Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 28 آذار 2024   الساعة 15:51:17
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
إعادة تنظيم الدولة والمجتمع من بوابة إعادة الإعمار والتنمية .. بقلم: علاء أوسي

دام برس:
تحولت سورية في سياق الأزمة الراهنة من دولة تتمتع بالعديد من المقومات الاقتصادية القوية إلى وضع صعب على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية كافة، فقد دُمّر جزء كبير من البنى التحتية والمنشآت المنتجة العامة والخاصة وتدهور النشاط الاقتصادي، ووصلت الأوضاع الاجتماعية إلى درجة شديدة من التردي في ظل وصول البطالة والفقر إلى معدلات خطيرة غير مسبوقة.
وسط هذه الأوضاع التي كثر فيها الخراب والدمار بدأ الحديث عن إعادة الإعمار -دون التنمية- والبحث في أرقام الخسائر وتقدير الدمار والسعي للبحث عن مصادر تمويل محلي أو خارجي، وفي حال توفرت هذه المصادر نرتطم بعقبة الشروط والقيود المفروضة من قبل هذه الجهات التي تتحين اللحظة المناسبة للدخول إلى السوق السورية، ويتوجب أن نختار الأنسب منها بما لا يؤثر على قرارنا السيادي، فللديون دائماً ثمن سياسي وسيادي لا يقبل الشعب السوري أن يسدده، وبالتالي فإن إعادة الإعمار والتنمية هي في المقام الأول عملية سياسية أكثر منها عملية فنية، فقرار إعادة الإعمار في الإتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الأولى، كما بعد الحرب العالمية الثانية، كان قراراً داخلياً في إطار الحصار الخارجي من مراكز النظام الرأسمالي العالمي، وبالتالي كانت إعادة الإعمار تعتمد على الموارد المادية والبشرية المتاحة داخلياً فقط، أما إعادة بناء ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فكان قراراً من المحتل الأمريكي لدواعي استراتيجية أمريكية في إطار الصراع ضد المعسكر الاشتراكي، وبالتالي فالحكومات تقرر سياسات إعادة الإعمار وتحدد الأهداف النهائية والوسيطة والقريبة له، مع مراعاة النظر إلى عملية إعادة الإعمار في إطار مشروع تنموي وطني متكامل وشامل، وليس مجرد إعمار ما دمر بسبب الحرب الجارية، ويبقى السؤال: هل سنعيد إعمار الماضي أم نبني سورية الجديدة متجاوزين كل التناقضات؟
مقترحات عديدة
إن نجاح مرحلة إعادة الإعمار والتنمية مرتبط بالخطط والبرامج التي ستنفذ من جهة، ومن جهة أخرى بالقدرة على تأمين التمويل اللازم، والتي نورد بعض أنواعها التي تنسجم مع الحالة السورية:
التمويل الداخلي
يتم التركيز فيه على حشد كامل الطاقات الداخلية والذاتية وتوظيفها لتوفير العوامل الأساسية لعملية إعادة الإعمار، وهو ما يتطلب إعادة النظر بالسياسات الاقتصادية المتبعة في سورية وترتيب أولوياتها من جديد، مع التأكيد أن تكون أن هذه السياسات واضحة ومتكاملة ومنسجمة، وتعمل على تأمين اعتمادات سنوية لعملية إعادة الإعمار والتنمية دون أن يكون لذلك أثر على المواطنين السوريين الذين اكتووا بنار السياسات السابقة والحالية التي كانت البعيدة عن الطبقات الكادحة واحتياجاتهم، مع التأكيد والتركيز على وضع نموذج تنموي يراعي التفاوت التنموي بين المناطق السورية، وهو أحد أهم تحديات الاقتصاد السوري وواحد من الحوامل الداخلية للأزمة.
كما يمكن العمل على إصدار أذونات الخزينة من أجل المشروعات التنموية، ما يتيح للجهات العامة والخاصة الاكتتاب بها، مع التركيز على تطوير النظام الضريبي وإصلاحه لتقليص التهرب الضريبي السنوي الذي كان يُقدر قبل الأزمة بنحو 200 مليار ل.س، والتهرب الجمركي، المقدر بنحو 150 مليار ل.س، علماً أن مجموع هذين المبلغين كان يعادل إجمالي الإيرادات الضريبية السنويةـ وهو ما يساهم بجزء جيد للانطلاق بإعادة الإعمار حالياً، وألا نعتمد على التوجه لذوي الدخل المحدود والطبقات الفقيرة والمهمشة ونحمّلها أعباء لم يعد بمقدورها احتمالها، والعمل على مصادرة أموال أثرياء الأزمة السورية والمتاجرين بقوت المواطنين وأمنهم، والتي تعد خطوة ضرورية في مكافحة الفساد والنهب في مختلف المستويات الإدارية والحكومية.
ومن ناحية أخرى يعوّل البعض على المصارف السورية في عملية التمويل فالقطاع المالي والقروض التي تمنحها المصارف، هي عصب الاقتصاد في جميع دول العالم، ولكن هل تكفي الأموال الرسمية المعلنة والمتاحة للسوريين في المصارف العاملة للبدء بالعملية؟ وهل بإمكان المصارف السورية العامة والخاصة القيام بالدور المنتظر منها في ظل تشكيك الكثيرين بقدرتها وحدها، في ظل التشريعات التي تحكم عملها حالياً، على لعب هذا الدور خلال السنوات الأولى لما بعد الأزمة.
التمويل الخارجي
وهو ما سمعناه من خلال مشاريع إعادة الإعمار النيوليبرالية التي تعول على الاستدانة من الصناديق الدولية في التمويل والتنفيذ، حيث تقدم قروض يتطلب من سورية لقائها مقابلها التنازلات على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية شروطاً للحصول على القروض، وبالتالي تحميل الدولة والمجتمع السوري أعباء الاستدانة لهذه الغاية، وستضطر الدولة إلى التخلي عن دورها الاجتماعي وإلغاء سياسات الدعم التي توفرها للإنتاج والاستهلاك، لتأمين المبالغ اللازمة لتسديد قروض إعادة الإعمار، وبعبارة أخرى رهن اقتصاد سورية وثرواتها للفاعلين سداداً لفواتير قد يستمر صدورها عقوداً من الزمن، والتخلي عن تدني المديونية الخارجية التي امتاز بها الاقتصاد الوطني.
كما أن هذه (الوصفات الجاهزة) لإعادة الإعمار التي تعتمدها الصناديق الدولية تفتقر غالباً إلى الشمولية، فهي تفضل بعض جوانب إعادة الإعمار والتنمية لفترة ما بعد النزاعات، واستبعاد جوانب أخرى، مما يعرضها في بعض الأحيان إلى مخاطرة استئناف النزاع.
الدول الصديقة
وذلك عن طريق الاستفادة من الدول الصديقة والحلفاء السياسيين مثل مجموعة البريكس وإيران، والاستفادة من (بنك التنمية) الموجود لدى دول البريكس لهذه الغاية، ذلك أن الاعتماد على هذه الدول في عملية التمويل يجنّب سورية أجندات سياسية شاذة، كما أنها يمكن أن تكون، وعدا ذلك فإن لعملية إعادة الإعمار وجهاً إيجابياً ربحياً للمستثمر الخارجي، لذا فإن الدول الصديقة والحليفة المساندة سياسياً هي الأحق بهذا الجانب الإيجابي، كما هو الأمر بالنسبة للمستثمر الداخلي الوطني.
ختاماً إن النموذج الأنجع لمشروع إعادة الإعمار والتنمية في سورية يعتمد على مزيج من المصادر الداخلية والخارجية، إذ يجب الاعتماد على الموارد الذاتية والتركيز على السيطرة الحكومية من خلال شركات ومؤسسات القطاع العام وطاقاته الإنتاجية والتعاون المدروس مع المجتمع الأهلي والقطاع الخاص والاستغلال الأمثل للثروات المحققة، مع ملاحظة أن أنشطة إعادة الإعمار والتنمية لا تتوقف مع تثبيت الاستقرار، بل إنها تسعى لتحقيق تنمية مستدامة وتمهيد الطريق أمام النمو واستعادة الحياة في المناطق التي تدمرت أو تضررت بسبب الحرب السورية، مع الأخذ بالحسبان خصوصية كل منطقة واحتياجاتها، ووضع الأساس للعدالة الاجتماعية والسلام المستدام.
ولكن يبقى الأساس لكل ذلك هو الحل السياسي الذي يوقف العنف، ويعمل على تحميل الفساد والنهب الداخلي حصته الكبرى من مسؤولية الدمار والتخريب، فعلينا الاستفادة من عمليات إعادة الإعمار والتنمية للفترة القادمة واستخدامها فرصة لإعادة تنظيم الدولة والمجتمع المتضررين وتحولهما الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
فهل سنبصر ذلك أم أن إعادة الإعمار ستكون فرصة لزيادة ثروات حفنة من المستفيدين على حساب الفئات الفقيرة والمتوسطة؟!
 

الوسوم (Tags)

سورية   ,   الحرب   ,   البيئة   ,   الاجتماعية   ,   إعادة الإعمار   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2014-06-28 04:06:27   الفساد
يجب أن يكون إعادة العمار فرصة لإيجاد عقد اجتماعي جديد ومجالاً للقضاء على الفساد المنتشر في كامل مفاصل الدولة
فراس الأحمد  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz