دام برس :

الا يبدو الزمن في المنطقة، في هذه المنطقة فقط، وهو يعود القهقرى على ظهور الابل الى ما قبل، ما قبل، ما قبل، الجاهلية؟
ابو بكر البغدادي خليفة على المسلمين. احد رجال الدين في ريف ادلب اقسم انه سمع بأذنيه، اجل بأذنيه، وهكذا قال، بالصوت الآتي من قاع اللغة، لا من اقاصي اللغة كما في اللعبة الشعرية، زغردات الملائكة.
في هذه اللحظة ترانا نسأل ماذا حدث لله. على الاقل ماذا حدث للملائكة حين تزغرد لهولاكو؟
تابعوا ادبيات «الدولة الاسلامية». هكذا بات اسم التنظيم الذي اعاد وصل ما انقطع منذ نحو مائة عام حين سقطت خلافة بني عثمان. ولعلنا نستعيد ما قاله لنا الأمام محمد مهدي شمس الدين، ونشر ذلك في حينه، من ان اكبر نكبة ابتلي بها المسلمون هي سقوط السلطة العثمانية.
الآن تقول ادبيات الدولة ان جيشها من مليون مقاتل لم يأتوا فقط من سهوب القوقاز او من ادغال القارة السمراء بل من داخل نيويورك ولندن وباريس. لا ندري لماذا لم يقل احد المدونين (ابو حفصة الحارثي) ان ثمة مقاتلين اتوا من البيفرلي هيلز او من الكوت دازور وصولاً الى لاس فيغاس.
اذاً، هي خلافة كونية، وحدودها حدود الكرة الارضية. هذا على المستوى الافقي. عمودياً، تلامس حدود الخلافة السماء اذ ان كل من يناصبها العداء انما هو زنديق ويقام عليه الحد. ديفيد هيرست تحدث عن «الساطور المقدس». كيف يستطيع هذا الطراز من البشر ان يتفاعل مع الاعتدة الحديثة والمركبات الحديثة واجهزة الاتصال المتطورة جداً والتي لا تترك مجالاً للشك في ان دولة ما زودتهم بها.
عملياً، وكما كان يتوقع ان يحدث في الاندلس. وكتبنا عن ذلك السيناريو في وقت سابق. يهودي خليفة على المسلمين. اذ نظرنا الى الخريطة وهي تتزعزع، هل يساورنا الشك في ان بنيامين نتنياهو الذي دعم قيام دولة كردستان هو من سيكون خليفة على المسلمين؟
الآن الاحداث كلها تصب في مصلحة اسرئيل. الآن؟ عادة نحن نهين ظرف الزمان مثلما نهين الزمان. منذ مائة عام، بل منذ الف عام، والعرب يعملون لمصلحة اسرائيل. هل قرأتم بيانات جامعة الدول العربية حول العراق؟ نحن عشاق اللغة العربية، من النابغة الذبياني وحتى نزار قباني نقول ان العرب اوكلوا هذه اللغة الى الديناصورات ...
اذاً، كيف يمكننا ان نتعاطى مع تصريحات المسؤولين في وزارة الدفاع العراقية حول طائرات السوخوي الخمس التي ستغيّر موازين القوى على الارض. نعلم الكثير عن الدونكيشوتية اللغوية التي يلجأ اليها اهل الحكم في بغداد. حين قصفت الطائرات الاسرائيلية المجمع النووي قرب بغداد في 7 حزيران 1981، قالت الاذاعة العراقية «كما لو انهم لا يدرون ان مفاعل ديمونا في متناول طائرتنا». ثمة طائرات من الورق واغارت على المفاعل.
هذا ليس كلام مسؤولين ولا كلام رجال دولة. انه كلام لا يتفوه به حتى شيوخ العشائر. الواقع على الارض لم يعد عسكريا فحسب. انه معقد اكثر بكثير مما يتصور الذين كادوا يرقصون جذلاً داخل المنطقة الخضراء، وهي اشبه ما تكون بأرخبيل الغولاغ (هنا الأرخبيل بخمسة نجوم)، فكيف لخمس طائرات ايها السادة العراقيون، وهي طائرات هرمة صنعت منذ 36 عاماً وان تم تزويدها بأجهزة حديثة، ان تزيل «داعش» من الخريطة؟
طائرات روسية. اين هي الطائرات الاميركية التي تحدث عنها المالكي بعدما فوجئ بان جيشه الذي مثل جيش صدام حسين, تساقط كما اوراق الخريف امام ذلك الهواء الاصفر؟ وهل يعتقد رئيس وزراء العراق ان الاستخبارات الاميركية لم تزرع اجهزة تنصت حتى تحت ثياب ابي بكر البغدادي وانها لم تكن تدري بكل خطوة يقوم بها؟
عادة يحاول الاميركيون بناء واقع معين فينشأ واقع آخر. حدث هذا في كل مكان. من زمان، وتحديداً منذ ايام رونالد ريغان، والمخططون يعتبرون ان خارطة المنطقة شاخت كثيراً، وانه لا بد من اعادة النظر فيها. دانييل بايبس الذي لا «يطيق» العرب في حال من الاحوال هو من قال ان وكالة الاستخبارات المركزية التي لا تزال على خطى آلان دالاس، شقيق جون فوستر دالاس وزير الخارجية في عهد الرئيس داويت ايزنهاور، هي التي ابتدعت تلك الايديولوجيات المجنونة.
قد ينتفع الكل من هذا الوضع باستثناء العرب الذين دفعوا المليارات من اجل ان تتحطم سوريا ومن اجل ان يتحطم العراق. لم يكونوا يتصورون ان ابا بكر البغدادي اكثر من دمية محشوة بالـ«تي.ان.تي»، وهو كذلك فعلاً ولكن دمية بيد من؟
اذاً، السوخوي تلاعب ذئاب الصحراء الذين اعدموا ثمانية من الاسلاميين وابقوا جثثهم معلقة على الخشبة لمدة ثلاثة ايام اجلالاً لشهر رمضان، والذين قالوا في بيان البيعة «وقد كسرت الصلبان وهدمت القبور».
ولكن هل تستخدم السوخوي لضرب البيشمركة اذا ما تمنعت، وهي ستمتنع حتماً، عن مغادرة كركوك؟ يفاخر احد المواقع الكردية بأن القاذفات الخمس لا تحتاج سوى الى خمسة صواريخ من صنع اسرائيل بطبيعة الحال، ثم يسخر من «جيش الفاست فود» الذي تم بناؤه على عجل. هذه المرة لن يتهاوى على عجل، لكنها الحرب الغامضة التي لا يعرف احد من هم صانعوها ومن هم ابطالها ومن هم الضالعون فيها وما هو الغرض منها؟
بعد كل الذي جرى ويجري، هل من الممكن القول ان اللحظة المغولية خرجت من التاريخ وتعود الى التاريخ؟ حتى العشوائية في المنطقة مبرمجة. البحث جار عن ضحية اخرى. الحدود لا تسقط مرة واحدة. تسقط ثم تسقط ثم تسقط..!.

الديار