دام برس :
تكثر التساؤلات حول الموقف الحقيقي لواشنطن من التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، فالبعض يرى أن عنوان محاربة الإرهاب أصبح رتيباً وفاقداً للمصداقية عندما يخرج عن ألسنة المسؤولين الأميركيين، وذلك بناءً على تجارب عديدة رفع خلالها هذا الشعار في دول الشرق الأوسط، قبل أن ينتهي الأمر إلى تحالف بين القوى الإرهابية والقوات الأميركية ضد مواطني تلك الدول. ولهذا الرأي الكثير من الدعائم المنطقية. من ناحية ثانية، يرى البعض الآخر بأن الولايات المتحدة صادقة في موقفها من محاربة الإرهاب، وأنها فعلاً تسعى للقضاء على التنظيمات الإرهابية، ولهذا المنطق أيضاً ما يبرره.غير أن التعمق في فهم الموقف الأميركي من هذه التنظيمات يتطلب رؤيةً أكثر شموليةً لتأثير هذه التنظيمات، ليس على أمن الشرق الأوسط، بل على أمن الولايات المتحدة نفسها، وعلى الأمن الدولي بصورة عامة. ويمكن في هذا السياق القول إن قدرة أي دولة في العالم على إقفال حدودها بوجه التمدد الإرهابي، أصبحت صعبة للغاية، وتتجه لتكون غير ممكنة على الإطلاق في مرحلة ترابط الأمن الوطني بالأمن الدولي، وعليه فإنه مع هذا النوع من الأعداء، أي داعش والنصرة ومن ماثلهما، يكون أمن آخر مدينة في الغرب الأميركي من أمن أصغر قرى الشمال السوري؛ خصوصاً وأن تنظيم "داعش" كورقة ابتزازٍ قد أدى دوره من ناحية الضغط على إيران وسوريا والعراق، ودفعهم للقبول بدورٍ أميركي للحل الكبير المنتظر في المنطقة.فضلاً عن أن تبدلات موازين القوى الدولية، وتقدم قوى أخرى للعب دور عالمي، أرخى بظلاله على التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط، وبالتالي أفرز ضرورات جديدة للسياسة الخارجية الأميركية، منها ما هو مرتبط بالحفاظ على حلفائها الذين يعيشون معها أزمة ثقة اليوم، ومنها أيضاً بكسب شركاء جدد لتعويض خسارات استراتيجية لمصلحة منافسيها الصاعدين.لذلك فقط فإن الولايات المتحدة تبدو جادّةً في محاربة "داعش"، وفي تصنيف "جبهة النصرة" كتنظيمٍ إرهابي، وليس لأي سببٍ أخلاقيٍ أو مبدئي.
وعليه، فإن مساحة المناورة الأميركية في هذه الحرب تتجه لتصبح أكثر تقلصاً، خصوصاً بعد حصول واشنطن ومعها حلفائها الغربيين على اتفاق مع إيران، والتحفّز الغربي الواضح باتجاه كسب إيران كشريكٍ مستقبلي، على المستوى الاقتصادي للضرورة، وعلى المستوى السياسي كاحتمالٍ وفرصة.ولكن، كيف للقضاء على داعش أن يتحقق مع بقاء خطوط إمداده مفتوحةً من الحدود التركية؟