دام برس :

يقال إن أولى الضحايا في الحروب هي الحقيقة نفسها، وهي أيضا أولى الضحايا في الثورات، فكل ثورة حتى تستمر تحتاج إلى بناء خيالها الخاص، وبطولاتها الفردية، ودمها المقدس، وشهدائها الأبطال، وبالطبع أشرارها الذين تواجههم هذه الثورة، وهنا لا تصبح الدقة ولا المصداقية هي المطلوبة، بل مجرد ترويج هذا الخيال وهذه الصور لأغراض تعبوية، ففي الحرب والحب كل شيء مباح كما يقال.
البداية كانت من تونس، حيث كانت حكاية الشرارة الأولى وهي إحراق «البوعزيزي» نفسه، بسبب صفعة شرطية تونسية له في مدينة سيدي بوزيد، وتبين لاحقا زيف هذه المعلومة، أو على الأقل تم التشكيك فيها بقوة، رغم عشرات بل مئات المقالات التي كتبت انطلاقا من صحة المعلومة، والتحليل النفسي والاجتماعي والسياسي وأغلب الظن أن أكثر هؤلاء لم يكلف نفسه عناء تصحيح روايته، بل قال ما قال ومضى.
من تونس إلى مصر مرورا في ليبيا انتقالا إلى اليمن استمر مسلسل الخريف العربي حيث توالت حلقات سقوط الأنظمة واستبدالها بأنظمة إخوانية تابعة لدويلة قطر حيث تحول قادة الثورات في هذه الدول إلى دمى بيد أمراء النفط والغاز ولاة تابعين للسلطان أردوغان.
من المعروف بأن الثورة عمل نبيل يخرج مؤقتاً على القانون بهدف إقامة دولة قانونية عادلة! وأخطر ما في الثورة هي الفترة الانتقالية، فهي مرحلة مخاض وتحديات، فهي إما أنها تصبح ذلك الجسر الموصل إلى مرحلة الإصلاح الجذري أو تتحول إلى مرحلة انتقامية تمهد إلى فوضى وانقسام عمودي، ولكن ما حصل في الدول العربية هو واقع مختلف بعيداً كل البعد عن الثورات التاريخية.
إن ما شهدته القاهرة وعدة مدن مصرية في ذكرى 25 يناير من انفلات أمني وتظاهرات واحتجاجات ومحاولات لتعطيل المرافق العامة والبورصة وقطع الطريق وإيقاف وسائل المواصلات هو نموذج حقيقة حاصلة نتيجة التسلط الإخواني على مفاهيم الثورة.
لقد حاول لصوص الحضارة السطو على تاريخ الأمة العربية وتدمير كل أرث حضاري بل حاولوا قلب المفاهيم وتزوير الحقائق، وبمقارنة بسيطة مع كل الثورات في العالم نجد أن ثورة يقودها لصوص ومتطرفين وشذاذ آفاق، ثورة تطبق أفكار سلفية هدامة وفق أجندات غربية، ثورة ضد الحضارة والإنسانية، ثورة أجازت القتل والتدمير واعتمدت على فتاوى دموية حللت الحرام وحرمت الحلال وغيرت كل المفاهيم هي ليست ثورة بل هي مجزرة بحق الإنسانية.
في مصر اليوم تجلت معاني هذه المجزرة فبعد أن أمّم الراحل عبد الناصر قناة السويس قام الثوار الجدد ببيع القناة لقطر ومن خلفها دول الاستعمار الجديد، القضية الفلسطينية تمت تصفيتها على يد الإخوان الحمساويون، تحت ظلال حكم المرشد تم إسقاط كل معاني الحضارة والكرامة واستعادة سياسية التكفير والتهجير، كل ذلك من أجل خدمة عبدت الهيكل الجديد ولنبحث عن يد الماسونية في كل ما يجري على الساحة العربية والإقليمية والعالمية؟ هو سؤال يحتاج إلى إجابة ممن ادعوا الثورة وتاجروا بدماء الشهداء.