دام برس :
بالوقت الذي تحاول بعض الدول "الكبرى" في العالم البحث عن طريقة للعودة إلى "الصراط المستقيم" السوري، عبر وفود فاضت بها دمشق منذ قرابة الشهر، يشعر "النشمي الأردني" بأنّه بات مغيّباً عن الستقبل السوري "القريب"، وأن تمثيلية «الكساسبة» الذي أحرقه داعش في الرقة، لم تؤتِ ثمارها بما كان ينتظر، ولم تساعده في الخروج أما الأردنيين "النشامى" الحقيقيين بمظهر البطل المخلّص، والمنتقم لدماء جنديه "الأسير"، بالرغم من أن صفقة التبادل بالانتحارية العراقية «ساجدة الريشاوي» التي أفشلها هو أي العاهل الأردني، لم تُمسح من ذاكرتنا بعد ونعرف جيّداً كيف تم "التملّص" من الصفقة لغاية في نفس "العاهل النشمي"، ليقوم أمس وبـ"جرأة" فريدة من نوعها منه بإرسال عدد من الطائرات العسكرية إلى أجواء قرية "المتاعة" المتاخمة للحدود السورية الأردنية، وتقوم هي الأخرى بإلقاء صناديق من الأسلحة والذخائر والصواريخ لميليشيات النصرة المتحصّنة بها، والتي تعتبر خط الاتصال الرئيسي بين معسكرات التدريب التي يقيمها الأردن على أراضيه لتلك الميليشيات وبين الميليشيات المتطرفة في سوريا، وعن طريقها على مايبدو تأخد غرفة العمليات الإسرائيلية الأردنية السعودية الأميركية المشتركة معلوماتها الرئيسية عن الجبهة، لتكون أمس أي "المتاعة" هي محور الدعم اللوجستي الأردني .. بوقاحة قلّ نظيرها إلا من الجانب الأردني ..
على مايبدو أن عاهل الأردن اختار اللعب بالنار مع الجار السوري، متخطياً بما اقترفته طائراته أمس كل "بروتوكولات الجيرة" التي طالبته بها سوريا منذ اللحظة الأولى لانطلاق "أزمتها"، بل وحذّرته منها ومن مخاطرها المستقبلية على الأردنيين، لكن ومع ذلك استمر في تقديم "الدعم" لتلك الميليشيات تاركاً أبواب حدوده مفتوحةً أمام تلك الميليشيات لقتال الجيش العربي السوري، بل تعدّى ذلك لإشراك ضباط استخباراته "قتل أربعة منهم في القنيطرة في غارة لسلاح الجو السوري أثناء اجتماع لهم مع قادة للجيش الحر وضباط استخبارات إسرائيلية"، في التخطيط وتأمين مايلزم لهم من عتاد وسلاح في المعارك الدائرة مع الجيش السوري في ريفي درعا والقنيطرة، فالهجوم الأخير على مدينة "بصرى الشام" الأثرية فشل، وفشلت معه السيطرة على بعض القرى المحاذية لمحافظة السويداء، وهذا يدل على حجم الضيق الذي وقعت به ميليشيا النصرة في معاركها الأخيرة في ريف درعا، والتي تحاول هي أيضاً العودة بنفسها إلى الساحة الإعلامية بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها في ريفي القنيطرة "الشمالي" ودرعا "الجنوبي"، عندما شنّ الجيش العربي السوري معركة "كسر الجدار الأمني الإسرائيلي"، واستطاع من خلالها السيطرة على عدّة معاقل وتلال لتلك الميليشيات وحصرها في "كفر شمس وكفر ناسج"، مقيّداً بذلك حركتها مع العدو الإسرائيلي الذي بدوره أيضاً كان قد فتح أبوابه ومستودعات أسلحته أمام تلك الميليشيات لضرب مواقع الجيش العربي السوري والسيطرة على ثكنات الدفاع الجوي الخاصة به وعلى رأسها "تل الحارة الإستراتيجي".
ما قام به سلاح الجو الأردني أمس، والذي فتح الأسبوع الماضي مدرج مطار "الزرقا" أمام طائرات "الدرونز" الأميركية التي أسقطتها الدفاعات الجوية السورية فوق مدينة اللاذقية، يبيّن حجم التورط في الأزمة السورية، خاصة وأن صمود الدولة السورية لأكثر من أربع سنوات أحرج الكثير من الدول منهم الأردن، الذي قدّم مع جملة الدول العربية تأكيدات للجانب الأميركي بقدرته على إسقاط النظام السوري، ليُصدم لاحقاً بأن النظام لم يسقط والجيش لم ينهار، وبالتالي فإن التمهيد الأميركي عبر وزير الخارجية «جون كيري» باحتمالية الانقلاب على تلك الدول والوقوف إلى جانب الدولة السورية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية ومنهم قد تكون "المعارضة المعتدلة" لاحقاً، قد شكل صدمة لتلك الدول التي تسعى في الأيام الماضية وعقب التصريحات الأميركية إلى إشعال "عدّة جبهات" سويةً، علّهم ينجحون في قلب المزاج الأميركي، فبعد فشلهم في إحداث خرق أمني وعسكري في ريف حماه الغربي، فشلوا أيضاً عبر تنظيم داعش في قطع طريق "خناصر الإستراتيجي"، ليقوموا بإشعال جبهة درعا بهدف السيطرة على مدينة "بصرى الشام" وبعض القرى المجاورة لها "بكا وذيبين"، وعندما صُدموا بحجم المقاومة التي أبداها أهالي المناطق التي تعرضت للهجوم، وسرعة الجيش السوري في تأمين الدعم اللازم لإفشال الهجوم، قام "الجار الأردني" بنقل كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والصواريخ جواً إلى تلك الميليشيات التي أطلقت نداء استغاثة بعد عملية عسكرية معاكسة قام بها الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني من أهالي المناطق، والتي كانت نتيجتها مقتل عشرات المهاجمين وجرح المئات، والذين بالمناسبة يتلقون العلاج بالمشافي الأردنية بعد نقلهم بسيارات تابعة لتلك المشافي من الحدود السوية الأردنية.
بالرغم من صمت سوريا أمس، إلا أنها لم تحبّذ "حركة الولدنة" التي قام بها العاهل الأردني، فهي مازالت برغم الجراح التي تسبب لها بها "الشقيق والجار" تحترم هذه الجيرة، وملتزمة برفضها لأي معارك عربية – عربية. لكن لا نظن بأن سوريا ستسكت إن تكررت "ولدنات النشمي" لاحقاً، وستنتقل سريعاً من أروقة مجلس الأمن إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين قد لاتكون نتائجها مفرحة للجانب الأردني، خاصة وأن سوريا بعد أربع سنوات من الحرب لم يعد لديها ما تخسره على المستوى المادي، بعد أن كان للأردن وإسرائيل والسعودية وقطر الدور الأكبر في تدمير بناها التحتية، لذا عليه أن يفكّر كثيراً قبل أن يقدم على أي عمل "استفزازي" مع سوريا لاحقاً .. فقد بلغ السيل الذُبى .. وقد أُعذر من أنذر.
عربي برس - ماهر خليل