دام برس :
قواعد الاشتباك فيها «خيار وفقوس» كما يقول التعبير الشامي الشهير. تركيا التي أرعدت وطبقت معايير صارمة اتجاه الطيران السوري إبان الفترة التي كانت فيها سورية شبه وحيدة أمام الهجمة العالمية وميليشيات الاستخبارات الأطلسية، تركيا هذه وقفت مذهولة أمام اختراق روسي جوي لأراضيها.
استمر الذهول التركي يومين، فالاختراق تم يوم السبت في 3 تشرين الأول الجاري، واستمر الصمت التركي يومين، أي حتى الاثنين في 5 تشرين. ورغم أن الرئيس رجب طيب أردوغان تكلم خلال هذه الفترة عن العمليات الروسية، وأبدى انزعاجه منها، لكنه، وقد حدث اختراق روسي لأجواء بلاده، لم يأتي على ذكره. وكذلك فعل رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو. كانت تركيا تنتظر أحداً ما يغيثها، شيئاً ما يخرج بها من هذا المأزق. علماً ان سياسة الصمت غير المبرر ليست الأولى لتركيا، فقد سبق أن اخترقت المقاتلات اليونانية أجواءها، وقامت بتحليق وصف بالخطير، وضايقت طائرات تركية في أوقات أخرى، ولم تنبس تركيا ببنت شفة.
أول من أعلن عن الاختراق ليس الدولة التركية، بل صحيفة «جمهوريت»، لتعود الدولة وتؤكد الخبر فترة بعد الظهيرة، عندما سلمت القائم بالأعمال الروسي مذكرة احتجاج. ومن بعدها بدأت التصريحات التركية، وتبعتها تصريحات حلف شمال الأطلسي، وأخيراً الدعوة لاجتماع عاجل للحلف لبحث المسألة. ويبدو أنه خلال يومين من الصمت المحرج تم التوصل إلى حل المسألة قبل أن يتم الإعلان عنها. وهذا الحل، كما أثبتت التطورات هو قاعدة الاشتباك الجديدة التي وضعتها روسيا: الصراخ!
قالت روسيا أن المسألة عبارة عن «خطأ ملاحي» وهو تفسير مضحك بالنسبة لتجهيزات طائرة مثل السوخوي 30، وقبلت تركيا بهذا التفسير. وهكذا كانت تتجه المسألة للطي بهذا الشكل: بعد كل اختراق سيتم تسليم مذكرات احتجاج، أو عقد اجتماعات لا طائل منها. ودليل ذلك هو أن الروس عاودوا الاختراق ليل الاثنين، بعد سويعات على إعلانهم عن «الخطأ الملاحي».
وفي الحقيقة، يشير بعض المراقبين إلى أن روسيا كانت متأهبة لمثل هذه الاحتمالات، بدلالة أنها استقدمت، من بين ما استقدمت إلى مطار اللاذقية، طائرات للاشتباكات الجوية، وكذلك صواريخ جو – جو. ومن الواضح إذن أنها مستعدة لمواجهات مثل هذه، او على الأقل كانت تضع سيناريو أن يقوم الطيران التركي بتغطية هجمات المسلحين، سواء كانوا من «المعتدلة» أو «التكفيرية» على القوات البرية السورية.
وحتى في تفاصيل الاختراق هناك تفصيل مهم، وهو أن السوخوي، بحسب خبراء عسكريين، لاحظت طائرتي F16 التركيتين، من مسافة طويلة قبل أن تصلا إليها، ومع ذلك بقيت في الأجواء التركية لخمس دقائق (ومعروف ماذا تعني خمس دقائق لمقاتلة مثل سوخوي30) ويفترض الخبراء من هنا أن الطائرة الروسية كانت على أهبة إطلاق النار، أو على الأقل الرد على نيران المقاتلتين التركيتين. ولا مجال هنا للتساؤل عن هوية المنتصر في مثل هذه المنازلة، فهو السوخوي.
أن قواعد الاشتباك، التي وضعتها تركيا إثر إسقاط سورية لطائرتها F4، عام 2013، لم تعد قائمة. وحتى بالنسبة للطائرات السورية فإن التعامل معها سيختلف من الآن فصاعداً عما سبق. هناك حالياً قاعدة اشتباك واحدة: لروسيا العمل ولتركيا مذكرات الاحتجاج والتصريحات المدينة.
آسيا نيوز