دام برس

لن يستطيع أحدا أن يحصي الاحداث التي غيرت منطقتنا في العقد الأخير و لكن إذا ابتعدنا عن التفاصيل و التشابكات الصغيرة و كتبنا رؤوس الأقلام العريضة لما حدث في السنوات الأخيرة في سوريا و محيطها و بالتركيز على الفتنة الطائفية بالذات سأكتب مايلي:
_أمريكا تتدعي وجود أسلحة دمار شامل في العراق
_أمريكا و حلفائها يحتلون العراق في نيسان 2003 لمنع استخدام تلك الاسلحة و لجلب الحرية و الديموقراطية للشعب العراقي تحت مسمى انشاء شرق أوسط جديد.
_ خرجت طائرات المعتدين من دول التعاون الخليجي(السعودية قطر و البحرين و الكويت)
_ سوريا الدولة العربية الوحيدة التي رفضت احتلال العراق رغم الخلاف الازلي بين البلدين
_قنوات تحريض طائفي و قتل مذهبي تبدأ بثها من العراق بعد بداية مرحلة الاحتلال الامريكي و ذلك تحت مسمى الديموقراطية..
_تفجيرات و قتل باسم الدين أمام كل جامع و حسينية و كنيسة في العراق
_اتهامات امريكية دائمة للسلطات السورية بأنها تسهل وصول الارهابيين كما يسمونهم هم.
_كانت سوريا الهدف الثاني بعد العراق في شرق أوسطهم الجديد و هذا ما أكده توني بلير في مذكراته
_لم تتوقف الضغوطات على سوريا بتاتا, فيوميا كنا نشاهد تقارير عسكرية أو دبلوماسية أمريكية تذكرنا بأننا دولة ارهابية و أننا ننتمي لمحور الشر الذي يضيفون الى قائمته كل أسم أو دولة تعادي سياساتهم الاستعمارية.
_في شباط 2005 اغتيل الحريري
_قبل أن يصل خبر اغتياله لزوجته كانت أمريكا و أذنابها قد اتهموا سوريا
_ رفيق الحريري كان يتمتع بعلاقات اكثر من جيدة مع حزب الله
_ بعد اغتياله برزت خلافات سنية شيعية بين اللبنانيين كما لم تظهر من قبل, ذلك تحت تحريض و قصف اعلامي طائفي شديد من قبل الاعلام الممول بمال الخليج.
_أنشأت جماعة 14 أذار و صار البيت الأبيض مزارا لزعمائها
_ قبل نهاية العام خرجت سوريا من لبنان بسبب الضغط و التهديد
_لم يبقى أمامهم الا نزع سلاح المقاومة لينظفوا لبنان من شوائب محور الشر
_ حدثت حرب القرار 1559 اي حرب تموز تحت ذريعة استرداد اسيرين صهيونيين لدى المقاومة
_ فشلت أهداف الحرب و برهن حزب الله على انتصاره بالسيطرة على السياسة الداخلية و الخارجية اللبنانية رغم أن السلطة كانت بيد خصومه.
_استمر الاتهام السياسي لسوريا بقتل الحريري بانتظار الذريعة التي لم تأت لشن الحرب عليها و سبب عدم قدوم الذريعة, هو المستنقع العراقي الذي غرق به الأمريكان
_ حدثت حرب غزة و كالعادة كانت سوريا الى جانب ايران الدولتان الوحيدتان التان دعمتا المقاومة, و لأن المخطط المرسوم لدب الخلافات العربية العربية هو مخطط طائفي, أطلق العنان لأذناب ملوك النفط من الشيوخ و المفتنين باطلاق الفتاوى بأن حماس و قادتها تشيعوا.
_ لا أناقش نصر المقاومة أو فشلها في غزة لكن اسرائيل لم تستطع ايقاف اطلاق الصواريخ على اراضيها و لم تستطع كسر حماس و الجهاد الاسلامي و باقي كتائب المقاومة.
_ بعد فشل كل المحاولات و الضغوطات و انعكاسها بنتائج سلبية على المتأمرين حصل انفتاح غير مسبوق على سوريا تتوج بدعوة الرئيس الاسد مع معظم دول العالم الى الاليزيه في باريس لحضور عرض عسكري بمناسبة احتفال قومي , و حصلت بعدها مصالحة مع ملك السعودية, و أرسل المبعوثون من البيت الابيض الى دمشق, و أخيرا نزعت التهمة السياسية باغتيال الحريري عن سوريا و تم تحويلها الى حزب الله.
_شهدت الفترة التالية انفتاحا اقتصاديا مبشرا في سوريا تزامن مع الازمة المالية العالمية,
نزل الدولار الى 45 ليرة بعدما كان يتخطى ال 50 و نزل اليورو بعد أن وصل حاجز ال 74 في يوم ما الى 65 ليرة.
_ منذ ال 2003 و حتى وصلنا الى هذه الحقبة في ال 2010 كان ما يزال البث الطائفي و زرع الفتن جاري على أشد ما يمكن تصوره, فكانت صور و اعلام حزب الله تنزل تدريجيا من على نوافذ منازل شعب بسيط و ساذج طالما دعم المقاومة اللبنانية و بدأ يغير رأيه بها لما سمعه من كلام شيخ هنا و أخر هناك, و لكن تناسى هؤلاء البسطاء أن ما من بين هؤلاء الشيوخ من أفتى يوما بوجوب اخراج الأمريكان من الخليج.
_ بعد كل تلك العواصف و الأمطار في شتاء قارس امتد سنين و سنين أتى الربيع العربي في العام 2011 حاملا معه رايات الحرية و الديموقراطية لتتفتح أولى أزراره في تونس و تتبعها مصر, فاليمن, فليبيا, ثم ليحط هذا الربيع رحاله منهكا في سوريا دون أن يعرج على دول التعاون الخليجي التي طغا على مناخها الطابع الصيفي الجاف دون أن يتجرأ أي ربيع سواء كان عربيا أم غربيا على المساس به..
_ ولأننا نعيش في هذه الحقبة سألقي عليها بقعة ضوء ذات نصف قطر كبير نسبيا.
_ كسب الاخوان المسلمون الانتخابات التونسية و لن أعطي حكمي عليهم الان, السبب أنه لم يصدر عنهم بعد ما يجعلنا نرمي الاحكام.
_ في مصر أيضا , كسب السلفيون و الأخوان الإنتخابات النيابية.
_ في ذكرى الانتصار بحرب تشرين التحريرية عام 1981 و أثناء احتفال اقيم لتخليد تلك الذكرى, اغتيل أنور السادات الرئيس المصري الاسبق من قبل الأخوان المسلمين و ذلك كرد على معاهدة السلام التي وقعها مع اسرائيل المسماة باتفاقية كامب ديفد و للتعبير عن رفضهم لها..
-بعد ثلاثين سنة من تلك الحادثة وصل قتلة السادات الى سدة الحكم
_ كنا ننتظر منهم أحد أمرين, الأول هو الغاء المعاهدة المذكورة في البند السابق أو إن صعب ذلك فهنا الأمر الثاني و هوي بناء تمثال لتخليد ذكرى الرئيس أنور السادات الذي قتلوه هم و اعتذار صريح له على تلك الجريمة. و لكن لم يحصل هذا و لا ذاك..
_ البديل عن الامرين السابقين كان قطع العلاقات مع سوريا و طرد سفيرها.
_ بما أننا نسرد نتائج انتخابات شعوب الربيع العربي فلا بد أن نذكر أن حلف الناتو انتصر في انتخابات ليبيا بحدودها الحالية قبل أن يتم تقسمها في الشهور القادمة كمستعمرات بين الدول المنتصرة..
_ قبل ان أصل الى بلدي سوريا أريد التنويه و أيضا من سياق التاريخ أنه و منذ وجد الانسان و حتى اليوم فان الله سبحانه و تعالى لا يتمتع بتأييد كل البشر و لو أراد أحد مجانين الارض في أي دولة من العالم اقامة حزب ضد الله (استغفر الله العظيم) لجمع فيه ناسا أكثر ممن خرجوا ضد النظام السوري في المظاهرات الاولى.
_ ما عاذ الله أن أشبه سيد الخلق بأي شيئ فالله سبحانه تعالى لا يشبّه بأي مخلوق هو خلقه و لكن القصد أنه لا وجود لمن يتمتع بمحبة كل الناس فما بالك إن كان الشخص المقصود هو رئيس دولة تعرض لكل ما تعرض له بشار الاسد..؟
_ في سوريا, هناك الفساد و الرشوة و السرقة و الظلم و لكن في المقابل هناك المحبة و الكرامة و الفخر و العيش الواحد...
_ و كما حصل في معظم الجمهوريات العربية و لا اقول الممالك, خرج من يعانون وطأة الظلم بمظاهرات محدودة و عفوية و هذا حق لهم أن يحبوا الرئيس و النظام أو أن لا يحبونه...
_في تاريخ 18.03.2011 بعد ثلاثة أيام على انطلاقة الأحداث و في احدى مظاهرات درعا اطلقت شعارات ضد ايران و ضد حزب الله ؟؟؟
_ في ذات اليوم بدأ بث السم الاعلامي فخرج على قناة العربية و أخوانها الخليجية و الاجنبية من يقول ان قوات ايرانية و قوات حزب الله تقمع المتظاهرين في درعا, و كأن الجيش السوري عاجز عن قمع تلك المظاهرات السلمية باعترافهم؟؟؟
_ منذ ذلك التاريخ و حتى اليوم نسمع ذات الكلام حتى شفيت قريحة الثوار عندما خطفوا عددا من الايرانيين ليصوروهم على شاشات التلفزة على أنهم حرس ثوري و ما كانوا في النهاية الا عمال و مهندسين كهربائيين, خمسة منهم سنة و اثنين اكراد لهم عباداتهم الخاصة بهم و أربعة شيعة أطلق سراحهم بعدما ضغطت تركيا على الخاطفين..
_ يذكرنا هذا الشيئ باللتغطية الاعلامية لذات المحطات أثناء انتفاضة المعارضة الايرانية ضد احمدي نجادي بعد نجاحه بالانتخابات الأخيرة, فكانت القنوات الاعلامية تقول أن مقاتلين من حزب الله على دراجات نارية يقتلون و يقمعون بالشعب الايراني الأعزل.. فأين كان الحرس الثوري ..؟؟
_أما عندما تعرض حزب الله لعدوان تموز فكان يقال الحرس الثوري الايراني و قوات الباسيج التي لم تعد موجودة أصلا, هم من يحاربون في جنوب لبنان و تلك حرب بين اسرائيل و ايران و ليست حربنا, ليعودوا و يقولوا في وقت أخر و مناسبة أخرى ان ايران حليفة اسرائيل و أنها تكذب علينا بشعارات المقاومة و الاسلام و غيرها..
_ذات الشيئ حصل أثناء أحداث 7 ايار 2008 في بيروت فكانوا يقولون أن القوات الايرانية الشيعية دخلت بيروت و يقولون ايضا أن اسود السنة تتصدى لهم ...
_ القصد من تلك المحاولات العديدة و المتكررة كلما تكررت الفرصة هو اعطاء طابع طائفي موحد لجبهة مقاومة ضد الكيان المغتصب حتى أنهم شيعوا النظام السوري العلماني كما شيعوا حركة حماس الاصولية السنية. فالمهم بالنسبة لهم هو تغيير الرأي العام العربي ببشار الاسد و بحسن نصرالله مع حفظ الالقاب و ذلك بعدما حصل هذان الشخصان في التصويتات التي تقوم بها شبكات عالمية ذات مصداقية, على اعلى نسبة مؤيدين و معجبين في العالم العربي!!!
_المطلوب و بأي شكل ضرب تلك الشعبية الكبيرة لكي لا يقوم ربيع عربي حقيقي يثور فيه الشعب العربي على حكام النفط و الدولار في دول القواعد الامريكية و الهيمنة الصهيونية و الحاخامات الملكية ليطالبوا بقادة مقاومين على نمط الاسد و نصرالله.
_ نكمل السرد الذي بدأناه فبعد مضي اقل من اسبوعين على بداية الازمة في سوريا خرجت علينا سوزان رايس مندوبة أمريكا الدائمة في مجلس الامن (قبل أن تتسلم مكانها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية ) لتقول: أنه ينبغي على دمشق أن تقطع علاقاتها بحزب الله و حماس و تحدد علاقتها بايران ليعود الاستقرار الى ربوعها...
_ بما سردته في النقط السابقة لا أتمنى من أحد الفطاحل أن يستنتج أنني أتهم القسم المعارض من الشعب السوري بانه عميل أو خائن أو حليف أمريكا أو ماشابه,, أعوذ بالله, فكل واحد منهم يغمرني وطنية حتى أنفي, و لكن أيضا لا انزع تلك التهم عن المثقفين من هذا الشعب و الذين يطالبون بتدخل خارجي عسكري لقصف بلادهم و خصوصا من يزاودون على دم الشعب بينما هم يعيشون في قصور تركيا و بريطانيا و فرنسا و واشنطون.

_لكن الذي حصل هو أنهم منذ ال 2003 و حتى اليوم أشبعوا عقول الشعب و خصوصا الشباب بتهيئات عن حرب طائفية مذهبية, عشر سنوات من بث الفتنة, فمن كان عمره خمسة عشر سنة أنذاك, كان يفتح موقع العربية نت, فيقرأ الخبر أن حزب الله الشيعي اقتحم بيروت و قتل السنة و كان يقرأ في خبر أخر أن جماعة مقتدى الصدر الشيعي في العراق تحارب السنة و أيضا في خبر ثالث أن ايران الشيعية تهدد دول الخليج السنية و لم يقولوا أبدا أنها تهدد اسرائيل...
_عشر سنوات حولوا بها العدو و المغتصب و القاتل من اسرائيل الى ايران..
_أعود الان الى ذالك الشاب ذو الخمس عشر ربيعا و الذي أصبح عمره اليوم 25 سنة, فكان ينخر رأسه يوميا بتلك العبارات على مدار عشر سنوات على قنوات سياسية و لم أقل دينية بعد, فما بالكم بقنوات العرعور أو أيضا القنوات الشيعية التي تسب السنة أو القنوات المسلمة التي تسب المسيحيين أو ذاك الشيطان المصري الذي يدعى القمص بطرس الذي يسب الاسلام...
_و لأن اللعب اليوم على الوتر السني الشيعي سأعود الان الى ذلك الشاب من جديد, فلا أستطيع أن أتخيله اليوم أي بعد عشر سنين إلّا و قد اطلق لحيته و حف شاربيه ليقف بين من يسمون انفسهم بالثوار السنة في سوريا لمحاربة الصفويين أي الجيش السوري..و ليتناسى هذا الشاب ان معظم المجندين في الجيش السوري هم من السنة و أن من يبق النظام السوري قائم هم السنة, و ليتناسى أيضا أن الجميع في سوريا أخوة...
_ الفتنة المذهبية التي حصلت ما كانت لتجرأ أن تقرع أبواب سوريا لولا الأخطاء التي حصلت من قبل السلطة
ففعل الأغراب ما فعلوه على مر السنين الماضية مستفيدين من تقصير الدولة السورية في مجالات عديدة و أهمها الفساد المالي و غلاء الاسعار.
أتت الفرصة بعد بداية الثورات العربية, فاستغلوها افضل استغلال, ليعلنوا عن ولادة جماعة 14 أذار جديدة في سوريا, التي حولت مطالب حقة بالاصلاح للشعب السوري الى مطالب باسقاط النظام العلوي الصفوي المجوسي الفارسي الشيعي النصيري ...
_براعة اعلامية منقطعة النظير
_قناة الجزيرة هي ذاتها و حمد بن جاسم هو ذاته, فهم من أنهوا الاقتتال اللبناني بعد أحداث بيروت و الجبل في 7 ايار باتفاق الدوحة الذي سوقوا له سياسيا و اعلاميا قبل توقيعه.
و ها هم الأن يسوقون يوميا لعدد قتلى بالمئات في سوريا و لكن قبل سقوطهم و من المستحيل أن تمر نشرة أخبار مفصلة أو موجزة و مستحيل أن يمر لقاء صحافي سواء كان رياضيا أو سياسيا إلا و يتم به التحريض على سفك الدم و الاهم هو اعطاء النظام السوري صبغة طائفية فتسميه نظاما علويا.
_في النهاية و لا أحد يدري ما يخبئ لنا المستقبل, و لكن من تابع الاحداث و كيف بدأت الضغوطات على سوريا و كيف تطورت لتصل القمة, سيلاحظ الان كيف أخذت تلك الضغوط منحى الانحدار, فكل يريد حفظ ماء وجهه و التهرب من مسؤوليته تجاه ما وصلت اليه سوريا بسبب مخطط فشلوا في تحقيقه.
_على القيادة السورية اليوم تضميد جراح الشعب و تعويضه عن خسائره خصوصا من هم محسوبون على المعارضين كنوع من اثبات حسن النية لإعطاء الفرصة لجميع فئات الشعب للتصالح, فالاخ الكبير يحتضن الأخ الاصغر و يساعده.
بعد القضاء على جيوب المسلحين أو بعد استسلامهم, ستعود الكرة من جديد الى ملعب قيادتنا و أتمنى شخصيا من جديد تعويض الناس ماديا و معنويا, لكي لا نعود و نقع في ذات المشكلة بعد عشرين عاما فيدفع الشعب السوري البريئ دماءه ثمنا لثأر قديم يولعه احد المجانين..