دام برس :

لم تعد معارك سوريا تشبه ما كان يحصل على مسافة السنوات الماضية من عمر الأزمة. تبدل المشهد ميدانياً. الجيش السوري درّب مجموعات على "حرب العصابات"، واستفاد من تجربة "حزب الله" في القتال والتكتيك غير الكلاسيكي. لكن الأهم بالنسبة إلى دمشق الآن هو استعادة الاستخبارات السورية لدورها ونجاحها في اختراق المجموعات المسلحة.
استطاعت الاستخبارات السورية توظيف أعداد من المقاتلين في صفوف "الجيش الحر" لخدمة خططها العسكرية.
في القلمون، نجح الجيش السوري وحلفاؤه في خرق الجبهات من يبرود الى فليطا نتيجة معلومات كانت تصل تباعاً لقيادة العمليات العسكرية عن تحركات المسلحين. رصدت دمشق حركة قياديي المجموعات بالتفصيل أحياناً، ولم تقتصر المعلومات حول أعداد المسلحين وانتماءاتهم وجنسياتهم، بل كانت تأتي المعلومات إلى الاستخبارات السورية عن الخطط وطبيعة المعارك وأماكن تواجد القياديين في "جبهة النصرة" و "الجيش الحر".
أنتجت هذه الطرق ما لا تحققه الجبهات المفتوحة، فعمّم الجيش السوري التجربة على مساحة المناطق السورية، ورصد المكافآت المالية.
في ريف دمشق تكررت محطات مشابهة، وعلى أساس المعلومات الاستخباراتية، نصب الجيش السوري كمائن في الغوطة وأسقط مسلحين قتلى أو ألقى القبض عليهم أحياء. كان آخر العمليات تلك في المليحة.
في حمص القديمة، كانت المجموعات في نهاية الأسبوع الماضي تفخخ عربة عسكرية في جورة الشياح لتفجيرها وفك الحصار عنهم. أراد المسلحون تكرار تجربة ريف اللاذقية لخرق الجيش السوري عبر عربة مفخخة يقودها انتحاري تحمل العلم السوري، ثم يتبع التفجير هجوم المسلحين على عناصر الجيش. بالتفصيل كانت تعرف الاستخبارات السورية ما يخطط له المسلحون، ومتى وكيف ومن يشارك في عملية التفخيخ. حدد الجيش ساعة الصفر نتيجة متابعة استخباراتية دقيقة واطلق صاروخا أصاب العربة  والعناصر المسلحة، فقتل قياديين كانوا متواجدين في المكان، وما ان تجمع مسلحون آخرون لمعرفة ما يجري حتى اطلق الجيش السوري صاروخاً آخراً فقتل عددا اضافياً من المسلحين.
لم تقتصر الامور هنا. يبدو ان الجيش السوري يحضر لمفاجآت على هذا الصعيد. الحديث يدور حول استعداد مسلحين لتقديم المعلومات الى الاستخبارات السورية في عدد من المناطق خصوصا في ريف دمشق وحلب.
أدرك الجيش السوري اهمية تلك المعلومات في نجاح عمليات موضعية قادرة على ضرب معنويات المسلحين وشل حركتهم. لم تكن الظروف تساعد الجيش السوري سابقاً على امتلاك المعلومات عن المقاتلين لأسباب عدة. لكن انغماس الأجانب في جبهات القتال حرض المسلح السوري على العودة الى كنف الدولة.
خلافات المجموعات وتنوع الانتماءات وفشل المعارضة وارباك المسلحين وصمود الجيش السوري وعدم صحة الرهان على العوامل الخارجية ساهمت جميعها في عودة المسلحين السوريين تدريجيا الى دولتهم. بعضهم يعود تحت عنوان "تسوية أوضاع"، و معظمهم تستخدمهم الاستخبارات السورية في العمل معها كمخبرين للدولة داخل صفوف المجموعات.
لم يعد المسلح السوري موثوقاً به لدى المقاتلين الأجانب. باتوا يشككون في أمرهم ويعلنون جهاراً ان هناك "خونة" سيحاسبون. لكن فات الآوان. هناك من يعتقد ان معركة حلب المرتقبة ستقوم على اساس المعلومات الاستخباراتية. لن تكون جبهة كلاسيكية مفتوحة، بل عمليات سريعة خاطفة. لم لا ؟! قد يخرج للقتال مع الجيش السوري مسلحون من داخل الاحياء التي تسيطر عليها المعارضة. اعداد كبيرة من ريف حلب كانت تنخرط في "الجيش الحر" تنسق سراً مع الجيش السوري للمساعدة في المعارك حين تُعلن ساعة الصفر.  شباب من منبج مثلا في ريف حلب يتواصلون بالمفرق مع الجيش السوري عبر موفدين يتحركون ما بين حلب وريفها. المواطنون السوريون تواقون لعودة مناطقهم الى الدولة.
بعض من مشايخ عشائر في المنطقة الشمالية كانوا قد أعلنوا عن انضمامهم الى المعارضة وسافروا ما بين اسطنبول والقاهرة، عادوا اليوم يتوسطون سراً للعودة الى صفوف "النظام"، وقد طلبوا من إعلامي لبناني كانت تربطهم به صداقة منذ الاشهر الاولى للازمة، ان ينقل رسالتهم الى مسؤولين سياسيين سوريين نافذين.

النشرة