دام برس :

كتب حسن غندور في سلاب نيوز .. أربعة تطوّرات يرصدها المشهد الاقليمي والدولي ترسم المشهد القادم للمواجهة القائمة في المنطقة بين المشروعين المتواجهين من باب المندب الى اوكرانيا. معركة القلمون، مرافقة ست بوارج عسكرية ايرانية لسفينة المساعدة الانسانية وكسر الارادة السعودية، غياب سلمان عن استدعاء الامريكيين له الى كامب دافيد، ولقاء سوتشي بين لافروف وجون كيري.

لقاء جون كيري مع  نظيره الروسي وإن جاء ليعكس تبريداً للاجواء الروسية الامريكية عبر الاتفاق على الحوار الهادئ لحل نقاط الخلاف بين البلدين، إلّا أنّ ما أفضى عن هذا اللقاء او بالأحرى ما كان على طاولة البحث هو مسألة الازمة الاوكرانية وسبل التوصل الى حلها، مما يشير الى أنّ هذا اللقاء هو عبارة عن نوع من التفاوض بالقطعة وليس بالجملة، مع غياب الملفات الاخرى عن النقاش وهذا يعني تحييد الملفات الخلافية في الشرق الاوسط تماماً كما حدث في المفاوضات الايرانية الامريكية الاخيرة في جنيف حينما تم التفاوض حول موضوع واحد هو الملف النووي دون الغوص في الملفات الخلافية الاخرى، ولعل الامريكي يتبع في هذا الاسلوب من السياسة الخارجية  نمطاً جديداً أشبه بحل عقدة الحبل عقدة عقدة والابتعاد عن مفهوم السلة الواحدة التي قد تعرقل وتطيل احياناً امد الوصول الى تفاهمات.

وبما أنّ قمة سوتشي لم تساهم بأي حلحلة في الملفات الاقليمية باستثناء تبريد الاجواء بين موسكو وواشنطن، وبعض الكلام الدبلوماسي الايجابي عن المفاوضات النووية وملف توريد ال اس 300 لإيران وضرورة الحل السلمي في سوريا بمنطوق جنيف 1، فإنّ التطوارت الثلاثة المتبقية تشكل اساس المشهد الحالي والمؤشر الهام على سير المواجهة في المنطقة وأفقها المستقبلي القريب. فمن القلمون ومعركتها الى القرار الايراني بإرسال سفينة مساعدة محمية بمؤازرة الحربية البحرية، وصولًا الى رفض سلمان المثول امام اوباما في كامب دافيد، تدخل المنطقة في منعطف هام في الصراع القائم، تحدد نتائجه مسار الاحداث وربما خواتمها لما لهذه التطورات من اهمية بالغة على مجرياتها.

في القلمون، تتحضر القاعدة التي تسمي نفسها النصرة وبمساندة بعض الفصائل العسكرية منذ سنتين لمعركة وصل خط الانبار بحمص فالقلمون فشمال لبنان مرورًا بجنوب سوريا، بمساندة اسرائيلية تركية ودعم سعودي قطري للإجهاز على المقاومة والجيش السوري وتحقيق ما عجز عنه الاسرائيلي عام 2006. كانت الخطة كما تقتضي وكما اشار سماحة الامين العام في خطابه منذ فترة أن تكون ساعة الصفر متزامنة مع ذوبان الثلج عن قمم القلمون وبدء الربيع، لكن الهجوم الاستباقي للجيش اللبناني والعمليات النوعية المتفرقة لحزب الله، معطوفةً على افشال المنطقة العازلة في جنوب سوريا عبر عملية الجنوب التي قادها الجيش السوري وحزب الله وعملية مزارع شبعا، أخرت توقيت الهجوم وغيرت في المعادلات كما في التخطيط والحسابات، فجاءت عملية الهجوم على ادلب ثم جسر الشغور كخيار ثانٍ لوصل القلمون بخط امدادات آخر يدعم النصرة فيها ويشكل بديلًا عن الجنوب السوري، وهذا هو السبب الحقيقي وراء معركتي ادلب وجسر الشغور اللتين تعتبران هزيمة للنصرة بسبب فشل الغاية منها وهي الوصول الى القلمون وبدء الانكفاء والتراجع، بعد اعادة الجيش السوري مسك المبادرة وقلب المشهد في جسر الشغور. ولهذا اُخذ القرار من قبل الجيش السوري والمقاومة باستعجال معركة القلمون والبدء بها على توقيتيهما وليس على التوقيت "المؤجل" من قبل النصرة.

لمعركة القلمون اهمية قصوى للمحور الداعم لها من الاسرائيليين والامريكيين كما السعوديين والقطريين والاتراك، فالغربة في الانتصار فيها يعني سحق ارادة المقاومة ويعني تغيير المعادلة الميدانية في سوريا نحو تحقيق هدف اسقاط النظام، ويعني أيضًا استثماراً في الجبهات الاخرى المشتعلة من العراق الى اليمن. ايضاً في المقلب الاخر، فإنّ القضاء على القاعدة (اي النصرة) في القلمون سيعني اولاً اسقاط مشروع تدعيش لبنان دون رجعة، وانقلاب في المشهد الميداني العسكري السوري سينعكس ايجابياً على كافة المحاور الممتدة من درعا الى حلب وسيكون له مردودات هامة ستترجم على جبهات اخرى في العراق واليمن وغير مكان. الكل هنا يراهن على هذه المركة ايضًا لتقوية موقفه في الكباش الاقليمي والدولي القائم حول المنطقة وفي التحضير لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي في حزيران، وعلى ما بات واضحاً وجلياً خلال الايام الاربعة الماضية، فإنّ الجيش السوري والمقاومة يحققان انجازات كبرى في هذه المعركة التي بات حسمها كما تدل المعلومات الميدانية المتواردة مسألة وقت لإعلان القلمون محررة ومدحورة من الارهاب.

إقليمياً، تحركت السفن الايرانية مدعومةً بتصريح ناري من مساعد رئيس الاركان الايراني مسعود جزائري لتكسر الحصار الوهابي على اليمن وتكسر معه ارادة السعودية بإبعاد ايران عن دعم اليمن وشعبه، مما سيشكل قلباً آخر للمشهد القائم في اليمن خصوصاً أنّ تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الامريكية كان مخففاً واقتصر على تعبير "سنراقب السفن الايرانية وحمولتها الانسانية مع الدعوى للتنسيق مع الامم المتحدة في جيبوتي لتوصيل المساعدات". السعودي الذي طلب النجدة من حليفه الامريكي لتثبيت هدنة مؤقتة بعد الهجومات المتكررة للقبائل اليمنية على الحدود اصبح اشبه بالذي يقف على شرفة الطابق العاشر ويهدد بالانتحار، ولكن من يراه من الاسفل يتحداه ان يقفز ، وهو بذلك لم يجد من مخرج للمأزق الذي وضع نفسه فيه سوى الهروب الى الامام بمزيدٍ من ارتكاب المجازر بحق المدنيين ومزيدٍ من الاجرام، علّ في ذلك وسيلة ضغط تجبر الآخرين على ايجاد مخرج مشرف للورطة التي اوقع نفسه فيها او بالاحرى اوقعه نتنياهو وبعض الاعضاء الصهاينة في الكونغرس فيها بهدف افشال الاتفاق النووي.

سلمان اليوم يحاول تقليد فيصل في ستينات القرن الماضي، فيرفض الذهاب الى كامب دافيد وملاقاة اوباما في الاجتماع المخصص لشرح وجهة نظر امريكا لدول الخليج حول الاتفاق النووي، ناسياً او متناسياً  مصير فيصل الذي عاند الرغبة الامريكية فكان الاغتيال، ومحاولاً بجنون العظمة النابعة من قوة البترودولار شراء كل شيء وتطويعه، حتى حليفه الامريكي او اذا صح التعبير سيده الامريكي. سلمان اليوم اشبه بهتلر عشية خسارة معركة ستالينغراد وانقلاب المشهد في اوروبا بعد المعركة، وإن لم يسارع في علاج نفسه من مرض جنون العظمة سيذهب بقدميه المرتجفتين الى الانتحار، ويسدل الستار بإرادته العمياء عن اطول حقبة سوداء في تاريخ الارهاب العالمي.