دام برس:
بعد ثلاثة أيام من بدء ضربات التحالف الأميركي في سورية، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم من نيويورك: «تركيا تتحدث عن منطقة عازلة شمال سورية و»إسرائيل» تتحدث عن منطقة عازلة في الجنوب، إذاً الحدثان مترابطان»، بلا شك الحدثان مترابطان، لكن لكلّ منطقة ظروفها وحيثياتها الخاصة التي تجعل منها منطقة صالحة للعزل أو غير صالحة، مع وجود بعض المشتركات في ما يخصّ مواقف الدول كلّ بحسب اصطفافاته، ونفرد هذا المقال لتحليل الوقائع جنوب سورية.
في أواسط العام الماضي وبينما كانت سيناريوات الخبراء العسكريين للتدخل في سورية تغطي طاولة الكونغرس، ومنها خطة الجنرال مارتن ديمبسي بتدريب المسلحين وإقامة منطقة عازلة في الشمال أو الجنوب، قال ديبلوماسي أميركي: «الشيء الوحيد الذي لا يريد أيّ شخص أن يراه هو أن يجد تنظيم «القاعدة» موطئ قدم بالقرب من «إسرائيل»… هذا سيناريو يوم القيامة».
لعلّ التوجس الأميركي من الذهاب إلى منطقة عازلة في الجنوب السوري على التخوم مع «إسرائيل»، ناجم عن حالة مشابهة حدثت في أفغانستان عندما انشقّ المئات عن الجيش النظامي التابع لحميد كرزاي، وانضمّوا مع أسلحتهم إلى حركة طالبان، ونفذّوا عمليات انتحارية ضدّ قوات «الناتو» هناك.
الخوف من «الجهاديين» دفع بواشنطن إلى وضع خطة كشفت عنها في ذلك الوقت صحيفة «الغارديان» البريطانية، بتدريب قوة من المعارضة المسلحة في الأردن تعمل على نشرها في منطقة وقف إطلاق النار كقوة تفصل بين الإرهابيين المنتشرين في الجولان، وبين الجزء الذي تحتله «إسرائيل»، أيّ تكون نواة لـ»جيش حر» يحمي أمن «إسرائيل»، وفيها يكون مقرّ الحكومة الموقتة.
إضافة إلى ذلك وردت معلومات عن قيام حكومات عربية بإقناع «إسرائيل» وأميركا بأنّ الجماعات الإرهابية، وبخاصة «جبهة النصرة» الموجودة في الريف الغربي لدرعا، أكثر بلاءً في مواجهة الجيش السوري، ومن الخطأ مواجهتها، ويفضّل إقامة منطقة عازلة من دون الاشتباك معها، بل بالإمكان أن تقدم المساعدة في بعض المجالات بطلب من هذه الحكومات التي تدعمها، وبخاصة قطر، ولعلّ استثناء «النصرة» من ضربات التحالف بعد اليوم الأول، يشير إلى رغبة أميركية بعدم استفزازها، وربما التصريحات المتتالية من حلفاء واشنطن عن «اعتدال» «النصرة» تهدف إلى وضع الأخيرة تحت جناح التحالف.
بدأ العمل بشكل جدّي لتوفير المناخ على الأرض لقيام منطقة عازلة، مع اختطاف «جبهة النصرة» عناصر قوات حفظ السلام في الجولان، من أجل دفع تلك القوات إلى إخلاء المنطقة، وقد قدّمت دمشق للأمم المتحدة رقم الضابط القطري، الذي كان ينسّق لخطف الجنود الفيجيّين، لكن الأمم المتحدة تجاهلت ذلك، وهي الغارقة في فساد مالي بعد أن اشترت ذمّتها القابلة للشراء منذ نشأتها، أموال الخليجيين، كما ويرأس أهمّ فروعها والمتعلق منها بمكافحة الإرهاب أشخاص خليجيون وأتراك.
«إسرائيل» أعادت الفرقة 21 المتخصّصة بعمليات التجسّس والرصد إلى الجولان المحتلّ، ونزعت الألغام من جهتها لدعم المسلحين، وتصريح أحمد طعمة رئيس «الحكومة السورية الموقتة» منذ أسبوعين عن إمكانية كبيرة لإقامة منطقة عازلة خلال أربعة أشهر، يعني أنّ العدّ التنازلي بدأ.
الجيش السوري ردّ في شباط من العام الحالي بنزع الألغام في القنيطرة على تخوم فلسطين المحتلة، وحشد في خان أرنبة، وعزز معبر نصيب مع الأردن، ومعلومات عن الاستعداد لعملية عسكرية واسعة في الريف الغربي لدرعا الذي يشكل امتداداً جغرافياً لريف القنيطرة، بمشاركة حزب الله، فيما يواصل تنظيف ريف دمشق، بحيث لا يكون للمسلحين وجود عندما يجهز القادمون من القنيطرة لدعمهم، ولعلّ الضربة المفاجئة والقوية بصواريخ استهدفت مواقع «النصرة» في منطقة أضلاعها تصل بين الجنوب اللبناني والسوري وشمال فلسطين المحتلة، له دلالة قوية من حيث الجغرافية المستهدفة ومن حيث التوقيت، فهل اقتربت المواجهة؟
البناء