دام برس :

باتت كفّة التسويات “الكفة الراجحة” في ميزان الحرب السورية لإنهاء حالات تمرّد ومظاهر عسكرية وقاعدة وجود مـا في منطقة مـا، لمعارضة مـا، حيث باتت القيادة السورية من أعلى المراكز تعمل بجهد على إنجاز مصالحات وتسويات في مناطق ساخنة ومشتعلة لإبعاد شبح الدمار والحرب عنها، وتسليم المناطق مُجدّداً للدولة في أقل خسائر ممكنة.

نهج معتمد لدى القيادة السورية التي وضعت له هيكلية تبدأ من رأس وزارة المصالحة الوطنية وصولاً للجان في الميدان، التي تعمل على إيجاد الارضية الخصبة لها، ومن ثم العمل على إبرامها عبر السبل السلمية والتفاوض المباشر أو غير المباشر عبر وسطاء مع المسلحين بالتنسيق مع الجيش، يكون التمهيد في ذلك من الجيش السوري الذي يُطبق على المناطق حصاراً فارضاً عليها الانصياع لطلبات التسوية بحنكة مبتكرة.

سياسة “العصا والجزرة” هذه تلاقي نجاحاً تلو الاخر من مناطق وأحياء دمشق إمتداداً نحو الريف كحمص وغيرها تكلّلت المصالحات نجاحاً أدى لتسليم ومناطق وإخراجها من عنق زجاجة المعارك. النجاحات هذه تُبّرر لمن يعمل في حقل التسويات أن يتجه لانجاز أخرى إضافية في مناطق تعتبر ساخنة، ذلك لانهاء حالة الحرب فيها وإيجاد جواً من السلام بين السوريين بعيداً عن الحرب التي يعانون منها للعام الرابع.

البوصلة بعد حمص تتفرّع في عدّة إتجاهات، إتجاه لحلحلة وضع حي “الوعر” الذي يعتبر من أكبر أحياء حمص، الوحيد الباقي بيد المسلحين، إتجاه آخر نحو “القلمون” مع إستمرار العمل على بنود مصالحة وتسوية “الزبداني”، إتجاه آخر لانهاء العمل على مصالحة “اليرموك” و “الحجر الاسود” جنوب العاصمة، لكن الأهم حالياً هو ما يتم تحضيره من تسويات وإتفاقيات في مناطق “الغوطة الشرقية” المشتعلة، خصوصاً الجزء الشمالي منها تحديداً “دوما”.

“دومـا” تعتبر الباب الذي يُفتح لهذه التسويات في سائر مناطق الغوطة الشرقية، خصوصاً “كفر بطنا، سقبا، حرستا” وحتى نحو حي “جوبر” و مدينة “داريا” مع إنسداد الأفق العسكري للمعارضة، كما صعوبة تحقيق التطهير العسكري الكامل لهذه المناطق من قبل الجيش السوري. الجميع لا يريد بل يبتعد عن الخسائر الضخمة في هذه المناطق، والدخول في غمار حرب شوارع واسعة، لها ما لها من أثمان، خصوصاً الجغرافية العسكرية التي تتمتّع بها هذه المناطق التي تجعل من العمل العسكري، عملاً صعباً، ربما يُدخل العسكر بنزاع يمتد لسنوات، على غرار “جوبر وداريا” اللذان يشهدا معارك منذ أكثر من عام.

بالعودة إلى سياق التسويات، تفيد مصادر “الحدث نيوز” من العاصمة السورية، انّ العمل جارِ حالياً على تحضير مشارع تسوية ومصالحة في مناطق الغوطة الشرقية، على رأسها “دوما”، حيث تكشف المصادر عن وجود إتصالات بين لجنة مصالحة تمّ تشكيلها، وبين قيادات من ميليشيات المعارضة المسلحة، تمهيداً لخلق الجو المناسب للجلوس على طاولة واحدة والتفاوض حول النقاط.

الحدث نيوز

لا تخفِ هذه المصادر صعوبة الأمر في منطقة مثل الغوطة الشرقية، لكنها لا ترمي التفاؤل برصاصة رحمة، هي تعوّل على العقلاء في “دوما” وغيرها من اللذين يفضلون الجنوح للسلم دون تعريض الحجر والبشر لحرب لا يعمل أحد كيفية نهايتها، حيث تأخذ تفاؤلها هذا من ما وصل إليه الأمر في أحياء “برزة” و “القابون”، كما “يبيلا” وغيرها من مناطق ريف دمشق وصولاً لأحياء حمص القديمة.

يقول المصدر انّ “الارادة موجودة لدى بعض قادة الجماعات المسلحة، التعويل اليوم على إقناع الجزء الباقي”، هنا لا ينهي اسهم المعركة العسكرية التي تبقى موجودة وفي إرتفاع بحال عدم وصول الأمر إلى خواتم سعيدة، لكن الهدف دوماً ليس القتال بل إستعادة المناطق إلى كنف الدولة وإنهاء حالات التمرّد.

الأيام القادمة كفيلة بإيضاح الصورة أكثر في مناطق شمال الغوطة الشرقية لدمشق، وكفيلة بإيضاح الصورة أكثر في المناطق التي توجد فيها أرضية مصالحة يتم العمل عليها لإنضاجها. الحروب كما تثبت التجارب أنها لا تنتهي دوماً بالحروب، بل تنتهي بالمفاوضات والصفقات والتنازلات وصولاً للابرام إتفاقيات ومعاهدات، وهذا ما يثبته التاريخ دوماً.