دام برس:
قناة السويس ممر مائي بالغ الأهمية الاستراتيجية (ثاني أهم ممر استراتيجي بالعالم بعد قناة بنما) تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، بدأ حفر القناة عام 1859، واستمر عشر سنوات حيث قضى عشرات آلاف العمال المصريين نحبهم في هذه الفترة، تم افتتاح قناة السويس عام 1869 في عهد الخديوي اسماعيل، يبلغ طول القناة 193,30 كم ومتوسط عرضها 205 أمتار وعمقها 25 متراً.
أعطى افتتاح قناة السويس مصر أهمية استراتيجية كبيرة أثناء الصراع بين فرنسا وبريطانيا في حقبة الاستعمار المباشر، وخاض الجانبان عدة معارك للسيطرة على مصر بسبب هذه القناة كانت الغلبة فيها لبريطانيا، في العام 1956 أقدم الرئيس جمال عبد الناصر على تأميم قناة السويس مما تسبب بالعدوان الثلاثي على مصر وفي العام 1967 أغلقت القناة بسبب حرب حزيران ليعاد فتحها في العاشر من حزيران 1975 عندما عبر الرئيس المصري الأسبق القناة على متن مدمرة مصرية مدشناً بذلك عملية الافتتاح، في العام 2014 أعلن الرئيس المصري محمود السيسي عن بدء العمل لفتح قناة سويس جديدة بأموال مصرية وخبرات مصرية صرف.
أولاً: دوافع مصر لفتح قناة سويس جديدة:

داخلياً: تحتاج القيادة المصرية الجديدة لتحقيق انجاز على الصعيد الوطني المصري تتفاخر به أمام الرأي العام المصري و العالمي، كما أنها بحاجة لتأمين موارد مالية جديدة و إضافية تعد ضرورية لعملية التنمية، و من المتوقع أن تدر قناة السويس الجديدة ما يزيد على مائة مليار دولار سنوياً، كما سيؤمن المشروع فرص عمل مهمة جداً للمصريين الذين تعاني أعداد كبيرة منهم من البطالة.
خارجياً: ترغب مصر بتعزيز دورها على الساحتين الدولية والإقليمية فعبر فتح هذا الممر المائي الحيوي ستتعزز السيطرة المصرية على الممرات المائية الاستراتيجية، و على خطوط نقل الطاقة، وبالتالي ستكون أكثر قدرة على التحكم بحركة الملاحة التجارية و العسكرية بين البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر فالمحيط الهندي، وستعزز هذه المعطيات من مكانة مصر على الساحتين الدولية والإقليمية، كما سيتم تدعيم موقف القيادة المصرية في حربها على الإرهاب من أجل ضمان أمن وسلامة الملاحة الدولية عبر قناة السويس التي سبق أن هددت الجماعات الإرهابية باستهدافها.
تداعيات المشروع الجديد:
من المتوقع أن تكون للمشروع التداعيات التالية:
1. سترتفع وتيرة الصراع على مصر، بسبب ازدياد تحكمها بخطوط النقل البحري الاستراتيجية التجارية والعسكرية.
2. ستحتاج مصر لقدرات عسكرية كبيرة من أجل الاستمرار في ضمان أمن الممرات المائية الحيوية.
3. سيقود هذا المشروع، في حال انجازه, إلى تدفق استثمارات كبيرة إلى مصر.
4. الممرات المائية الاستراتيجية وإن كانت تخضع للسلطة الوطنية كما هو حال القناة لكنها ترتبط بمصالح القوى العظمى وتؤثر عليها وبالتالي فإن هذه القوى لن تتردد في التدخل عندما تتعرض مصالحها للتهديد، أي أن المشروع بقدر ما هو فرصة فإنه يشكل تهديداً من نوع ما للقرار المصري المستقل والأمن القومي المصري ومن المرجح أن تتصاعد الضغوط على القيادة المصرية والتدخلات الخارجية بالشأن الداخلي المصري بسبب افتتاح قناة سويس جديدة.
5. اقتصاديا ستصبح مصر دولة رائدة على مستوى الشرق الأوسط في مجال المشاريع الكبيرة، كما أن هذا المشروع قد يفتح باباً لسباق من نوع جديد في المنطقة على صعيد الخدمات الدولية العامة، فقد تسرع إسرائيل من خططها الرامية لربط البحر الميت بقناة مع البحر الأحمر.
الاستنتاجات:
مما سبق عرضه نتوصل إلى الاستنتاجات التالية:
1. القيمة الاستراتيجية للقناة الجديدة لا تقل عن تلك التي كانت عام 1869 عندما تم افتتاح قناة السويس الأولى، فأهمية موقع العالم العربي و مصر تحديداً، ستعزز مع افتتاح هذه القناة.
2. ستختلف خارطة التحالفات الجيوسياسية المصرية إقليمياً و دولياً بسبب القناة، مصر لن تكون حليفاً قريباً للولايات المتحدة، لكنها لن تبتعد عنها و بنفس الوقت سوف تتعزز علاقاتها مع القوى الصاعدة كالصين التي تعطي أولوية لعلاقاتها الأفريقية وروسيا التي ترى في الشرق الأوسط منطقة حيوية تؤثر على أمنها القومي.
3. مع افتتاح هذه القناة ستختفي أي فرصة لدخول مصر في حرب مع إسرائيل، لأن قرار الحرب سيكون دولياً.
4. بالنسبة لسورية ستقترب مصر أكثر من السعودية بسبب حاجتها للاستثمارات التكميلية المرتبطة بالمشروع، وبالتالي فإن مواقف مصر ستكون منسجمة مع الرغبات السعودية ومن المرجح أن يستمر الموقف المصري رمادياً من سورية لفترة ليست بالقصيرة مع ملاحظة أن مصر بقيادتها الراهنة لن تأخذ مواقف علنية معادية لسورية لاعتبارات شعبية واستراتيجية لكنها لن تناكف السعودية مطلقاً في هذا السياق، وستكون أقرب إلى الموقف السعودي.

إعداد: د. طالب إبراهيم