي، حدوث الأزمة الاقتصادية اللبنانية، انتشار فيروس كورونا، كارثة الزلزال.
– أداء بعض المؤشرات الاقتصادية كان مرتبطاً بالسياسات والإجراءات والبرامج الحكومية المطبقة، وتالياً فهي لم تكن نتيجة لمجريات الحرب وتداعياتها بشكل مباشر، فمثلاً التحولات التي طرأت على سياسة الدعم الحكومي كان لها أثرها على الإنفاق الاجتماعي، كذلك الأمر بالنسبة لواقع سعر الصرف وما شهده من تحولات…الخ.
– الأعوام التي كانت الأقل سوءاً لجهة بعض المؤشرات، وتحديداً الاجتماعية، لم تكن كذلك بفعل انتعاش أو تعاف اقتصادي وطني وإنما نتيجة متغيرات مؤقتة، فمثلاً تراجع نسبة الأسر التي تعاني من انعدام شديد في أمنها خلال العامين الأخيرين كان نتيجة ارتفاع قيمة الحوالات المالية الخارجية الواردة إلى البلاد، واعتماد الأسر على أكثر من مصدر للدخل.
– تسجيل بعض المؤشرات نتائج سيئة في عام أكثر من الأعوام السابقة عائد إلى الأداء السلبي التراكمي، ولذلك لا يمكن النظر أو تقييم أو الحكم على أداء بعض المؤشرات خلال عام بمعزل عن الأعوام السابقة.