دام برس:
أجرت مؤسسة “جالوب” الإحصائية، استطلاعًا عن الدول الأكثر رفضًا لسياسة للولايات المتحدة الأميركية، فتصدرت الدول العربية المراتب الاولى في الاستطلاع، حيث أتت الأراضي الفلسطينية في رأس قائمة الأكثر رفضًا لواشنطن بمعدل 80%، وأتى لبنان في المرتبة الثالثة – بعد باكستان- بمعدل عدم شعبية بلغ 71%، وتليها اليمن التي احتلت المرتبة الرابعة بمعدل 69%، والعراق في المرتبة الخامسة بمعدل 67%، بينما أتت مصر في المرتبة السادسة بمعدل رفض بلغ 57%، وتونس في المركز التاسع بعد سلوفانيا وإيران.
إذا أخذنا هذه الأرقام بعين الاعتبار، علمًا أن “جالوب” هي من المؤسسات الاحصائية الهامّة في الولايات المتحدة الأميركية، ندرك أن العالم العربي بشكل عام بات يستشعر خطر السياسات الاميركية على دوله، ولا نستغرب أن يكون الفلسطينيين الأكثر هم رفضًا في العالم بسبب السياسات الأميركية المنحازة بشدة لصالح اسرائيل ولصالح عدوانها المستمر على الفلسطينين.
بالنسبة للعراقيين، معروف تمامًا نتائج السياسات الأميركية في العراق الذي أدخلته أميركا في حال من الفوضى وعدم الاستقرار، ورحل الجنود الاميركيين عنه تاركين العراقيين يغرقون في دوامة من العنف والارهاب الذي لا يميّز أحدًا، ويضربهم في حياتهم وأمنهم ولقمة عيشهم. أما اللبنانيون، فيتشاطرون رفض السياسات الأميركية من منطلقات مختلفة ومتباينة، فالمؤيدون للمقاومة يرفضون السياسات الأميركية المؤيدة لاسرائيل وللمعارضة السورية، بينما المختلفون معها بالرأي، فيرفضون السياسة الأميركية باعتبار أنها لم تكن حازمة في مساعدة المجموعات المسلحة في كل من سوريا ولبنان على ضرب المقاومة والنظام السوري معًا.
ولكن ماذا عن البلدان الأخرى، ولماذا برزت تلك النتائج في الدول التي شهدت ثورات وانتفاضات على حكامها السابقين، كمصر وتونس واليمن، والتي قال الأميركيون أنهم يدعمون “الشعوب” فيها؟
في هذه البلدان بالذات، كانت مشكلة الأميركيين أنه حاولوا تنصيب أنفسهم “أوصياء” على تلك الثورات والانتفاضات، وتكريس هيمنة “الاخوان المسلمين” كمشروع أممي عابر للحدود، هدد التنوع العربي العرقي والاثني والديني والمذهبي، وحاول إلغاء الهوية الوطنية، أو حتى فكرة الامة العربية أو القومية العربية لصالح هوية دينية أممية أكبر من الدول ومن الأمة العربية ايضًا، والأنكى أنها تعزز سيطرة دولة غير عربية أخرى( بالاضافة الى اسرائيل) على العرب.
مشكلة هذا المشروع – الذي يتلاءم مع السياسة الافتراضية الأميركية- عربيًا، ما يلي:
- المشكلة الاولى: أن قيادته السياسية لم تكن عربية بالرغم من تشارك العرب فيها، لذا مسّ هذا المشروع بالحس العروبي العام، وأعاد الى الاذهان حقبات استعمارية ظلامية في تاريخ العالم العربي، أدخلته في عصور من الجهل والتخلف لم يخرج منها لغاية الآن.
- مشكلته الثانية تنافسه مع مشاريع عبر وطنية اقليمية اخرى هدد مصالحها في أماكن عدّة في العالم العربي، فحاربته وأسقطته.
- مشكلته الثالثة أن الهويات ما تحت الوطنية العربية شعرت بالخطر منه أيضًا فحاربته. لقد أعاد هذا المشروع الاخواني إحياء الذاكرة الجماعية العربية تجاه الاتراك، واستعادت الذاكرة تاريخًا لا يستهان به من المجازر والترويع والتكفير.
لقد كان لإعلان “السلطان العثماني” الجديد رجب طيب أردوغان، رغبته بإعادة إحياء عهد السلطنة العثمانية، أثره في رفض المكونات الاجتماعية للعالم العربي للسياسة الأميركية المباركة والداعمة لهذا المشروع، إذ انه جعل الاقليات المسيحية، بتلاوينها المتعددة العرقية والمذهبية، تستذكر عهد “أهل الذمّة” بما فيه من قتل وتمييز وتهجير واذلال، كما أعاد ايقاظ الوعي الجماعي للاقليات المسلمة، ومنها الشيعة على سبيل المثال لا الحصر، بذكريات مريرة من عهود التنكيل واستخدام الفتاوى الدينية لتبرير اضطهادهم، وتبرير تصرفات السلطان العثماني الذي كان يتمتع بسلطات مطلقة، لا يحدها أي حد، والأمر يصدر من بين شفتيه كان يكفي لإعدامهم، ومصادرة أموالهم دون محاكمة وسؤال.. في الواقع أن أعمال السلاطين التي يريد أردوغان العودة اليها تبدو مقيدة – بصورة نظرية – بأحكام الشريعة الإسلامية، إلا إن رجال الدين قلما كانوا يتأخرون عن إيجاد الأحكام وإصدار الفتاوى التي تخدم مآرب السلاطين، وتضفي على أوامرهم وتصرفاتهم صفة “شرعية”، ونذكر على سبيل المثال، الفرمان السلطاني الصادر عن السلطان سليم الأول، والذي عندما قرر محاربة الشاه إسماعيل الصفوي، أمر بقتل جميع الشيعة الموجودين في البلاد العثمانية، مستنداً في ذلك إلى “فتوى” صادرة من رجال الدين، تعتبر هؤلاء مرتدّين عن الإسلام.
من هنا، يبدو أن العرب يحمّلون الأميركيين مسؤولية سياساتها في المنطقة، ومنها الدعم المطلق لاسرائيل، تفشي الارهاب في المنطقة، ثم مشروع الهيمنة العثماني الذي سقط، وبعضهم يحمّلها مسؤولية “التردد” وعدم الاقدام في الموضوع السوري…. لذا، ولكل هذه الأسباب وغيرها، تبدّى الرفض في الاستطلاع الأميركي، فهل يسأل الأميركيون أنفسهم مجددًا كما سألوا بعد 11 أيلول: لماذا يكرهوننا، فيحاولون تغيير سياساتهم تجاه العالم العربي؟.. الإجابة على هذا السؤال، مقارنة بسياسات ما بعد 11 أيلول، تشير الى النفي، للأسف.