دام برس:
لم تكن توقعاتنا بخصوص سير المعارك في سورية وخصوصاً في حلب وحماه وريف دمشق خارجة عن محاكاة لتفاصيل الوقائع الميدانية وموازين القوى التي تحكم الصراع المسلّح بين الجيش العربي السوري والجماعات المسلحة، وها هي التحليلات التي تابعنا من خلالها سير هذه المعارك تصل الى النتائج المتوقعة منذ أشهر رغم أنها لم تصل بعد الى نهاياتها.
إنّ الوصول الى توقعاتٍ ما يجب أن ترتبط بقواعد التحليل العلمي وعلى رأسها المقاربة الملموسة للواقع الملموس وتحييد المشاعر والأهواء والموقف السياسي، والإنطلاق من قاعدة ثابتة هي توصيف الميدان كما هو لا كما يحلو للبعض توصيفه.
فمدينة مورك التي كانت تشكّل بوجه الجيش السوري أحد أهم العقد كان لا بدّ من تخطيها عبر سلسلة من العمليات بدأت منذ شهرٍ تقريباً بقيادة العقيد سهيل الحسن، الذي استطاع مع وحدة المهام الخاصة التي يقودها أن يقلب خارطة السيطرة رأساً على عقب وبشكلٍ دراماتيكي اتّصف بالسرعة والحزم بمواجهة أفضل الجماعات المسلّحة تدريباً وتسليحاً، ومن بينها حركة حزم التي تعوّل عليها الولايات المتّحدة الأميركية كثيراً كنموذج تطمح أن تعمّمه على فصائل الجماعات المسلحة بحسب الإستراتيجية الأميركية.
وعلى طريقته في استخدام عاملي المناورة والمباغتة، استطاع العقيد سهيل الحسن إيهام الجماعات المسلحة أنّ الجهد الرئيسي لاتّجاه الهجوم سيكون اللطامنة، وقام في هذا السياق بأكثر من عملية تحشيد على قطاعات وإتجاهات أخرى توحي بأنّ وجهته لن تكون مورك، في حين أنّه فاجأ الجماعات المسلحة بهجوم مباغت ومفاجئ سبقه تمهيد ناري كثيف طيلة الايام الثلاثة الماضية على ما تبقى من جبهة ريف حماه بيد الجماعات المسلّحة بما فيها مدينة مورك.
مع تحرير مورك أسقط الجيش السوري رمزاً للجماعات المسلحة التي ستكون معنوياتها في الحضيض بعد هذا الإنجاز للجيش، ما سيساهم في تحرير ما تبقى من ريف حماه بيد الجماعات المسلحة بيسرٍ وسهولة.
ما بعد تحرير مورك لن يكون كما قبلها، فالإندفاع باتجاه خان شيخون فمعرّة النعمان لفك الحصار عن معسكري الحامدية ووادي الضيف صار على السكة، وهو مسألة وقت لا أكثر مرتبطة بالتحضيرات الضرورية للمعركة اللاحقة.
في سياقٍ آخر وفي نفس الوقت الذي تعمل وحدة المهام الخاصة في ريف حماه، كان واضحاً لمن يدرك طبيعة خطوط الإمداد الى مدينة حلب أنّ أي إنتصارات تحققها الجماعات المسلحة في ريف حماه سيؤدي الى قطع خط الإمداد عن مدينة حلب من جديد ويضعها في الحصار مجدّداً.
ومن هنا الترابط الوثيق بين الجبهتين الذي استدعى عودة مؤقتة للعقيد النمر الى جبهة ريف حماه، وأعني بالعودة المؤقتة أنّ عودته الى حلب ستكون عبر الطريق الرئيسي الذي يربط حماه بحلب ولم يعد أمامه الكثير ليحقّقه.
وإذا كانت وجهة النمر معسكري وادي الضيف والحامدية فيمكن لحاميتي هذين المعسكرين في المرحلة القادمة وربطاً بالتطورات الميدانية أن تكونا بمثابة حصان طروادة في قلب منطقة الجماعات المسلحة، والإنتقال في مرحلة محدّدة من الدفاع الى الهجوم لملاقاة وحدات الجيش السوري المندفعة نحو الشمال.
ولارتباط جبهتي حلب وريف حماه ببعضهما فإنّ ما يجري من تقدّم لوحدات الجيش السوري يلاقي تقدّم وحداته في ريف حماه، حيث استطاعت وحدات الجيش السوري على مدى الأيام الفائتة أن تحرز تقدماً نوعياً وهامّاً على جبهة سيفات حندرات، وتوسيع نطاق المساحة الجغرافية المسيطر عليها بجوار سجن حلب المركزي نحو قرية الجبيلة والمنطقة الحرة وكتيبة حفظ النظام.
في جبهة ريف حلب الشرقي الشمالي لم يعد يفصل وحدات الجيش السوري عن نبل والزهراء المحاصرتين الا القليل من القرى.
الطريق الأقصر الى نبل والزهراء سيكون من سيفات الى باشكوي فرتيان وبيانون لتصبح وحدات الجيش على تماس مباشر مع نبل والزهراء، إلّا أنّ هذا الممرّ يجب أن يرتبط بمساحات مناورة وأمان بإتجاه الشمال والجنوب من خط سير الجيش السوري، وهنا تأتي عملية استكمال الطوق على الجماعات المسلحة في الأحياء الشرقية عبر قطع طريق الكاستيلو بشكل نهائي والتقدم نحو دوار الليرمون وصالات الليرمون لإجبار مسلحي كفرحمرة على التراجع.
بالتأكيد أنّ هذا التوصيف سيكون السيناريو الذي سنشهده في الأيام القادمة والذي لا يمكن لأحد توقع المدّة الزمنية اللازمة لتنفيذه، ولكنه صار الحقيقة القادمة لإرتباط الأمر بطبيعة المعارك وعوامل التأثير في سير المعارك حيث تزداد وحدات الجيش السورية قدرةً في التخطيط والإمساك بالمبادرة في ظلّ غرفة عمليات موحّدة ومعطيات إستخباراتية متصاعدة، بينما تخضع الجماعات المسلحة لظروف صعبة تزيد تعقيداً كل يوم لناحية عدم ترابط فصائلها وجو التناحر الدائم وعدم انتظام هذه الجماعات تحت قيادة موحّدة رغم وجود العديد من غرف العمليات التي أنشأها حلفاء هذه الجماعات من الاتراك والقطريين والسعوديين ومعهم أميركا، بهدف توحيد الجهد والإمكانيات، وهو الأمر الذي لم يتحقق ولا يبدو أنه قابل للتحقّق.
ختاماً: سنشهد في الأيام القادمة المزيد من التطورات عبر تسارع الخطوات الميدانية للجيش السوري في موازاة تراجع جدي وجذري للجماعات المسلّحة التي ستحاول كما هي العادة التعويض عن هزائمها في الميدان بمزيد من "الصحافيات" على مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام الداعمة لها.
الى خان شيخون ستشد وحدات الجيش السوري الرحال من مورك المحرّرة، والى نبل والزهراء ستكمل وحدات النمر طريقها لتحكم قبضتها على كامل أرياف حلب وإدلب في نهاية المعركة التي أصبحت معالمها ترتسم أمامنا.
سلاب نيوز