دام برس
تحل الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب تشرين التحريرية في وقت تواجه فيه سورية إحدى اخطر المراحل في ظل محاولات الهيمنة ونشر الفوضى المدمرة ما يستدعى استلهام دلالات ومعاني هذا الانتصار الذي جسد التلاحم والتضامن بين العرب وتنسيق قواهم ومقدراتهم للانتقال من حالة التشرذم إلى موقف عربي موحد يتجاوز مشاريع التآمر والتقسيم والتدخل الخارجي . لقد شكلت حرب تشرين التي كانت حربا بين قوة احتلال معتدية وقوة متمسكة بالحقوق واسترجاع الأرض سابقة إذ أنها كانت حربا من اجل السلام ومن اجل أن تعيش شعوب المنطقة بسلام كما شكلت نقطة تحول أساسية في الصراع مع الكيان الصهيوني وأكدت ولأول مرة في تاريخ الأمة العربية الحديث والمعاصر أن العرب رغم حالات التجزئة التي فرضت عليهم تاريخيا أثبتوا في هذه الحرب انتماءهم للعروبة وتاريخها وحضارتها وذلك من خلال تضامنهم مع بعضهم وامتزاج دماء أبنائهم على ارض المعركة . ولعل البعد الاستراتيجي الأبرز لهذه الحرب كان في إسقاط المشروع الصهيوني ببعديه العقائدي والاستراتيجي وقد تجلى في الهزائم المتتالية التي منيت بها اسرائيل فكان انسحابها من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة في 25 أيار عام 2000 ثم هزيمتها في عدوانها على لبنان تموز 2006 التي أفشلت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي روج له المحافظون الجدد في واشنطن . لقد حطمت حرب تشرين حاجز العجز النفسي بالانتصار العسكري وتفوق العقل السوري في التخطيط والأداء في حرب 1973 بعد الإحساس العميق بالمرارة الذي تغلغل في أعماق الجماهير العربية مع نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967 والتلاعب بالقضايا المصيرية للأمة والتآمر على حركة الثورة العربية وتشتيت قوى النضال الوطني والقومي وكانت هذه الحرب التي خاضتها سورية ومصر ومن خلفهما الدول العربية والشعب العربي في مختلف بلدانه دفاعا عن النفس ضد قوة عنصرية استيطانية معتدية استهدفت وجودنا القومي . وكان للموقف الموحد الذي ظهر فيه العرب دور كبير في دعم القضية العربية المركزية قضية فلسطين تجلى في التأييد الدولي الكبير الذي حظيت به هذه القضية والذي برز بشكل جلي في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1974 الذي أكد ضرورة الانسحاب الاسرائيلى الكامل من جميع الاراضى العربية المحتلة وإقرار الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني فلسطين واتخذت الجمعية العمومية قرارا آخر اعتبرت فيه الصهيونية شكلا من أشكال التمييز العنصري تجب مكافحته لأنه يشكل خطرا على العالم إلى جانب الإدانات الدولية المستمرة لسياسة اسرائيل العدوانية .
اليوم وفي رحاب هذه الذكرى يقاوم وطننا وجيشنا مشروع صهيوني برعاية عربية هدفه تحطيم محور المقاومة والممانعة، في ثقافتنا نقول أن العرب الخونة يخدمون المصالح الإسرائيلية ، لكن الحقيقة أن الكيان الصهيوني هو من يخدم مصالح طواغيت العرب، هم أرادوا هذا الكيان الخبيث لكي يبقوا، لم يجدوا حليف فاسد مثلهم إلا بني صهيون، سبحان الله مثابرتهم على الفساد أبدية لذلك نجد أن في كل حكم مجرم هناك حصة للصهاينة فيه اليوم السلفيين الوهابيين يتحالفون مع الصهاينة لأنهم أرباب فساد، لأن الناس الشرفاء لن يتحالفوا مع فاسدين، اليوم قد ضاع مفهوم التضامن العربي فمعظم الدول العربية أصبحت إمارات في الإمبراطورية العثمانية الإخوانية المراد إنشاؤها.
اليوم تأتي هذه الذكرى والوطن يشهد صراعا بين حملة المشروع القومي ودعاة المشروع المعادي للأمة العربية،ولكل من المشروعين إستراتيجيته الواضحة فأصحاب المشروع المقاوم يعملون على تعزيز وتطوير مكونات وأدوات النصر وأصحاب المشروع المعادي يحاولون تفكيك هذه الأدوات والهيمنة على المنطقة وتجزئة المجزأ في وطننا العربي.
إن المعركة التي تخوضها قواتنا المسلحة الباسلة اليوم هي المعركة الحاسمة في إنقاذ المشروع الوطني والقومي بعد أن أضحت أغلبية الأنظمة العربية أدوات تابعة طائعة لمراكز القوى التي لم تخف يوما عداءها للقضية العربية وخشيتها من نهوض العرب من جديد.