Logo Dampress

آخر تحديث : الثلاثاء 19 آذار 2024   الساعة 13:09:54
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
رجل من مدينة جبلة يبني قلعة بمفرده في 50 عاماً.. قلعة الزوزو معجزةٌ عمرانية صنعتها جهود فردية
دام برس : دام برس | رجل من مدينة جبلة يبني قلعة بمفرده في 50 عاماً.. قلعة الزوزو معجزةٌ عمرانية صنعتها جهود فردية

دام برس - بلال سليطين

بسواعده الحديدية حمل حجارتها وبمفرده بناها قلعةً تتكئ على شاطئ مدينة "جبلة" لتكون شاهداً على الحضارات التي تعاقبت عليها ولتبقى ذكرى بعيدة الأمد تحيي سيرة بانيها "أحمد الزوزو". القلعة التي يقصدها كل زائر لمدينة "جبلة" يصفها الفنان "باول صابور" خلال حديثة لدام برس بأنها شاهد حي على عظمة الإنسان وصرح حضاري يستحق منا الوقوف عند إرادة بانيه مطولاً، ويضيف "صابور":«داخل هذه القلعة تجد مزيجاً من الفنون والثقافات والحضارات العمرانية، كما تجد لمسة سحرية للأستاذ "أحمد الزوزو" الذي أمضى عمره في بنائها ولا يزال مستمراً، لقد استحضر فيها  ثقافات الماضي وحضاراته وجعل منها مرجعاً أو أرشيفياً عمرانياً للحضارات التي مرت على مدينة "جبلة"».

مضى على تاريخ البدء في بناء هذه القلعة أكثر من 25 عاماً حيث جاءت فكرة بنائها عندما كان السيد "أحمد الزوزو" ماراً بجانب "دير" في مدينة "جبلة" يملكه أحد أصدقاءه فوجد حجارة هذا الدير مهدمة ومرميةً على جانب الطريق مما أثار حفيظته فاقترب من صاحبه وشرح له عن أهمية تلك الحجارة وما تمثله من حضارات وأن عملية الهدم تنم عن جهل ثقافي ووضح له ضرورة الحفاظ عليها.

وتابع "الزوزو" بالقول:«"الدير" كان قديماً جداً ويعود للفترة الصليبية وهو بناءٌ يتميز بالرشاقة لكن جزءاً كبيراً من غرفه كان قد تهدم ولأن صديقي لم تكن لديه القناعة بضرورة ترميمه والحفاظ عليه قررت الحفاظ على حجارته وإعادة بنائها بنفس الأسلوب الصليبي الذي بنيت عليه وقمت بنقلها إلى أرضي هذه، وبدأت البناء وكانت أول غرفة بنيتها على الطريقة الصليبية.

ثم أصبحت كل ما تهدم منزل قديم في مدينة "جبلة" أشتري حجارته وأعيد بناءها على نفس الطريقة التي تمثلها لذلك تجد داخل القلعة عدة نماذج عمرانية كل نموذج يعود لمرحلة معينة "الفينيقية، البيزنطية، المملوكية، الصليبية، الإسلامية" وكلها حضارات مرت على مدينة "جبلة"».

"الزوزو" اعتمد على نفسه في بناء هذه القلعة مرتكزاً على ما اكتسبه من معرفة في هذا المجال فهو حسب قوله:«ملم بالثقافات والحضارات القديمة ومهتم بالأبنية الأثرية وفي كل يوم جمعة يزور منطقة أثرية ويتمعن النظر بفنها العمراني ويتعلم من خلال الرؤية الحركات العمرانية لكل حضارة».

 

فهو جامعي درس الحقوق والجغرافية واستفاد كثيراً من دراسته للجغرافية، وهو يتحدث عن هذه الفائدة بالقول:« الجغرافية ترتبط ارتباطا وثيقاً بالتاريخ وهي تساعدني على معرفة المناطق التي عاش فيها الإنسان وقدم إليها.

كما أنني درست في التاريخ منشأ الحضارات القديمة وكيف بدأ الإنسان بالعمل الحضاري وكيف تطورت الحضارات وهاجرت الشعوب وأنشأت الحضارات في الأماكن المناسبة لها».

السيد "حمدو العقاد" شاهدٌ حي على مراحل بناء هذه القلعة، وهو يتحدث عنها بالقول:«لقد واكبت بناء هذه القلعة حجراً فوق حجر، ورأيت بأم عيني كيف استطاع "أحمد الزوزو" بناءها بفرده دون مساعدةً من أحد، فهو في كل يوم يأتي إليها بعد الظهر يضع سيجاراته في فمه ويصفن يتمعن يضع تصوراً في رأسه وينهض للعمل دون كلل أو ملل، يحمل الحجرة تلو الأخرى دون أن يرف له جفن وكأنه شاب في العشرين من العمر».

القلعة عبارة عن بنائين منفصلين كل بناء مؤلف من طابقين تكثر في الطابق الثاني النوافذ وتنعدم الشرفات بينما الطابق الأول عبارة عن مجموعة غرف كل غرفة تمثل حضارة معينة سواء في أرضيتها أو جدرانها أو حتى سقفها الذي رسم عليه "الزوزو" بريشته شكلاً فنياً جميلاً له علاقة بالحركة لا بالسكون حيث نجد العاصفة البحرية حاضرةً في لوحته. 

"الزوزو" يشرح لنا عن تفاصيل قلعته بالقول:«نجد فيها الإيوان البيزنطي وهو بالنسبة للبيزنطيين عبارة عن مصيف فيه ثلاث درجات يجلسون عليها ويزرعون أمامها حديقة أما السقف فكانوا يرسمون عليه ما يسمى "فريسكو" وهو عبارة عن منظر طبيعي (غابة، وادي، رياح، بحر) هذا المنظر له بعد نفسي على الإنسان ويساعده على عدم الشعور بالملل.

كما نجد في الطابق الأول للقلعة الغرف ذات النوافذ الرومانية ، والمقاعد الحجرية والأرضية المصممة على شكل موزاييك.

أما الطابق الثاني نلاحظ فيه أكثر من طراز معماري من خلال القاعة التي تجمع اكثر من طراز معماري بين الأندلسي والغربي وفن البندقية (إيطالية) العمراني، القناطر المبنية على شكل شلالات وهي انعكاس لشلالات جبال الأطلس، والخلفية أسلوب عصر النهضة الذي أتى إلى "جبلة" قادماً من "البندقية" في عهد المماليك الذين كانت تربطهم علاقة تجارية وثيقة مع تجار البندقية الذين كانوا يستخدمون طريق الحرير لنقل بضائعهم والمماليك كانوا مسيطرين على كل موانئ طريق الحرير».

"الزوزو" الذي بدأ بجمع حجارة قلعته منذ خمسينيات القرن الماضي وبدأ بنائها منذ أكثر من 25 عام لم ينه مهمته بعد ومازال أمامه حوالي 5 سنوات من العمل يقول عنها:«لا تزال القلعة بحاجة إلى مدخل رئيسي وإلى برج دائري على الطراز الصليبي وأنا اليوم أجلب الحجارة لبنائه ولكي أصله مع البرج البيزنطيين هذا البرج ضروري من أجل التوازن في عملية البناء ولكي تكون متكاملة، الانتهاء منه يحتاج إلى حوالي 5 سنوات من العمل.

إنني متفائل جداً بأنني سأنتهي من بناء القلعة قبل وفاتي وفي حال أنني رحلت عن الدنيا قبل ذلك أكون قد أديت واجبي بأمانة وبنيت قلعةً بمفردي دون دعم أو مساعدة من احد، لكن بعد موتي أدعو وزارة الثقافة إلى الاعتناء بها والحفاظ عليها ورعايتها فهي إرث حضاري لمدينة "جبلة"».

ردة فعل الناس على موضوع بناء القلعة في البدايات حدثنا عنها شقيقه الأستاذ "طه الزوزو" بالقول:«في البدايات كان الناس يعتقدون أن هذا مكان أثري والدولة ترممه، وعندما علموا بالحقيقة هناك من استهجن الفكرة واعتبرها إضاعة للوقت وهدر للطاقة دون فائدة مادية، فيما اعتبرها البعض الآخر عملاً يخدم الإنسانية ويوثق حضارة وتاريخ مدينة "جبلة" عمرانياً».

"أحمد الزوزو" الذي بنى قلعته وحيداً معتمداً على سواعده وفكره تحدث عن موضوع الصحة والبناء المنفرد بالقول:«رغم أنني في الثمانين من عمري إلا أنني مازلت أمتلك القوة والقدرة على بناء هذه القلعة من جديد، لأني متمكن من علوم القوة الجسدية ولدي شهادة مدرب رياضة وأعرف قيمة العضلة وحركة الجسد وبنية العظام.

أما العمل المنفرد فهو ضرورة بالنسبة لي لأنه علي انتقاء الحجرة المناسبة لعملي، وهذه العملية تحتاج إلى تمعن وفكر وتأمل فيما يتعلق بتشكيل البناء ووضع الحجرة في المكان الصحيح، ما أقوم به فن وليس بناء لذلك عندما يأتي إلي شخص ما أتوقف عن العمل لكي لا أفقد تركيزي وأقع في الخطأ».

السيد "سميع أحمد" وهو مهتم بالتراث ويواظب على زيارة القلعة تحدث لموقعنا أثناء مصادفتنا له في أول زيارة للقلعة:«زرت القلعة عدة مرات وراقبت نوعاً ما مراحل بنائها الأخيرة لكنني لم أتمكن من رؤية بانيها في أية زيارة كلما زرتها أشعر بأنه كان موجوداً قبل لحظات وعندما أبحث عنه لا أجده».

سبب عدم رؤية الناس للأستاذ "أحمد الزوزو" أجابنا عنه هو شخصياً عندما استطعنا لقاءه بعد زيارات متكررة وسعي حثيث، حيث علل سبب ذلك بالقول:«أنا شخص انطوائي أحب العمل بصمت وقليلاً ما أحدث الناس الذين يعرفونني عن القلعة مع أنني أدعوهم لزيارتها، وكلما شعرت باقتراب شخص من القلعة أختفي، إلا شخص واحد هو صديقي القديم "حمدو العقاد" كلما اقترب من القلعة يستخدم صياحاً معيناً فأرد عليه وأدله على مكاني لكي يأتي إلي».

الجدير بالذكر أن القلعة تقع على كورنيش مدينة جبلة جنوبي ضريح السباح العالمي البطل "محمد زيتون"، وهي تطل على البحر مباشرةً ومحاطة من جهته بسور حجري وبإمكان أي شخص زيارتها والتمتع بمنظرها متى شاء.

 

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   كل الاعجاب
التقرير جميل والذي بنى هذه القاعة أجمل سلمت يداك يا استاذ أحمد زوزو ولكن نتمنى عرض صور أكثر للقلعة من الداخل لتشجيع الناس على زيارتها والتمتع بما ذكرتم ............سورية أم الحضارات وهذا شاهد حي نتمنى المزيد من هذه الانجازات التي تعمر البلد
لميا  
  0000-00-00 00:00:00   بتجنن
عنجد شكراً استاذ بلال والله القلعة بتجنن وقصتها رائعة وصدقني عمري ما شفتها مع اني عايش بجلة من 30 سنة
سلمى  
  0000-00-00 00:00:00   بتجنن
عنجد شكراً استاذ بلال والله القلعة بتجنن وقصتها رائعة وصدقني عمري ما شفتها مع اني عايش بجلة من 30 سنة
سلمى  
  0000-00-00 00:00:00   
مشكور استاذ بلال على هذا التقرير الرائع أنا من سكان مدينة جبلة وهذه أول مرة أسمع عن هذه القلعة وسأزورها قريباً شكراً لك للفت انتباه الناس إلى هذا الصرح الرائع.
جبلاوي..  
  0000-00-00 00:00:00   
بالفعل شخص رائع لأنه قلما نرى في هذه الأيام من يهتم بالعمران التراثي لأننا وصلنا لزمن كل ما يرى فيه تراث يهدم ويبنى بدلاً عنه بناءً حديثاً بارك الله بجهودك وأطال الله بعمرك لتنهي بناء قلعتك العظيمة.
دارين..  
  0000-00-00 00:00:00   رائع
الله يسلم إيدك يا سيد أحمد الزوزو بالفعل أنت رجل عظيم بارك الله بك وبجهودة وبسواعدك.
منجد..  
  0000-00-00 00:00:00   
جبلة كانت ومازالت مهد الحضارات وهي معروفة بطيبة سكانها ومحبتهم وألفتهم مع بعضهم البعض.
مروان..  
  0000-00-00 00:00:00   سوريا تتكلم
هذه هي سوريا مثلما كانت منذو الازل والان والى الابد - -- اكيد ستنجب امثال هذا الانسان البارع الخلاق احمد الزوزو الذي هو بحد ذاته قلعة ---
ابراهيم كيفو  
  0000-00-00 00:00:00   تشكر
الله يعطيك الف عافية
وائل  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz