دام برس - الاعلامي حسين مرتضى :

هو أيلول شهر الانتصارات المتلاحقة التي يحققها الجيش السوري وحلفائه حيث تمّ حسم معركة عدرا البلد في الغوطة الشرقية بريف دمشق، والسيطرة الكاملة على المدينة وعدرا الجديدة والعمالية. هذه المعركة والتي تعتبر المعركة الإستراتيجية الثانية بعد معركة المليحة ومحيطها، كونها على خاصرة دوما التي تشكّل مركز ثقل للمجموعات المسلحة.

إن إحكام الخُطة وإتقان تنفيذها من قبل الجيش السوري المتقدم في محور عدرا البلد في ريف دمشق، شكّل صدمة حقيقية للمجموعات المسلحة، فأفقدها التوازن، ما دفعها لإطلاق نداءات الاستغاثة من تحت أنقاض الإحساس بالهزيمة الوشيكة في كل قرى الغوطة الشرقية، بعد أن وصلت وحدات الجيش السوري إلى مشارف عدرا البلد، ما وسّع الخلافات التي نشبت بين ما يسمى بـ "جيش الاسلام" و"النصرة" التي سحبت مقاتليها من البلدة باتجاه جوبر. هذه الوقائع، عجّلت بتطهير مدينة عدرا العمالية التي تحظى بأهمية بالغة في معارك الغوطة الشرقية من المسلحين بشكل كامل، كونها صلة وصل بين دوما والضمير وحفير وميدعا، وبسبب إمكانية تأمين الطريق الدولي بين حمص والعاصمة دمشق، مما أدى الى انهيار المجموعات المسلحة داخل عدرا البلد.

هذا الانجاز رأى فيه المراقبون أنه حجر "الدومينو" الذي سقط وسيسقط كل ما يليه من بلدات الغوطة العليا وصولا ًالى دوما. وحول تفاصيل العملية العسكرية، فلقد بدأت من عدة محاور كان أهمها محور المعامل الذي سيطر فيه الجيش السوري على معمل "فيم" للمنظفات ومعمل "الرنكوسي" ومعمل الغاز وسيطر على كتل الابنية خلف بناء المرسيدس ومن ثم انطلقت وحدات الجيش السوري لتتقدم بعمق كيلومتر ونصف داخل سوق الغنم الواقع غرب المدينة. وبهذا يكون الجيش قد أحكم السيطرة على 80% من المدينة كما تمكّن من السيطرة على كتيبة الدخانية والفوج الكيميائي.

لم تتوقف العملية العسكرية عند هذا الحد، بل كانت الخطة تقتضي ان يسيطر الجيش على أهم النقاط الاستراتيجية في المنطقة وهي تل كردي، والتي تشرف على مساحة واسعة من منطقة سهل عدرا والمدينة، وعبر وحدات النخبة استطاع التقدم من الناحية الشرقية لمدينة عدرا البلد وتطويقها، بالتزامن مع سيطرته على تلة الكردي المشرفة على المدينة وسط اشتباكات عنيفة مع المسلحين.

في المرحلة الثالثة، تابعت القوات المتقدمة نحو وسط المدينة لتقطع طريقها الرئيس بالموازاة مع سيطرة وحدات أخرى على معامل الكهرباء ومعامل تكرير الصرف الصحي وتجمعات سكنية فيها ليُستكمل تطويقها بشكل كامل.

 التكتيكات العسكرية التي استخدمها الجيش السوري، لم تكن مختلفة عن المعارك الاخرى، حيث ركّزت على عمليات قطع الإمداد عن المسلحين في عدرا البلد بالاضافة الى مدينة دوما. واستمر الجيش في التقدم والاشتباك المباشر من خلال وحدات النخبة، بخطة كان يدفع فيها المجموعات المسلحة الى استخدام ما تبقى لديها من سلاح وعتاد، واستنزاف لنفسية المسلحين، ومن ثم انتظر الظروف الميدانية الملائمة لينقض عليهم بالهجمات السريعة والخاطفة والحاسمة ويطهر تلك المناطق بشكل كامل.

الموقع الجغرافي الذي يميز مدينة عدرا البلد عن غيرها من المدن والقرى في الغوطة الشرقية، هو وقوعها على خط الامداد القادم من الضمير المرتبطة بالبادية السورية والمنطقة الشرقية لسوريا، ما يعني عزل دوما عن الضمير، وبذلك يتم قطع طريق إمداد رئيس هام، مما يؤدي أولاً الى فقدان مسلحي دوما خط الامداد القادم من البادية السورية والحدود الاردنية والعراقية ومنطقة الجزيرة السورية، وثانياً فقدان مسلحي الضمير العمق الاستراتيجي لهم في مدينة دوما.

وبالبعد العسكري، يشكل هذا الانجاز خطوة أولى في الانطلاق نحو القرى العليا للغوطة الشرقية بعد عزلها عن مدينة دوما مثل البلالية والقاسمية والنشابية، بالاضافة الى الانطلاق نحو مدينة دوما، ما يدفع المجموعات المسلحة الى استنزاف جهدها القتالي على محاور جوبر ووادي عين ترما وزملكا وفي القرى العليا للغوطة الشرقية وعلى حدود ومشارف دوما، ما سيسهل على الجيش السوري الاستمرار في قضم المساحات الجغرافية وتطهيرها من المسلحين.