دام برس:
شكلت الأزمة السورية العقبة الكبرى أمام مسيرة العلاقات الإيرانية التركية، كما في العلاقات الروسية التركية، فقد خاضت هذه الدول حرباً بالوكالة في سوريا، كل طرف له أسبابه ودوافعه وإستراتيجيته المختلفة، فطهران أعلنت دعمها الكامل للنظام السوري،وعلى النقيض من ذلك تحركت أنقرة في كل الاتجاهات لإسقاط هذا النظام، فتحولت الأزمة السورية إلى حرب باردة بين طهران وأنقرة في لحظات كثيرة، ورغم خوض البلدين للحرب بالوكالة في سورية ، إلا أنهما قادرتان على مواصلة علاقاتهما بطريقة محترفة، وسط حرص شديد من الجانبين على عدم الصدام نظراً لحجم المصالح والقضايا المشتركة بينهما.
فالتطورات التي حدثت اليوم هامة على مستوى المنطقة، كونها غيرت المعادلة السابقة، فما جرى في مصر يوم 30 يونيو ووصول السيسي إلى سدة الحكم شكل ضربة للمشروع الإقليمي التركي، وصدع العلاقات التركية بمعظم الدول الخليجية على خلفية الموقف من أحداث مصر، و الموقف الأميركي من الأزمة السورية والذي إنتهى بالتوافق مع روسيا على حل الأزمة السورية سياسياً، هذا مما شكل خيبة أمل تركية إزاء قضية إسقاط النظام السوري، فضلاً عن التقارب الأميركي الإيراني خاصة بعد إتفاق جنيف النووي ليغير الكثير من المعادلات، فمجمل ما سبق إنعكس على الدبلوماسية التركية على شكل التوجه نحو إيران متطلعة إلى الإستثمار وإنعاش إقتصادها.
ففي المرحلة الراهنة، تسعى تركيا إلى مغازلة دول المنطقة التي كانت تختلف معها حول القضية السورية وعلى رأسها إيران، لذلك تعتبر زيارة حسن روحاني لتركيا بمثابة مبادرة إيرانية لنفض المقاطعة الإقتصادية والسياسية عن نفسه، والتعاون من أجل وضع حد للنزاعات التي تعصف بالشرق الأوسط وخاصة النزاع في سوريا، المنقسمين بشأنه، وذلك لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، ومن هذا المنطلق بدأت قاعدة المصالح المشتركة التي تحكم العلاقات الإيرانية التركية تتقدم مجدداً بعدما تراجعت على وقع الأزمة السورية، حيث يحرص كل طرف على نوع من الموازنة في سياسته الإقليمية والدولية لاستثمارها بأفضل شكل ممكن.
وعلى هذا الأساس، ثمة من يتحدث في طهران وأنقرة معاً عن فتح صفحة جديدة بين البلدين، ويفهم من هذا الكلام أنهما وصلا إلى مرحلة متقدمة من التوافقات على العديد من قضايا العلاقة الثنائية والسياسية في المنطقة، ولعل التقارب بين البلدين بشأن الحل السياسي للأزمة السورية، ودور كل طرف في استقرار المنطقة، والتزام التعاون والتنسيق بينهما، يشكل عناوين لهذه االصفقات.
وفي سياق متصل فإن الجانب الإيراني والتركي يستفيدان كثيراً من العلاقات التجارية القائمة بينهما، لكن المقاطعة الاقتصادية الدولية ضد إيران حالت عملياً دون وصول العلاقات التجارية بين أنقرة وطهران إلى مستوى التبادل التجاري الحر، وبالنسبة لطهران، بات التعاون مع تركيا ودول الخليج الفرصة الوحيدة لمزاولة التبادل التجاري هذا مما عزز آمالهما بإنتعاش اقتصادي كبير في علاقتهما وخاصة بعد بعد اتفاق جنيف النووي،
إذ ترجح أنقرة أنها ستكون في صدارة المستفيدين من نتائج هذا الاتفاق لاسيما إذا انتهت الأمور برفع العقوبات عن طهران كما هو مأمول، حيث ترى تركيا أن رفع هذه العقوبات سيوفر فرصاً اقتصادية كبيرة ستضاعف من حجم تجارتها الخارجية عبر المشاركة في مشاريع النفط والغاز الإيرانية، لذلك فأن الكثير من الشركات الألمانية والأمريكية والفرنسية سعت وتسعى إلى تأسيس شركات تابعة لها في تركيا وتحت مسميات أخرى لمواصلة عقد الصفقات مع إيران، وبذلك شكلت تركيا جسراً بين الغرب وإيران، وهو أمر خدم الإقتصاد التركي كثيراً، وبالتالي إن تكاتف وتعاون البلدين سينعكس بشكل ايجابي على جميع قضايا المنطقة إلى جانب ذلك، فإن مشروع مد أنبوب الغاز إلى تركمنستان عبر ايران وتركيا مهم جداً ويساهم في تحقيق تقارب أكثر بين البلدين.
وبالمقابل لم تكن واشنطن سعيدة بشأن استمرار تجارة حليفتها تركيا مع إيران وأدرجت بعض الشركات التركية على القائمة السوداء لإنتهاكها العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي المثير للخلاف.
وبالتالي فإن الإضطرابات في سوريا لا تسبب قلقاً لإيران وتركيا فقط بل للمنطقة بأسرها والعالم الإسلامي أيضاً، بمعنى إن حل الأزمة السورية ليس مهماً للطرفين فحسب بل إنه يسعى إلى إرساء السلام والأمن وإنهاء النزاعات العسكرية في سوريا والمنطقة بوجه عام، وأخيراً أرى إن تركيا ستلعب دوراً محورياً ومركزياً هاماً في المنطقة إذا إستطاعت تقوية وتعزيز علاقاتها مع إيران وخاصة بعد تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، إنطلاقاً من كل ذلك، يجب إذاً، على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان.
khaym1979@yahoo.com