دام برس – خاص :
سورية الحضارة و التراث ، سورية الصناعات و الإرث المتوارث للأجيال ، عبر عصورها و تنوع ساكنيها واختلاف اهتماماتهم وميولهم ، كان لها بصمتها و اسمها في الحياة المهنية والصناعية ..اشتهرت منذ الأزل بحرفها وصناعاتها التقليدية التي كانت حديث ذلك العصر وإلى اليوم ، سعى أصحابها عبر الزمن للحفاظ عليها وحمايتها من النسيان ، لأنها أصالة بلد و دلالة على عراقته .
في وقت سابق من الزمن كانت الأسواق تضجّ بتلك الحرف و المهن ، كنت إن وقفت لوهلة في ذلك السوق تشعر بالحيرة و التعجب مما تراه لكثرة انتشارها في تلك الفترة ناهيكم عن أن تلك الأسواق كانت متخصصة لحرف معينة و كان الصبية يتسابقون لتعلّمها و امتهانها ، بل و كانوا يتقونها بحرفية عالية .... كان للأطفال رغبة و حبّ للتعلّم .
لكن بالمقارنة مع تلك الأيام التي مضت و ربما لن تعود نرى هذه الأسواق قد انحسرت و تمركزت في أماكن أثرية لتكون مصدر جذب للسياح ، و لا ننسى المواطن السوري الذي يمثل الدعم الحقيقي لتلك الأماكن ، لكن و مع الأسف كانت الحركة و النشاط مقتضية على الزوار من الخارج ، بينما الزائر الداخلي لم يكترث يوما بتلك الصناعات إلا من كان له رغبة بذلك و طبعا بأعداد قليلة .
و من جانب آخر فإن دخول الآلات و التجهيزات الصناعية الحديثة إلى تراجع الاهتمام بالصناعات اليدوية التقليدية و الحيلولة دون استمرار الترويج لها و دعمها و قلة عدد عامليها لكن هذا لا يغفل دور أصحابها في استمرارهم في العمل و لو بأعداد قليلة ذلك في إطار بقاء تلك الصناعات و الحفاظ عليها من الضياع و الاندثار و النسيان لعلّ الأيام القادمة تحمل للأجيال حب الاهتمام و العودة للتراث السوري و العمل به و إحيائه من جديد .
فالمهن و الحرف اليدوية تاريخ عريق و أصيل يتحدّث عن نفسه ... و حكايات تُروى من أصحابها .... هي إرثٌ لا تزال الأجيال تتوارثه ، لكن يبقى السؤال أنه اليوم ومع عصر الآلات الحديثة ما واقع تلك الصناعات و ما الحال التي آلت إليها ؟؟,,, هل بقيت محافظة على طريقتها البسيطة في عصر دخلت فيه المعامل العصرية ؟ و هل ما زالت تشكل مصدر الدخل الذي تعتمد الكثير من الأسر التي ارتأت إلى توارث مهنة آبائها و أجدادها .
ففي ذلك الإرث الحضاري و التاريخي العريق التكية السليمانية التي تعود في أصالتها و عمرانها إلى العصر العثماني ، بأحجارها و جدرانها و طريقة هندستها ، و لأن المرأة العربية تحكمها التقاليد و الأعراف و العادات كان تواجدها في السوق صعب بعض الشيء لذلك كانت تلك الأماكن الأثرية و التي كانت محط جذب للسياح هذا ما يمثل انتشار تلك الصناعات و التعرف عليها ، و تواجد المرأة في تلك الأماكن المغلقة أمر طبيعي فانطلقت المرأة السورية بأعمالها و أخذت أيديها تطرّز و تنقش ، و تبتكر ، لأن في داخلها إحساس بالمسؤولية تجاه وطنها للمحافظة على اسمه ، شعور بالقوة و امتلاك المهارات و القدرات على النهوض بالمجتمع و التحرر من القيود ، ليكون للمرأة دوراً فاعلاً في المجتمع المهني كما للرجل فيها نصيب .
و بهذا الصدد قابلنا السيدة أم هاني التي كانت مثال المرأة العاملة و التي أثبت وجودها و عملها خلال سنوات مضت ، كانت مهنة التطريز لم تفارق ذاكرتها يوما ... سعت للابتكار و الإبداع ... أبت لتلك المهنة النسيان لطالما عملت بها و كان لها دورا في تطوّرها ، فهي عندما اختارتها حاربت الواقع المجتمعي الذي يفرض على المرأة السورية الجلوس في المنزل ، تحدّت الظروف ، الأسرة ، و كلام المحيط بها ، لأن في داخلها هدف إنعاش و إحياء و نهضة سورية و لأنها على يقين أيضا بما للمرأة من دور في مجتمع أبى فيه الكثيرين مشاركتها و حضورها لذلك انطلقت لتثبت وجود كل امرأة سورية و لتجعل منها قدوة للمجتمعات الأخرى ، عملت و عملت ، عيونها و يديها لم تفارق قطعة القماش تلك ، و إلى اليوم و على الرغم من الظروف القاسية التي تمر بها سورية رأت بأن بلدها بحاجة ماسّة إلى الحفاظ على التراث و التذكير به في وقت باتت فيه هذه الاشياء من المنسيات .
فتتحدث عن بداياتها في سنة 1970 حيث تبنّى الدكتور يوسف سمارة فكرة الانطلاق بسوق في المنطقة الأثرية ، للترويج للمنتجات السورية ، فقد اختار من كان ملمّا بمهنته و محبّا لها ، و خصّص محال لكل مهنة ، كانت البداية بصناعة الألبسة الشرقية ، منوّهة إلى أنها مهنة والدها .
و ما ساعدها في تلك المهنة هو دراستها الخياطة و التطريز عند الراهبات في الطلياني ، هذا ما شكّل لديها إلمام و رغبة في هذه المهنة .
أما عن مسيرة عملها فتقول في الفترة الأولى تلقت التمويل و الدعم من والدها و خاصة و أن السوق جديد ، فقد ابتدأت حياتها العملية في التطريز مع أختها ، لافتةً إلى أن هذه المهنة بحاجة إلى أيد عاملة ليولد الانتاج المطلوب كما أنها تتطلب فترة من الوقت .
كما تشير إلى المحبة و التآلف التي كانت سائدة في تلك الفترة و تنوع الجنسيات التي شاركت في هذا الإرث الشرقي ، فهناك السوريات و الأتراك و كان للمرأة الفلسطينية نصيب في المشاركة ، كما الفتيات في سن السابعة كانت لهم ميولهم في فن التطريز على عكس ما نراه اليوم حسب تعبيرها .
و عن ألية العمل و تقسيم الأدوار تتحدث أم هاني حيث يتم تفصيل القطعة ثم تطبق الرسمة و الألوان عليها يعد ذلك يتم الانتقال للمرحلة الأخرى و هي تسليم تلك القطع المصنعة لعاملات مسؤولاتٍ عن التطريز ثمّ تأتي مرحلة الخياطة ، لتعود قطع القماش إلى السوق جاهزة للبيع .
ثم تتكلم بعيون حزينة متأسفة على ما ضاع و مضى ، ففي هذه الفترة و خاصة خلال ما تعانيه سورية وجدت أن هذه المهنة خفّ مردودها كذلك خفّ الاهتمام بها ، و ذلك لأن عدد السياح لم يعد كالسابق الذين كانوا مصدر النشاط و الحركة في تلك السوق ، لكن و بالمقابل تتحدث أم هاني عما حققته هذه الأزمة من ايجابيات تمنح سورية الحب و العطاء كما الاعتزاز فالمواطن السوري اليوم أصبح يقصد هذه الأماكن الأثرية بقصد التعرف عليها و بالتالي يتطلع على المنتجات السورية القديمة ذلك لأنه لم يكن يوماً لديه الفضول في التعرف على تراث بلده و منتوجاته
و لأن كل مهنة بحاجة إلى مواد أولية و أساسية للانطلاق في الصناعة ، إلا أنها في لحظات معينة ربما تعاني من بعض النقص و الصعوبة في الحصول عليها ، بسبب توقف بعص المعامل و الآلات عن التصنيع ، إضافة إلى غلاء تلك المواد رغم قلتها حيث ارتفعت الاسعار خمس أضعاف عن السابق كذلك الأمر فنسبة البيع قليلة مقارنة بأيامٍ قبل سنوات كما أن الأيد العاملة أيضا في تناقص و بذلك تحتاج القطعة وقتاً كافياً من العمل حتى تنتج و هذا ما يشعر البعض بالملل .
إلا أن الأصعب فيما تمرً به سورية ، هو عدم الاهتمام بتلك الأمور التي تحتاج من الجهد و الوقت ما يكفي ، في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا و الكمبيوترات مسيطرة على العقول لدرجة التحكم بها ، لأنه و بالنهاية هذه المهنة تحتاج إلى رغبة و ميول من قبل الأطراف الأخرى المقبلة على تعلّمها أو امتهانها .
و تأمل أم هاني بعودة الحياة الطبيعية إلى بلدها الحبيب سورية ، الذي تعتبره بلد الحضارات و الصناعات ، و لأنه اسم سورية كان دوما حديث العالم تريد له البقاء كذلك ، بل و أكثر من ذلك لتنطلق من جديد ، داعية للتفاؤل الذي يجلب الأمل آملة أن تحمل الأيام القادمة ما هو جديد لسورية و لاسمها و أبناء شعبها .
و أخيرا لا يسعنا سوى أن نقول أن سورية ولّادة ، و براعمها في تفتح دائم ، و ستزهر و تثمر تلك البراعم عندما تجد من يمنحها و يدفعها .
و هذا الإرث الحضاري لا بد له من الانتعاش من جديد لأنه يمثل تاريخا و تراثا يعتزّ به أبناء سورية .
تصوير : تغريد محمد
2014-09-18 08:09:28 | بلد العز و الحضارة |
هذه المهن تدل على اصالة و عراقة بلدنا ، بلد العز و الحضارة و الشموخ ، سورية إرثا حضاريا و ثقافيا و صناعيا بكل ما تعنيه الكلمة ، دائما تعطي و تمنح | |
جنان |
2014-09-18 08:09:56 | اهتمام أكثر |
هذه الحرف و المهن يجب أن تعطى و أصحابها الأهمية الكبرى ، كما يجب أن تولى الاهتمام بها بتقديم الدعم و تـأمين بعض المستلزمات و المواد الأولية و بأسعار مقبولة يقدر بها صاحب المهنة على الشراء | |
مهند |
2014-09-18 08:09:54 | زمن قاسٍٍ |
هناك الكثير من الحرف و المهن ، التي لم تنل حقها في ظل ما تعيشه سورية من أزمات و حروب نفسية قبل الواقعية ، لذلك انطوى المواطن و انكفأ على نفسه | |
فؤاد |