دام برس - لجين اسماعيل :
شام يا ذا السيف لم يغب كلمات تغنّت بها فيروز و أطربت أجيالا ما زالت تردد هذه المفردات بكل شغف ، شامٌ تحمل بين ضلوعها تاريخَ ماضٍ ، شآم المجد و الثقافة و التراث الأصيل ، مواقع أثرية ، نقوش عربية قلاع ، و حصون و أسوار كلٌّ يترنّم بخصوصيته .
كل مدينة في ثناياها قصص و روايات ، تاريخ ثقافي حضاري اجتماعي و سياحي ، حضارة انتماء و هوية و مبادئ ، فسورية تغنّت بحضارتها على مر العصور ، و اليوم هي جبروت الأمل ، تنهض من كبوتها في وجه الألم ، بوجه الحرب التي قتلت الحجر و استنزفت الطاقات .
و انطلاقا من عبق الياسمين الدمشقي من دمشق عاصمة العروبة و متاحفها الملأى بالآثار ، و مواقعها الغنية بالتراث و أصالة المكنونات إلى شوارعها و أزقتها و أروقتها القديمة و القوس الروماني القديم .
و بالحديث عن القدم لا ننسى الأديرة و الكنائس المتفردة في تاريخها و أصالتها و حضارتها ، لكل بناء حكاية ، و كلما خطونا في سورية لمحنا ما يدل عمق الآثار فمن الداخل السوري و تدمر عروس الصحراء المدينة التاريخية إلى أوغاريت مدينة الحرف و الموسيقى و الحضارة ، و قلعة المرقب التي كانت تسميتها من إطلالتها كهيئة الحارس على البحار و التلال إنها مدن تحمل بين قلاعها و جبالها و طبيعتها ، بين صخورها قصص زمن مضى ، تتزّين بآثار كانت الجوهر الحقيقي لها و هذا ما جعلها بلد سياحة و استقبال للوفود السياحية .
إلا أن الحرب على سورية ، بلد الحضارات ، كانت موجهة إلى التراث العربي أرادوا طمس تلك الثقافة ، ظنّا منهم أن مثل هذه الأعمال تثني أصحاب الشأن عن مواكبة التطور ، لكن ما حصل على أرض الواقع أننا كنّا أقوى من الهجمات ، و أثبت المواطن السوري كلّ من موقعه تمسكه بهويته .
حيث أن المواقع الأثرية نقطة جذب للسياح ، لكن مع حلول الأزمة السورية شهدت حركة السياح نشاطاّ أقل ، ناهيكم عن أن الجماعات المسلحة قامت بدخول بعض المدن و دمرت و خرّبت ، و هنا يكمن دور وزارة السياحة بالتعاون مع الجهات المعنية و استنهاض الهمم لعودة سورية إلى وجهها المشرق، فالسياحة تشكل رافدا مهما في الاقتصاد السوري .
و قد كان دأب المعنيين في وزارة السياحة أن يحافظوا على اسم سورية ، عملوا بكافة الطاقات ليبرزوا الوجه الجميل لسورية رغم الحرب و المعاناة ، فكثير ممن كان لهم اهتمام بالسياحة و المواقع السياحية توقفوا عن مواكبة عملهم ، و آخرون امتنعوا عن القدوم لسورية لأن ما رسم في مخيلتهم عبر ما يرون أو يسمعون فاق الواقع و التوقعات ؛ فقد ترسّخت صور الحرب و الدمار في ذاكرتهم حتى اعتقدوا بأن تاريخ و حضارة سورية التي طالما اختالت به طوال العصور انمحت .
و من هنا جاء دور وزارة السياحة ليحدّثنا الأستاذ بسام بارسيك مدير الترويج في وزارة السياحة عن الأيادي البيضاء التي كان لها دورها في تنشيط السياحة داخليا من أجل توضيح وجهات النظر و إيصال الحقائق التي طالما غابت عن البعض جراء ما يحدث ، و مؤكّدا على الدور الذي تلعبه السياحة الخارجية لافتاً إلى ضرورة إحداث التوازن بين شقّي السياحة الداخلية و الخارجية و التي بدورها تساهم في دعم العملة السورية .
و قد ركّز على مشاريع السياحة الداخلية و التي كانت ضمن إطار تسليط الضوء على المواقع الأثرية و إيضاح ما تعرضت له من الدمار و الخراب فهناك الكثير من المنشآت و المواقع التي تمتلك مقومات سياحية إلا أنها مبهمة بالنسبة للبعض و هذا ما توضّح في مشروع " سورية تشرق من جديد " الذي تضمن أماكن عدّة من السويداء و صيدنايا إلى معلولا تلك المدينة التي تحنّ للخفقان .
كما أثنى على دور المغتربين الذين بدورهم كانوا ممثلين لسورية حضارة و تراثا في بلاد الاغتراب ،" فعالية يوم السياحة العالمي " نقطة تحوّل في المغترب عرضت مقومات السياحة السورية من أجل الإطلاع على جمالية تلك المواقع و ما لحق بها من أضرار و تخريب للتراث السوري وبيان حجمها إضافة إلى إيضاح أهمية سورية و الرسالة التي قدمتها للحضارة و التراث الإنسانية.
و قد لفت إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي و نشاط القائمين عليها و في هذا أكّد على الترويج و المواد الدعائية و الأفلام الإعلانية تشجيعاً للسياحة مشيراً إلى أهمية إيجاد المواءمة و الموازنة بين المواد الترويجية و الأسواق الجديدة بالتعاون مع الجهات المعنية ، حيث أن كل سوق يحمل خصوصية ثقافية تاريخية .
و عن الخطط التي وضعتها الوزارة كان إطلاق مسابقة أجمل قرية سياحية لعام 2015 ، إضافة إلى ورشة عمل للترويج السياحي بما تحمله من آراء تغني المسار الذي يتم العمل عليه ، كما أوضح أن الوزارة بصدد الخطوات النهائية لإطلاق مواقع الكترونية و ترويجية جديدة .
و أخيراً يأمل أن تتم عودة السياحة كأعمدة رئيسية من أعمدة الاقتصاد الوطني كما هو دورها في تحسين الدخل القومي والمتمثل بعودة الناس لممارسة السياحة كما كانوا سابقاً .
و عند الحديث عن السياحة فلا يمكننا أن نغفل تلك المنشآت السياحية في تلك المواقع الأثرية و التي تساهم إلى حد كبير في تقوية وتنشيط السياحة و بهذا لفتت مديرة المنشآت السياحية رامه الشيخ إلى أن عدد المشاريع في القطاع الخاص و التي دخلت الخدمة خلال سنوات الأزمة الأربع بلغ 344 مشروعاً بكلفة استثمارية تقريبية بلغت / 23،5 / مليار ليرة سورية تركزت بمعظمها في محافظات دمشق و ريف دمشق و اللاذقية و طرطوس و هذا إن دلّ على شيء فهو مشاعر الصمود و التحدي التي تحلّى بها المواطن السوري .
و أضافت بأن إقبال المستثمرين على ترخيص مشاريع جديدة فقد تركّز في محافظات دمشق و ريف دمشق و اللاذقية و طرطوس و السويداء بواقع / 134 / رخصة جديدة .
و بالرغم مما أصاب محافظتي حلب و حمص من دمار و استهداف لمنشآتها إلا أن الملفت عودة المستثمرين لترخيص مشاريع في تلك المحافظتين خلال عام 2014 .
و من جانبه الأستاذ غياث فراخ مدير المنشآت السياحية و بالحديث عن القطاع العام تحدّث أنه و منذ بداية الأزمة تم التعاقد على عدد من المشاريع السياحية في دمشق و ريف دمشق ، طرطوس ، اللاذقية و حلب بكلفة / 16,275,000,000 / ليرة سورية .
لكنه أوضح بأن بعض هذه المشاريع لم يدخل الاستثمار بسبب الظروف الأمنية و دخول بعضها في نطاق المناطق الساخنة ، لافتاً إلى الجانب الآخر الإيجابي حيث أن بعض تلك الاستثمارات حصل على التراخيص و تمّ البدء بأعمال التنفيذ الأولية .
و أخيرا يمكننا أن نؤكّد بأن سورية تعمر بسواعد أبنائها ، و أفكارهم و بما يحملونه من إيمان بنصر سورية ، فسورية أيقونة سلام و محبة ، حضارة و تراث ، تاريخ مجدٍ لا بد من الحفاظ عليه .
تصوير : تغريد محمد