دام برس :

لم تتحمل الدول الداعمة للمجموعات المسلحة خسارتها في القلمون في ريف دمشق، وفقدانها أهم المعابر الحدودية غير الشرعية مع عرسال اللبنانية، حتى بدأت بفتح جبهات متعددة على امتداد الخريطة السورية.

تلك الدول بدأت حربها بـ"بروبغندا" إعلامية تسوّق فيها لمعركة جنوبي سورية، إلّا أن المعركة الحقيقة كانت في الشمال، حيث بدأت تلك المجموعات باقتحام بلدة كسب في شمالي اللاذقية، وبإسناد ناري تركي، ومن ثم فتحت معركة هي الاعنف في حلب.

وحظيت المعارك الدائرة في ريف اللاذقية الشمالي، بالاضافة الى المعارك الدائرة في عدة محاور في حلب وريفها، بدعم ومساندة عسكرية تركية، تمثل ذلك بقدرة المجموعات المسلحة وأغلبها من الشيشان، على التنقل في عدة جبهات في آن واحد، وحتى الاسلوب الذي تمّ فيه اقتحام بلدة كسب، مشابه تماماً للهجوم الذي شن في منطقة الزهراء غربي حلب. لكن الهدف الاهم والابرز من ذلك التصعيد العسكري، والذي تشهده بالذات مناطق الشمال السوري، كان اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية، لما تشكله حلب واللاذقية من ثقلٍ في الانتخابات المرتقبة.

هذا الاستحقاق دفع بعض الدول الاقليمية والدول صاحبة القرار السياسي، إلى محاولة إرباك الواقع السياسي السوري، من خلال محاولة تعطيل تلك الانتخابات، كون حلب تعتبر من أهم المناطق ذات الثقل في أصوات الناخبين، والتي من شأن أي توتر عسكري فيها ان يعطل الانتخابات الرئاسية القادمة، ما يعني فقدان عدد من الاصوات، يضاف الى ذلك محاولة المجموعات المسلحة إعادة جبهة ريف اللاذقية الشمالي الى واجهة الأحداث ما سيؤثر على معنويات المواطنين في المدن الساحلية وتحديداً اللاذقية، التي تعتبر المدينة الثالثة في سورية اقتصادياً واجتماعياً.

لم تبتعد الحرب التي تشنها تركيا والولايات المتحدة الامريكية في مناطق مختلفة من حلب، عن القرار الامريكي بتعطيل الانتخابات، من خلال ما يسمى شلّ الاقتصاد السوري، كون حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد، وسقوطها بيد المجموعات المسلحة سيشكل عامل قوة في يدها، من جهة تعطيل الانتخابات والسيطرة على ثاني أكبر مدن سورية، والتي ما انفك ما يسمى بالائتلاف الوطني بتسميتها عاصمة مؤقتة لما يسميه حكومته المؤقتة، إلّا أن الجيش السوري كان له رأي آخر في كل ما يخطط لمدينة حلب وريف اللاذقية، حيث تصدى لمحاولة تسلّل مسلحين من منطقة الليرمون وهي أول مدخل حلب عبر نفق معد أصلاً للصرف الصحي، يصل صالات الليرمون بساحة النعناعي، الواقعة في منطقة المالية، حيث خرج المتسلّلون في ساحة المالية، محاولين الدخول الى مبنى المخابرات الجوية، الذي يعتبر القلعة الحصينة والسور المنيع أمام المجموعات المسلحة التي تحاول إخضاع حلب بالكامل لسيطرتها.. لم تمضِ ساعات حتى استعاد الجيش السوري زمام المبادرة في مناطق مختلفة من حلب ومحيطها، بعد أن تمكن من السيطرة على كتلتين من الأبنية بالقرب من ساحة النعناعي، وعلى مبنيي الهلال الأحمر والخدمات، فيما قتل عدد كبير من المهاجمين كان أبرزهم محمد الطشقندي القوقازي والمعروف بنائب الأمير العسكري لمعركة جبهة الجوية، حيث أصيب في رأسه ودخل في غيبوبة انتهت بمقتله.

فشل المجموعات المسلحة لم يقتصر على منطقة الزهراء، بل انسحب الى ثكنة هنانو، بعد محاولة المجموعات المسلحة الهجوم على الثكنة إثر تفجير ثلاثة أنفاق فخخ كل واحد منها بأكثر من 100 كيلوغرام من المتفجرات، وبدأ الهجوم من المحور الجنوبي الشرقي، الاشتباكات دارت لأكثر من عشر ساعات متواصلة، إلّا أن عناصر حماية الثكنة تصدت للهجوم الذي شنته مجموعات شيشانية، والتي حاولت شغل الجيش عن الهجوم على الثكنة، بإشعال فتيل الاشتباكات في جميع محاور القتال، فأمطرت أحياء الشيخ أبو بكر والعرقوب وميسلون والجابرية والحميدية والتليفون الهوائي والسيد علي والأشرفية ومساكن السبيل والزهراء والميدان بقذائف الهاون والصورايخ، ما أدى الى استشهاد 25 مدنياً وجرح أكثر من 150 آخرين.

على المحور الجنوبي وتحديداً في حي الراموسة، حاولت المجموعات المسلحة قطع الطريق الواصل من دمشق الى حلب عبر خناصر المار من منطقة الراموسة والتي كانت تسعى لقطع الشريان الاهم لتغذية مدينة حلب بالمحروقات والاداوية والمواد الغذائية بالاضافة الى تنقل المدنيين، إلّا أن وحدات الجيش السوري استعادت السيطرة بعد اشتباكات استمرت لأيام، نشر المسلحون خلالها بعض القناصين لتمرير عدد من المسلحي الآخرين، لكن الكمائن التي نفّذها الجيش السوري أوقعت المهاجمين بين قتيل وجريح ليصار الى استعادة وتنظيف طريق الراموسة بموازاة استمرار الاشتباكات في الاحياء الاخرى التي شهدت الهجمة الاشرس على حلب واهلها.