دام برس :

كتب عصام سلامة في سلاب نيوز.. يقلب التاريخ صفحاته وينهي عقودًا من الزمن، ويتخيل البعض أنهم أمام مرحلة جديدة لا شان لها بما سبق، غير أن الواقع يظل دومًا شديد الصلة بجذور الماضي، يستمد منها ويضيف إليها، وهكذا هو حال فلسطين. واقع ممتد عبر تاريخ مضى، ويتتابع باستمرار الزمن، فلسطين الجغرافية هي تلك الأرض العربية الواقعة من الماء إلى الماء، لكن فلسطين النضال والمقاومة هي كل مكان يحمل بين حبات رماله رائحة عرق فلسطيني يتشبث بحقه في الوطن، هي كل ارض يرفع عليها العلم الفلسطيني، هي مخيمات هنا وهناك تحافظ حتى الآن على التراث، وتربي أبناءها على الإيمان بحق العودة والثأر.
اليرموك هو ذلك المخيم الذي ينتمي إلى الواقع العربي الفلسطيني المعاصر، وكما كتبت بعض القرى العربية عبر عقود اسمها بحروف من ذهب في تاريخ الشعب العربي ونضاله ضد الحركة الصهيونية، كـ"دير ياسين" و"صبرا وشاتيلا" و"قانا"، و"بحر البحر" التي تأتي ذكراها هذه الأيام، يأتينا مخيم اليرموك لينضم إلى تاريخ النضال، غير أنّ واقعه اليوم يختلف في بعض التفاصيل، فالسلاح الموجة ضد اليرموك ليس بيد الصهاينة، إنما قاموا باستئجار يد عربية فلسطينية، تصاحبها أيادي مرتزقة جاءت من كل حدب وصوب، ليتوجه بأيديهم السلاح الصهيوني ضد أبناء اليرموك، في تصفية واضحة، لجعله مرتكز يمكنهم من استهداف دمشق الصامدة في وجه المؤامرة الصهيوامريكية منذ أكثر من أربع سنوات.
حينما يستمع الكثيرون إلى كلمة "مخيم"، تقفز إلى مخيلتهم مشاهد خيم الإيواء والأسلاك الشائكة ودورات المياه المشتركة، وهي صورة أبعد ما تكون عن اليرموك، فهو بحق حي شعبي كغيره من أحياء أمتنا العربية، حي عريق بشوارعه وحاراته، منازله ومرافقه الكاملة، لا يقطنه اللاجئون الفلسطينيون فقط، بل يشاركهم سوريون، اغلبهم انصهروا في علاقات أسرية، فصاروا مزيجًا واحدًا.
مع بداية تنفيذ المؤامرة على الأرض السورية، قررت الفصائل الفلسطينية المقاومة باليرموك تجنيبه الأزمة، ودعوا إلى ترك الشأن السوري الداخلي وعدم الخوض فيه، وهو ما لم يتفق وهوى حركة "المقاومة الإسلامية - حماس" التي دعمت وتدعم بعض العصابات المسلحة في سوريا، ونفذت بيدها عدة جرائم بالمخيم، سقط على إثرها الشهداء، وهو ما دعا الفصائل الفلسطينية المقاومة كـ"فتح الانتفاضة" و"الجبهة الشعبية – القيادة العامة"، إلى تشكيل لجان شعبية لحماية المخيم.
وظل اليرموك طيلة شهور مضت عرضةً لقصف مدافع الهاون التابعة للميليشيات المسلحة لإجبار قاطنيه على تركه والانسحاب منه، أو إقحامهم في الأزمة والتضليل بالقول إنّ "الجيش العربي السوري يقتل اللاجئين"، وهو قول فشل في النفاذ إلى العقول.
ومع الخسائر التي كان يتلقاها تنظيم "أكناف بيت المقدس" التابع لحركة حماس باليرموك، وقرب إنهاء الأزمة بالمخيم، قرر من بيدهم أوراق المؤامرة إشعال الأمر بقوة، فتوحد وتحالف المتآمران "جبهة النصرة" و"داعش"، وفي الوقت الذي يقتل بعضهم بعضًا في حلب، وضعوا أيديهم سويًا لضرب اليرموك. وصار المخيم الذي لا يبتعد عن مركز العاصمة دمشق أكثر من 10 كيلومترات، ساحة حرب مشتعلة، تتصارع فيها ميليشيات مسلحة من اجل فرض السيطرة، معركة تقطع الرؤوس ويخترق فيها الرصاص الجسد والحجر.
كان اليرموك يضم قرابة 160 ألف شخص، نزح غالبيتهم وتبقى منهم اليوم بالمخيم 18 ألف جميعهم عرضة لمخاطر القتل، حيث أصبحوا دروعًا بشرية لآكلي لحوم البشر الذين أراحوا الصهاينة عناء الحرب وقاتلوا بدلًا عنهم. اليرموك ليس فقط مخيم للاجئين الفلسطينيين أو حي سوري يمثل رمزًا للصمود، فقد يصير اليرموك نقطة ارتكاز تتوجه من خلالها الضربات لقلب دمشق، لم يعد الآن حديث المصالحة هو المقبول بل صار السلاح العربي السوري إلى جوار سلاح المقاومة الفلسطينية هو المطلوب في مواجهة الأزمة التي يتعرض لها المخيم.
المجازر التي ترتكب اليوم في المخيم تتحمل وزرها فصائل فلسطينية خانت عروبتها وصارت خدمًا للصهاينة، والحل اليوم في يد فصائل فلسطينية أخرى لا تزال محافظة على العهد تقف جنبًا إلى جنب بجوار الجيش العربي السوري، وبالنهاية سيبقى اليرموك شاهدًا على نضال الشرفاء وخيانة المتصهينة أفعالهم.