دام برس :
أشبه بقنبلة دخانية خرجت إلى الساحة في لحظة مفصلية. الحديث عن تنظيم «خراسان» الذي اكتشف الأميركيون فجأة أنه يهدد الأمن القومي الأميركي والأوروبي أكثر من أي تنظيم إرهابي آخر عامل في سوريا. قنبلة إعلامية بالدرجة الأولى استهدفت من خلالها إدارة باراك أوباما كسب تأييد الرأي العام الأميركي للعملية العسكرية التي هبطت على العالم من السماء.
فكانت تلك «الحاجة الملحة» لبناء تحالف يواجه الخطر ويظهر الولايات المتحدة على أنها مدعومة من دول إقليمية ودولية، وغير مضطرة للحصول على قرارات دولية للتدخل ولاستهداف منشآت نفطية وبنى تحتية، بل يفتح المجال أمامها لإنكار قتل مدنيين، رغم تأكيد شهود عيان أو ناشطين عكس ذلك.
تنظيم «خراسان» الذي مهّد لضربات التحالف في سوريا، خرج إلى النور في 13 من الشهر الجاري في تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس»، لتكرّس بعدها صحيفة «نيويورك تايمز» في العشرين من الشهر الجاري، تقريراً طويلاًً عن الخطر الداهم من الشرق على الولايات المتحدة وأوروبا. فـ«خراسان»، وفق ما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين، هي جماعة «ظهرت في العام الماضي، باعتبارها الخلية التي يمكن أن تكون الأكثر إصراراً في سوريا على استهداف الولايات المتحدة أو منشآتها في الخارج بهجوم إرهابي».
ولكن هذه التحذيرات لم تمنع كثيرين في الداخل الأميركي، كما في الخارج، من التساؤل عن حقيقة هذه الجماعة، التي تحدّث عنها الصحافيان غلين غرينوولد ومرتضى حسين، في تقرير على موقع «ذي انترسبت» تحت عنوان «تشريح تهديد إرهابي وهمي لتبرير قصف سوريا». وانطلاقاً من هذه الفكرة، أشار الكاتبان إلى أنه «في الوقت الذي تتحضّر فيه الإدارة الأميركية لضرب سوريا من دون موافقة الكونغرس أو الأمم المتحدة، واجهت مشكلتين: الأولى تمثلت في صعوبة الحصول على التأييد الشعبي لحرب جديدة تمتد على سنوات ضد داعش، المجموعة التي لم تشكل تهديداً واضحاً للوطن، والثاني نقص التبرير القانوني لشن حملة ضربات جديدة من دون حجة مقنعة تتعلق بالدفاع عن النفس». من هنا، رأى الكاتبان أن «الحل لكلتا المشكلتين وجد في تدبير كامل لتهديد إرهابي جديد سمّي خراسان».
ووفق غلينوورد وحسين، «فبعد قضاء أسابيع في تصوير داعش على أنه تهديد غير مسبوق وأكثر راديكالية من القاعدة، بدأت الحكومة الأميركية فجأة تلقيم مؤسساتها الإعلامية المفضلة والصحافيين الذين يتابعون قضايا الأمن القومي، حكايات حول مجموعة سرية أكثر إخافة وتهديداً من داعش، وتشكل خطراً مباشراً للوطن الأميركي، وعلى ما يبدو من حيث لا ندري، دخلت مجموعة إرهابية جديدة على المنظومة الإعلامية.
أما مراسل الشؤون الخارجية في «ان بي سي نيوز» ريتشارد انغل الذي تطرّق إلى هذه الجماعة عبر صفحته على موقع «تويتر»، مروجاً في أحيان كثيرة لخطورتها، خرج في 24 من الشهر الجاري، أي بعد يوم على ضربها من قبل قوات التحالف، بتغريدة تقول إن «ناشطين سوريين يخبروننا أنهم لم يسمعوا قط بخراسان أو قائدها».
وبالتزامن مع بدء الهجوم في 23 أيلول، وتصريح البنتاغون بأنه تم القضاء على «خطر خراسان الوشيك»، اختفت هذه الجماعة من بيانات وزارة الدفاع الأميركية ومن تصريحات المسؤولين الأميركيين، التي تحدثت في البداية عن مقتل أكثر من 50 عنصراً خلال الهجوم الأول، لتحلّ مكانها بعد ذلك «إنجازات» التحالف في المناطق السورية كافة، حيث اقتصر الحديث على استهداف مصاف للنفط ومراكز قيادة ووسائل نقل ومنشآت تابعة للتنظيم في الرقة ودير الزور والبوكمال وحلب، إضافة إلى الغارات التي استهدفت مجمع «داعش» بالقرب من بلدة عين العرب الكردية (كوباني)، في مسعى الإدارة الأميركية «لإعاقة الموارد المالية لتنظيم الدولة الإسلامية».
ولكن هذه البيانات لم تتطرّق إلى الضحايا المدنيين، فمثلاً رغم تأكيد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض أن الضربات الجوية أصابت صومعة للحبوب في شمال سوريا ولم تؤد بالتالي إلا إلى مقتل مدنيين، إلا أن الجيش الأميركي نفى ذلك، موضحاً أنه ليس لديه أي دليل عن سقوط ضحايا من المدنيين.
وأيضاً، فإن التصريحات الرسمية لم تمنع الإعلام الأميركي من انتقاد إدارته. فأمس، أكدت شبكة «سي ان ان» أن الغارات الجوية التي تشنها طائرات «التحالف الدولي» لم توقف تقدّم مسلّحي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، باتجاه مدينة «عين العرب»، الواقعة في شمال سوريا، بالقرب من الحدود مع تركيا.
وأوضحت الشبكة أنه «مع إقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما، بأن أجهزة الاستخبارات الأميركية استخفت بقدرات التنظيم المتشدد، المعروف باسم داعش، يواصل مسلّحو التنظيم تقدمهم باتجاه الحدود التركية، وسط فرار الآلاف من سكان القرى الكردية، خوفاً من تعرضهم لـ«مجزرة» جديدة على أيدي مسلحي داعش».
وبينما تتواصل الغارات الجوية وعمليات القصف الصاروخية التي يقودها الجيش الأميركي، أكد شهود عيان لـ«سي ان ان»، أن عدد الغارات قليل جداً، كما أنها لم تستهدف الخطوط الأمامية لمسلحي «داعش»، الذين أصبحوا على بعد حوالى ثلاثة كيلومترات فقط من مدينة «كوباني».