دام برس :

منذ ليل أمس، اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بخبر "تحرير" منطقة القلمون من النصرة وداعش. وتم نشر الخبر تحت عنوان "نصر القلمون"، حتى قام بعضهم بنسب الخبر الى الإعلام الحربي في حزب الله، الذي لم يصدر حتى اللحظة أي بيان يتعلق بسير العمليات في القلمون، التي بدأت وتحررت على ذمة الناشطين 5 مرات على الأقل في الشهر الأخير. كما أنّ الوسائل الإعلامية الموالية للمقاومة، والتي تتولّى عادةً الإعلان عن أي "نصر" أو "تحرير" حتى لو كان إنجازًا ضيقًا ضمن نطاق محدد، لم تعلن هي بدورها أي خبرٍ يتبنى ما قيل. ولسنا هنا بموقع التحدث عن سير العمليات في القلمون، لانه ما قد يكون أهم في هذه اللحظة، هو الاشارة الى الظاهرة الالكترونية التي تبسط ترسانتها عند كل حدث مشابه، على مواقع التواصل الاجتماعي، من فايسبوك وتويتر، وصولًا الى أخطرها " الواتساب".

في كل مرة، تتسارع وتيرة نشر الأخبار على هذه المواقع دون التأكد من صحتها أو مصدرها، وترفق بعضها بصور وفيديوهات او حتى تسجيل صوتي. وحتى اللحظة، يتم نشر صور قديمة العهد على أنها اليوم، ويوزع بيانات يحمل بعضها رقم (1) على ان تستكمل ببيانات أخرى. وكي نعطي كل ذي حق حقه، فانه من البديهي ان يسارع المؤيدون للمقاومة لنشر هكذا أخبار، وتصديقها، إيماناً منهم بالنصر بالدرجة الاولى وعدم التشكيك به، وثانيًا لان ذلك ياتي ضمن غزو لا ارادي في كل ما يخص المقاومة او المواقف التي تعززها.

ومنذ نشوء المقاومة، في لبنان تحديداً، لعبت  الحرب النفسية دورًا اساسيًا في تحقيق النصر، وكان للاعلام جزء كبير منه. ومن أعمدة النجاح ايضًا عدم اشاعة كل ما يخص مجريات الحرب، بالتالي الكتمان قدر الإمكان عندما تقتضي الحاجة. الا اننا في هذا الوقت، ومع سهولة نشر الاخبار، ينقلب السحر على الساحر وبدلًا من مساندة المقاومة، يقدم جمهورها خدمةً للعدو على طبق من ذهب. وبحسب مصادر مطلعة، تغيّر سير العملية العسكرية في القلمون أكثر مرة بسبب المغالطات في الأخبار التي تنشر وانعكاسها. فالحديث عن كل ما يخص المعركة، بدءًا من توقيتها، والحشد لها، كما التجهيزات العسكرية لخوضها، يفسد في بعض الاحيان سيرها بالشكل المطلوب.

من جهة أخرى، تنفق التنظيمات المسلحة ملايين الدولارات على حربها النفسية الممنهجة، وهي تسعى جاهدة للعمل على وسائل التواصل الاجتماعي قبل القنوات الرسمية التي بدأت بالعمل رسميًا في بعض المناطق منذ مدة ليست ببعيدة، عكس عملها على مواقع التواصل الاجتماعي الذي بدأ مع انطلاقتها منذ سنوات. كما أنها تراقب بحذر الاعلام التابع للمقاومة، وتعي ثغراته جيدًا فتستهدفها. وهنا، لا بد من الاشارة الى ان الانسحاب الذي يتم الحديث عنه في القلمون دون مقاومة، قد يكون تمهيداً لبداية أخرى، اذ ان ليس هناك ما يشير حتى اللحظة الى انقضاء المعركة نهائيًا.

وعلى العكس، فإنّ جهوزية الجيش اللبناني وحزب الله في أعلى درجاتها الآن، هكذا كانت، وهكذا ستبقى. يذكر ان انسحابات للمسلحين حصلت في مناطق عدة من سوريا، عادت اليها التنظيمات بعد حشد وتعزيز نقاط الضعف، مما أدى الى سقوطها من جديد بعد هجوم مباغت. وعليه، ان الانسحاب الذي حصل في مواقع من القلمون يفترض أن يكون مصدر حذر لا طمأنة، أقله في الوقت الراهن، خوفاً من اعداد الكمائن بعد انسحاب يسمى "تكتيكي". ومن سار في أرض معركة يومًا، يعي أن الذي يحصل على الارض بعيد كل البعد عن ما يحدثونك عنه في الاعلام. فالمتغيرات التي تقع تدحض كل المزاعم عن معلومات مسبقة يتم الحديث عنها. وغالبًا ما يكون التحليل السياسي أشبه بالتنجيم في معارك مشابهة.

يشار إلى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، شدد أكثر من مرة على أهمية هذه المعركة، وتوصيفها بـ"الاستحقاق" لم يكن عبثيًا، كما جرت العادة عند أي توصيف يطلقه الأمين العام. في المحصلة، يقع الخوف الأكبر من طرف ثالث، يسعى لتبخيس أهمية المعركة، أو حتى النصر إن تحقّق، باعلانه قبل أوانه. وكي لا نلدغ من الجحر مرتين، فإنّ الحديث عن كل ما يخص المعركة يرتد بشكل عكسي عليها، كما أن نفي أي خبر أصعب بكثير من نشره. في حين تعتبر الحرب الآن هي إعلامية بامتياز. وان لم نكن أهلًا لها، سنكبد المقاومة التي نحبّ خسائر أكبر نحن بالغنى عنها.

سلاب نيوز - إيمان بشير