دام برس - بلال سليطين :
في كل يوم يمضي على الحرب الدائرة على سورية، تطلعنا الجماعات التكفيرية على فتوى جديدة أو قرار جديد، وتطلق أحكامها بالتحريم والتحليل يمينا وشمالا، لدرجة أصبح فيه عدد الفتاوى يفوق عدد المفتى لهم في كل منطقة من مناطق انتشار هذه الجماعات، خصوصا في محافظة الرقة التي تخضع لسيطر تنظيم ما يسمى دولة الخلافة (داعش سابقا).
آخر ما حصده الناس من أذى بسبب فتاوى هذه الجماعات هو منع الطلبة من دراسة وتقديم الإمتحانات في الفلسفة والعلوم الإنسانية بكافة فروعها على اعتبار أنها بدعة حسب وصفهم وتسبب الشرك والضلال.
المنع مطبق في مختلف المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات سواء تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو غيرهما من التنظيمات المنتشرة في سورية، حيث يمنع "خالد" وهو طالب من محافظة الرقة، يمنع منعا باتا من الذهاب إلى الجامعة لإتمام دراسته، ويقول لدام برس أثناء سفري لتقديم الامتحانات قبل حوالي شهر أوقفني حاجز لتنظيم داعش، وطلب هويتي وصار يسألني عن سبب عدم انضمامي لمن أسماهم بالمجاهدين، فقلت له أنني أدرس بالجامعة، فما كان منه إلا أن طلب بطاقتي الجامعية وعندما قرأ عليها كلمة فلسفة، أمر باعتقالي على الفور وساقوني للتحقيق معي، ولم يتم إخلاء سبيلي حتى تعهدت بعدم متابعة الدراسة في هذا القسم، وقد حذروني من إقامة الحد علي في حال خالفت أوامرهم.
أما "حسن" وهو من ريف إدلب فقد أوقفه حاجز للمجموعات التكفيرية في شهر شباط الماضي، وأخذ منه بطاقته الجامعية وأحرقها له، ويقول "حسن" لقد وبخوني لأنني أدرس الفلسفة، وكالوا لي سيلا من الاتهامات اللفظية بالزندقة والكفر، ومن ثم قاموا بحرق وإتلاف بطاقتي الجامعية ومصادرة الكتب، وهددوني بالإعتقال في حال تابعت الدراسة.
الدكتور "منذر شبانة" وهو رئيس قسم الفلسفة في جامعة تشرين أشار في حديث خاص لدام برس إلى أنه تلقى عدة شكاوى من طلبة الرقة وحلب وريف إدلب توضح أنهم تعرضوا للأذى بسبب دراستهم للفلسفة، وقال :حاليا ندرس إيجاد حل لهم، لحمايتهم والحفاظ على سلامتهم، ومن الممكن أن يكون الحل بإلغاء بطاقاتهم الجامعية لكونها هي المسبب لاكتشاف الفرع الذي يدرسونه.
سلوك الجماعات التكفيرية هذا يتناقض مع الإسلام وتعاليمه بحسب قول الداعية الإسلامي "عبد الرحمن بن علي ضلع"، وهو رئيس مركز الدراسات الإسلامية في بلاد الشام، ضلع يقول: هذا السلوك يشوه صورة الإسلام ويظهره على أنه دين منغلق لايؤمن بالعلم ويحاربه لأنه غير قادر على مسايرته، وهذا كلام مرفوض تماما والغاية منه تقديم صورة مضللة عن الإسلام، وبدل منع الطلبة من دراسة فرع ما لأنهم يجدون فيه مشكلة معينة، عليهم أن ينشروا العلوم والمعرفة ويبينوا أين الخطأ والصواب في الأمر ويسعوا إلى إرشاد الناس إلى الطريق (الذي يرونه صحيحا) بالإقناع والترغيب وليس بالإجبار والترهيب، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز "لا إكراه في الدين".
الخبير في شؤون الجماعات المتشددة والتكفيرية "عبد الله علي" وفي تعليق لدام برس على ماسبق قال:من غير المستغرب أن يلجأ تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى منع تدريس مادة الفلسفة، بل يمكن القول أن هذا المنع متوقع لأنه يعكس طبيعة هذا التنظيم وطبيعة فكره الرافض للعقل والعلوم العقلية. ونحن نعرف أن الصراع بين الدين من جهة وبين الفلسفة صراع قديم وقد اتخذ في التاريخ الإسلامي أشكالاً عدة منها الخلاف في البداية أي بعد قبض النبي محمد بين الرواية وبين الدراية ثم الخلاف بين أهل الحديث وبين أهل العقل لتتجذر هذه الخلافات في تراثنا وتتحول في مراحل معينة إلى حرب دموية كالتي حصلت في محنة "خلق القرآن" في العصر العباسي.
وداعش تنتمي في جانب منها إلى فريق أهل الحديث والنقل، من دون أي اعتبار للعقل والتفكير، لذلك فإن ألد أعدائها هو العقل وبالتالي الفلسفة ما يجعل قرارها بمنع تدريس الفلسفة متوقعاً كما قلنا.
ويختم "علي": يحرص "داعش" في حلقات الدراسة التي يقيمها في المساجد على تدريس كتب معينة أهمها كتب محمد بن عبد الوهاب، وعلى رأسها كتاب الأصول الثلاثة، محاولاً ترسيخ مفهوم معين للتوحيد الإلهي، لأن مفهومه عن التوحيد هو الفيصل بين الكفر والإيمان، وكل من يوحد الله بغير مفهومه وشروطه يعتبر كافراً ينبغي الجهاد ضده، لذلك ليس من قبيل الصدفة أن يجتمع في اسم الفصائل الإسلامية كلمتي التوحيد والجهاد.
جدير بالذكر أن عدداً كبيراً من طلاب قسم الفلسفة في سورية تعرضوا لمضايقات من قبل هذه الجماعات التكفيرية بسبب دراستهم، وبعضهم اضطر لترك مدينته التي تخضع لسيطرة هذه الجماعات وانتقل للعيش في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية.