ربما يمكن اعتبار الجبهة الجنوبية، وتحديداً الجولان المحتل، إحدى أكثر الجبهات الميدانية حساسية وأهمية، لعوامل جغرافية وقتالية، وأخرى تتعلق بطبيعة الفصائل المسلحة وعلاقتها بعضها ببعض على امتداد المنطقة الجنوبية، بالإضـافة إلى تأمين ممرات الإمداد والسلاح.
وقال مصدر عسكري إن القوات السورية أحبطت هجوماً ضخماً على كل من تل الشعار وتل البزاق وبلدة جبا في ريف محافظة القنيطرة، بالتزامن مع قصف استهدف بلدات بيت سابر وبيت تيما ومسحرة وجباتا الخشب وأم باطنة.
وكانت مصادر في المعارضة قد أعلنت سيطرة المسلحين على التلال، قبل أن يعود عدد من الناشطين ويؤكدوا استمرار الاشتباكات من دون أي سيطرة من قبل مجموعات «الجبهة الجنوبية»، نافين في الوقت ذاته أي عملية عسكرية باتجاه خان أرنبة قبل إحكام السيطرة على هذه التلال وقرية حضر في سفح جبل الشيخ، والتي تتعرض لحصار من قبل «جيش الحرمون»، المشكل من «جبهة النصرة» و «حركة أحرار الشام» وعدد من الفصائل في الجولان.
وتمتلك جبهة الجولان تحديداً حساسية وأهمية بالغة الدقة. وعلى الرغم من بدء العمل المسلح من قبل الفصائل باكراً (ربيع العام 2012)، إلا أنها لم تقفز إلى الواجهة حتى منتصف سنة 2013، حيث تصاعدت العمليات العسكرية، وبدأت تتشكل مجموعات تتبع الى «الجيش الحر» قبل أن تتوسع وتشتعل الجبهة خلال العام الماضي، مع دور أساسي لمقاتلي «جبهة النصرة» حيث سيطروا على التلال الحمر التي تكشف مساحات واسعة من المنطقة. وفي الصيف الماضي استولوا على المدينة القديمة المدمرة والمعبر مع الجزء المحتل، كما تمكنوا من وصل ريف القنيطرة بسهل حوران، بحيث تعد بمثابة جبهة واحدة، خاصة في القطاع الجنوبي، وبدرجة أقل في الأوسط، وصولاً إلى إطلاق معركة في الخريف الماضي بعد السيطرة على تل الحارة في ريف درعا بهدف وصل ريف حوران بالقنيطرة والغوطة الغربية، ما يحقق أكبر تهديد للعاصمة، فيما بقيت كل من مدينة البعث وبلدة خان أرنبة المجاورة ومواقع «اللواء 90»، بالإضافة للطريق مع دمشق تحت سيطرة الدولة السورية مع فشل عدة هجمات لإحكام السيطرة عليها.
وبالإضافة لكون جزء من الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي، تتمتع المنطقة بسلسلة من الممرات، سواء عبر جبل الشيخ إلى لبنان من خلال معبر بيت جن ـ شبعا، أو للأراضي المحتلة، وتتصل جنوباً بريف درعا الغربي والأردن، على أن الأكثر أهمية هو قربها من دمشق بمسافة لا تتعدى 70 كيلومتراً، ويعد موقع القوة الأساسي هنا هو «اللواء 90» بين بلدة سعسع وخان أرنبة، ويؤمن الحماية لمدينة البعث، بالإضافة للتلال المحيطة بها، والتي تعتبر بدورها خط تماس في مواجهة بلدة الحميدية، الواقعة تحت سيطرة المسلحين.
مسألة أخرى تبدو لافتة في الجولان، وهي علاقة المجموعات المسلحة بعضها ببعض. فعلى الرغم من دور مقاتلي درعا وارتباطهم بقيادة «الجبهة الجنوبية»، فإنه لا يمكن إغفال دور «جبهة النصرة»، ومعها «حركة أحرار الشام» و «حركة المثنى» وعدد من المجموعات الأقل حجماً. بل لعل «النصرة» قد تمددت في المنطقة أكثر من درعا، منعاً للحساسية التي تفرض علاقتها بمقاتلي «الجيش الحر»، ويبدو ذلك من خلال قيادتها لعدة هجمات كما في التلال الحمر أو مدينة البعث، وقبل أيام لفك الحصار عن جباتا الخشب وبين جن عبر تشكيل «جيش الحرمون»، وسابقاً خلال تصديها لقتال «سرايا الجهاد» المتهمة بمبايعة تنظيم «داعش».
وتشير معلومات من المعارضة إلى احتمال إطلاق «النصرة» و«الجيش الحر» معارك سريعة في الفترة المقبلة بهدف إحراز أكبر قدر من المكاسب في القنيطرة، ذلك أن سيطرة «النصرة» ستعني تحولها للقوة الأكبر، في محاولة لتكرار سيناريو إدلب، والتوسع لاحقا في درعا. وفي المقابل، يحاول مقاتلو «الحر» إثبات دورهم وقدرتهم على فتح المواجهات من دون الاستعانة بـ«النصرة»، على الرغم من إثبات المواجهات السابقة أن عدم مشاركة الجبهة لم يسهم في إحراز التقدم المطلوب.