دام برس :

قطر ذلك الكيان الذي التحق مؤخرا إلى مصاف "الدول", تلك الرقعة الغنية بما تدرّه مياه الخليج من نفط و غاز على وجه الخصوص, أو كما يصفها البعض بالجزيرة العائمة على كنوز ما تحت الأرض و الماء من نفط وغاز, تمكّنت بفضل هذا كلّه من صناعة اسم سياسيو موقع على هامش السياسة الدولية المستجيبة للعولمة و اقتصاد السوق و ثقافة الموارد الطبيعية كمصدر للقوة و الهيمنة..

فبعد انقلابه على أبه, تمكّن الأمير السابق "حمد" من فرض موقع لقطر يعكس ضخامة جسده و ضخامة ما تتضمنه أرض و مياه قطر من قيمة نفطية و غازية. لتكريس دور قطري سعى أميرها السابق-بفضل موقعها الجغرافي القريب من العراق و إيران- إلى توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية, مما شكّل فرصة دقيقة للأخيرة لتجعل من قطر دولة المهمّات أو بالأحرى غرفة عمليات كبيرة بدرجة دولة تمكّنت من خلالها من تنفيذ مشاريعها التوسعية والتقسيمية..

الجميع يعلم بأن أرض قطر تحمل أكبر قواعد تابعة للجيش الأمريكي و التي منها تم تسهيل احتلال العراق و تدمير الدولة من بنى تحتية و مؤسسات و تفكيك الجيش و قتل مئات الآلاف من الشعب العربي في العراق اثر حصار وحشي شرس راح ضحيته أكثر من مليون طفل عراقي.  هذا بالإضافة إلى أكبر عملية تدمير للتاريخ العراقي مفهوما و مضمونا تراثا و حضارة مساجد و كنائس و معابد. إضافة إلى قتل عشرات العلماء العراقيين من شتّى الاختصاصات وسط صناعة وعي عربي أيّد سياسة الاحتلال رغم عدم اقتناعه بها, سياسة كشفت عن لثامها و عن نيّتها الوحشية التدميرية بيّنها الواقع العراقي اليوم..

الجميع يعلم أن أرض قطر تحمل أكبر آلة قتل إعلامية تبنّت التزوير و التضليل و تسويق الإرهاب و تطبيعه نهجا (إعلاميا جديدا ..) وأكبر غرفة عمليات لتنفيذ سياسات الولايات التوسعية بدْءً من تغطية" الحرب الأمريكية على الإرهاب" في أفغانستان إلى تغطية الاحتلال الأمريكي للعراق بعد أن أذلّت الشعب العراقي في سجون أبسط من يمكن وصفها بالوحشية, و أباحت بلاد الرافدين للعصابات الإرهابية التدميرية التكفيرية كتنظيم "القاعدة" و غيره, بالإضافة الى عمليات كيّ الوعي العربي و جعله وعيا متقبّلا لفكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب و لطالما افترت على نضال الشعب الفلسطيني و قيادته الشرعية إضافة إلى دورها في تأجيج الصراعات المذهبية و الطائفية التي لا تخدم الا الغزاة والمحتلّين (الجزيرة ..)..

الجميع يعلم بنوعية العلاقات التي تجمع قطر بالكيان الإسرائيلي من تبادل تجاري و سياحي و اقتصادي علاقات وصفها رئيس الكيان عند زيارته للدوحة بالإيجابية و وصفتها وزيرة الخارجية السابقة (ليفني) بـ"الممتازة" اثر زيارتها لقناة الجزيرة ولقائها بوضّاح خنفر مدير قناة الجزيرة و القيادي بحركة حماس الاخوانية ضمن مشاركتها في فعاليا مؤتمر الديمقراطية و التنمية و التجارة الحرّة (بالقضية الفلسطينية  !) الذي استضافته الدوحة أنذاك, فكان الباب الأول "لتغذية الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني عبر المال السياسي القطري" بتعبير نايف حواتمة قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و أحد زعماء الثورة الفلسطينية و المقيم بدمشق...

الجميع يعلم أن أرض قطر ترأس أكبر تنظيم أصولي (التنظيم الدولي لـ"علماء / الاخوان" المسلمين) و تحتضن رئيسه السابق يوسف القرضاوي الذي انقلب -هو و"أبناء عشيرته"- على من كان يلعق أحذيتهم, فأصبح بعد ذلك يفتي بقتلهم تكفيرا و خروجا عن الدين و الملّة تنفيذا لذات المشروع الذي أراد تفتيت المنطقة هذه المرّة و تحويلها الى مجرّد كيانات و كنتونات ذات طابع مذهبي عرقي وعشائري تدور في فلك  "الدولة القومية اليهودية الكبرى" في أرض فلسطين.

الجميع يعلم الدور القطري في تدمير سوريا و تأجيج الصراع و إسالة الدماء فيها ضمن مشروع الخمّاسين الذي سمّي "بالربيع العربي" و الذي تدحرج ككرة النار من تونس ليقف في المرمى و الهدف الأصلي , سوريا, مرورا بمصر التي تعاني الخطر الإرهابي و تسعى لمقاومته و ليبيا التي وقع تدميرها و اليمن التي يقع تقسيمه. الجميع يعلم مدى الدعم التي سخّرته قطر عسكريا عبر تقديم وسائل عسكرية و لوجستية ضخمة للإرهابيين , إعلاميا تزويرا و تضليلا لتصوير إرهاب قاتل على كونه ثورة حريّة و سياسيا أدّت الى إخراج التمثيل الرسمي السوري من المؤسسات العربية كالجامعة و المؤتمر الإسلامي و تعويضها بتمثيل "تنسيقي و ائتلافي" حمل عمل الانتداب الفرنسي شعارا له. دورا أراد إسقاط نظام الرئيس بشّار الأسد (الصديق السابق و العدو الحالي بحسب الرؤية القطرية) و تقديم سوريا على طبق من ذهب الى الولايات المتحدة التي أخرجت ذليلة من العراق و التي تستعدّ للخروج النهائي من المستنقع الأفغاني الذي أوهنه قواها..

هذه قطر, للأسف, التي لم تكن لتلبس رداء الشيطان لو انتصرت للقضايا العربية المتمثّلة في الوحدة و التنمية و التقدّم و التحرير. هذه قطر , التركة الثقيلة التي ورثها  الأمير الجديد "تميم" عن أبيه, فوجد ونفسه معزولا من أبناء جلدته من المشيخات التي سحبت سفراءها من الدوحة مخلّفة "هبوطا حادّا" في البورصة القطرية والذي وجد قطّر التي بعد أن كانت ضخمة الدور بضخامة جسد الأمير الأب, نحيفة بنحافة جسده هو... هذا ما جناه "حمد" على" تميم".